فضاءات عربية (:::)
طلال قديح* (:::)
وبينما يودع العالم عام 2014م بكل ما زخر به حوادث وما شهده من تغيرات طالت كثيرا من البلدان ، وكان للعالم العربي نصيب الأسد منها- اختطفت يد المنون فناناً فلسطينياً عربياً ، طالما احتل الريادة في الأعمال الفنية التي شارك فيها، ليحظى بحب جماهير جارف لم ينله إلا العمالقة الذين يشار إليهم بالبنان، وسار بذكرهم الركبان.
رحل الفنان محمود سعيد، وكان لرحيله صدى واسع لدى وسائل الإعلام فتقاطر الكثير من أعلام الفكر ليبينوا عظمة صقر الشاشة العربية والمسلسلات التاريخية التي تجسّد ما كان يتمتع به من إمكانات لا تتوافر إلا للعظماء.أثنى عليه الجميع وأشادوا بمناقبه وسجاياه.
عرفه الجميع بصوته الجهوري، وأدائه الرائع ، ولغته العربية الفصحى، وإتقانه لكل الأدوار التي قام بها.
حقاً، إنه الفنان المبدع الذي وهب نفسه للفن ليبلغ به الذروة، ويحقق ما كانت الجماهير العربية تعلقه عليه من آمال..كان عند حسن الظن به، فأعطى وأبدع أيما إبداع!
ولو لم يكن له إلا دور خالد بن الوليد القائد الفذ، سيف الله المسلول، في فيلم الرسالة الذي أخرجه مصطفى العقاد- لكفاه فخراً واعتزازاً.
ولد محمود سعيد في يافا بفلسطين، عام 1941م ، أحبها وتعلق بها قلبه لكنه هُجّر منها قسراً، عام النكبة، ليستقر به المقام في صيدا بلبنان..لم ينس فلسطين لحظة واحدة فجند فنه خدمة للقضية فأبلى بلاء حسناً يشهد له به الجميع.
كم كنا ننتظر بشغف المسلسلات التي كان يشارك فيها صقر الشاشة العربية، ونؤخذ بأدواره المميزة، وما تتسم به من شجاعة ورجولة وأنفة وكبرياء وعزة وشمم.، تجسيداً للمكارم العربية المتوارثة دوماً.
عرفناه دائم الحنين إلى مربع طفولته في يافا، يتلهف شوقاً للعودة إلى فلسطين وطن الآباء والأجداد، ومهد الرسالات، وميدان الفداء والبطولات.. لكن شاء الله تعالى أن يوسّد ثرى لبنان الحبيب الذي عاش فيه عمره كله وأحبه مخلصاً.
عاش صقر العرب محمود سعيد- شأنه شأن مجايليه- عروبياً أصيلاً، انتماءً وعطاءً،كان حلمه الذي لا يفارقه لحظة أن تتحقق الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، وأن تعود فلسطين لأهلها كما كانت عبركل السنين،عربية، تنعم بالحرية والاستقلال وتقوم بدورها المركزي في محيطها العربي، ويساهم أبناؤها -كما كانوا دوما- في النهضة العربية الشاملة.
ترجل الفارس المغوار وفي نفسه غصة لما آلت إليه الأمور في العالم العربي.. ورحل ولسان حاله يردد قول أبي فراس الحمداني:
سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ
أجل ، إننا افتقدناك كثيراً، فأمثالك نادرون وقلما يتكررون. نبكيك جميعاً بغصة وحرقة حباً وتقديراً ووفاء.
رحم الله فقيد فلسطين والعرب، الفنان الخالد محمود سعيد، وجزاه الله خيراً لما قدمه من أدوار عظيمة في خدمة دينه ووطنه وأمته.
• كاتب ومفكر عربي
• 1/1/2015م.