ماذا عسى ترامب فاعلاً؟ – بقلم : جيمس زغبي

اراء حرة ….
بقلم : جيمس زغبي – واشنطن  …
تحوّل التعليق على الانتخابات الأميركية من تحليل النتائج إلى التكهنات، ومن الحديث عن كيفية فوز ترامب، إلى ما سيفعله الآن بعد فوزه. ولعل التكهن بما سيفعله أي رئيس منتخب عادة ما يكون هدفاً بعيد المنال، إلا أنه في حالة ترامب سيكون أكثر صعوبة بسبب حقيقة أنه ليس من المؤكد كونه يعلم ما سيفعله!
وبالطبع، تختلف إدارة الحكومة اختلافاً تاماً عن إدارة حملة انتخابية، فالحملات الانتخابية تكون في جانب مهم منها عملاً فردياً، فيمكن للمرشح أن يخوض ويقول ما يحلو له لجذب الناخبين. وأما الحكم فيقتضي جهوداً جماعية ملائمة وفعالة وقدرة على الإدارة والتكيف مع كثير من الوقائع السياسية والاجتماعية المتنافسة. ونتيجة لذلك، تنطوي عملية تحويل الوعود إلى سياسات على أمور محفوفة بالمخاطر.
ويبدو بالفعل أن الرئيس المنتخب يخفف من نبرته أو يتراجع عن كثير من المواقف التي أعرب عنها أثناء الحملة الانتخابية. ودعونا نتذكر ذلك «السور الجميل الكبير الذي ستدفع المكسيك ثمنه»، فيبدو الآن أنه لن يكون «سوراً» بالمعنى الحرفي، وإنما تواجداً أمنياً صارماً جداً عند الحدود، ولن تدفع المكسيك مقابله على الإطلاق. ولن يتم تطويق وترحيل جميع المهاجرين الذين لا يحملون وثائق، ويبلغ تعدادهم 11 مليوناً، وإنما مليونين إلى ثلاثة ملايين شخص لديهم سجلات إجرامية، وهو شيء قد بدأه بالفعل الرئيس باراك أوباما.
وبالمثل، بعد اطلاعه على تفاصيل قانون الرعاية الصحية «أوباماكير»، يبدو أن ترامب قد توصل في الوقت الراهن إلى أنه بدلاً من التخلص من القانون بشكل كامل، هناك بعض الجوانب الجيدة التي يجب حمايتها مع إجراء تحسينات تهدف إلى جعل الرعاية الصحية أكثر تحملاً. ويبدو أنه يتعامل بحذر مع «اتفاق إيران» مشيراً إلى أنه بدلاً من إلغائه، فقد يختار بدلاً من ذلك تطبيقاً أشد صرامة.
والواقع أنه بغض النظر عن كون أي رئيس رئيس قائداً للفريق، فهو يكون في كثير من الأحيان أسيراً لفريقه وللعالم، الذي يكتشفه.
وفي المقام الأول، يجب أن يعتمد الرئيس على المعلومات التي يتلقاها من أولئك الذين عينهم، كما يعتمد أيضاً على قدرتهم في النهاية على تنفيذ توجيهاته. ولذلك فإن من المهم أن نرى من سيعين ترامب في المناصب الإدارية الحساسة. وفي حين أننا نعرف آراء الرئيس المنتخب من خلال تصريحاته التي كانت ساعية في الأساس لإثارة الحماسة في التجمعات الانتخابية، إلا أن لائحة التعيينات الرئيسة المبكرة يمكن أن تقدم أيضاً بعض الدلالات على المنحى الذي ستتخذه إدارته بشأن القضايا المهمة.
والعامل الآخر المهم الذي يجب أخذه في الاعتبار هو الحقائق الاجتماعية والسياسية التي تمهد الساحة أمام الرئيس الجديد. وفي حين يضع الرؤساء أجندات لإداراتهم، لا يتم الحكم عليهم فقط بما يفعلونه من خلال أجنداتهم، وإنما أيضاً بمدى قدرتهم على مواجهة الأجندة التي يضعها العالم أمامهم.
ودعونا نتذكر برنامج الشرق الأوسط الطموح الذي تحدث عنه أوباما في خطابه التاريخي في جامعة القاهرة. فقد عرقله الكونجرس المعارض، ورئيس الوزراء الإسرائيلي المتعصب، والتبعات غير المتوقعة للاضطرابات التي وقعت في عدد من الدول العربية.
وفي حين ألمح الرئيس المنتخب إلى أنه سيسعى إلى التعاون مع روسيا من أجل إنهاء الصراع في سوريا، فإن نجاحه سيعتمد على ما إذا كان الكونجرس سيساعده على تحقيق ذلك، وخاصة أن بعض «الجمهوريين» قد أوضحوا صراحة أنهم لن يؤيدوا ذلك، وبالمثل ما إذا كانت مصالح روسيا ستتلاقى مع المصالح الأميركية، وما إذا كانت إيران ستسمح لروسيا بالهيمنة على أجندتها، وأخذاً في الحسبان أيضاً موقف الشركاء الإقليميين الآخرين في المنطقة وما إذا كانوا سيوافقون على ذلك أم لا.
وقد اتخذ الرئيس المنتخب مواقف متعددة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي البداية أعرب عن رغبته في البقاء على الحياد بحيث يمكنه التفاوض من أجل إنهاء الصراع. وشكك أيضاً في المساعدات الأميركية لإسرائيل، وقال إنه لن يلتزم باتخاذ موقف إزاء قضية القدس. ولكن مع تقدم الحملة الانتخابية، وحضوره المؤتمر السنوي للوبي الضغط الإسرائيلي «آيباك»، شدد موقفه وأصبح أكثراً تأييداً لإسرائيل. ولكن ما يزيد الأمر غموضاً هو أنه في حوار خلال الأسبوع الجاري، تحدث عن رغبته في التوسط من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع، مؤكداً أنه «يود القيام بذلك من أجل الإنسانية».
والحقيقة الأساسية في كل ذلك أنه لا شيء مؤكدا حول ما يريد ترامب أن يفعله تجاه القضايا المهمة، أو ما يستطيع فعله في النهاية – جيمس زغبي