اراء حرة (:::)
ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:::)
من المبادئ والركائز التى تقوم عليها النظم الديموقراطية مبدا لا إكراه فى السياسة ، والعمل بهذه القاعدة الهدف منها البقاء والحفاظ على حيوية النظام السياسى القائم وتجسيده لكافة القوى السياسية والأراء والإتجاهات القائمة دون تهديد النظام الديموقراطى نفسه. وهذا الذى يضمن أو يولد مبدأ الإستمرارية والتواصل والتوالد الذاتى للنظام دون المساس بجوهره ومضمونه، ومن ثم هذه القاعدة بالنسبة للديموقراطية تشكل القاعدة الأساس التى تقوم عليها ، وبدونها تبرز الكثير من المظاهر التى أبرزها الرفض السياسى للنظام القائم، ويعبر عنها بمظاهر العنف وغياب الإستقرار ، وتنازع الشرعية السياسية ، وإدعاء كل طرف بانه من يمثلها ، وأن النظام السياسى الشرعى هو النظام الذى يمتلك هو دون غيره حق احتكاره ، وألإستئثار به. وهذه الظاهرة هى التي تفسر لنا الحالة السياسية السائدة فى عالمنا العربى والإسلامى . وتعكس هذه القاعدة جوهر السياسة ، من حيث انها ظاهرة بشرية تقوم على الكل وليس الجزء، فالسياسة تتعامل مع ظاهرة السلطة وهى ظاهرة كلية لا يمكن إستئثارها أو إحتكارها من قبل قوة واحدة ، والسلطة تتميز بأنها ظاهرة بشرية تتعلق بالحكم والنفوذ وتوزيع القوة ، وكلها مطالب يسعى إليها الجميع لإمتلاكها ، وقد تكون السلطة الوجه الآخر للسياسة ، وكلتاهما حالة بشرية كلية ، ولهذا إستحوذت هذه الظاهرة على إهتمام الفلاسفة والمفكرين والباحثين فى الشأن الإنسانى ، ومحاولة الإجابة على التساؤل الذى ما زال قائما أى النظم السياسية أو أنظمة الحكم اكثر قبولا وتعبيرا عن الظاهرة البشرية بكل مكوناتها المتعددة والمتنوعة ، وخلص هؤلاء جميعا إلى أن نظام الحكم الديموقراطى هو من يعبررعن قاعدة لا إكراه فى السياسة ، ومن هنا جاء تعريف الديموقراطية ان الديموقراطية حكم الشعب ومن الشعب وإلى الشعب. ولم يكتفى ألأمر عند هذه الإجابة فكان البحث عن الآليات التى تضمن تطبيق وترجمة هذه القاعدة السياسية ، ومن هنا برزت أهمية ألإنتخابات السلمية كوسيلة للحكم ، ومن خلالها يمكن ضمان تداول السلطة تطبيقا وترجمة لجوهر السلطة بانها حالة جماهيرية عامة ، والتوافق على اهمية توافر آليات سيادة القانون ومساواة الجميع وهو ما يضمن الإبتعاد عن ظاهرة الشخصنة السياسية ، وضمان حق المشاركة السياسة لجميع المواطنيين فى المساهمة فى صنع القرارات والسياسات التى تمس حياتهم بما يضمن قبولها ودعمها وهذا يتحقق عبر الإنتخابات وإختيار من ينوب عن الشعب فى إدارة السلطة . ويعرف هذا بمبدأ التفويض السياسى الذى ينجم عنه مبدأ المساءلة السياسية الشعبية عند تجديد هذا التفويض من خلال الإنتخابات الدورية وهو ما يضمن التجديد السياسى على مستوى النخبة الحاكمة بعيدا عن إحتكار السلطة .وفى هذا الإطار يتحقق مبدأ الكلية السياسة الذى لا يلغى التعددية والتنوع السياسى ، ولا تلغى التعددية الكل السياسى ، وهو ما يضمن قيام نظام الحكم من قبل الكل من خلال المشاركة والتوافق حول هوية النظام السياسى الحاكم. العمل بهذه القواعد هو ما يضمن الإستقرار ، والتقدم ، وإحتواء ظواهر العنف ، لكنها فى النهاية تنعكس على آداء وإنجاز نظام الحكم ، والذى يعنى قدرة النظام على الإستجابة لكل المطالب الشعبية سواء كانت هذه المطالب مادية او معنوية سياسية . هذا لتوصيف لمبدأ لا إكراه فى السياسة يفسر لنا لماذا سادت أنظمة الحكم الفردانية والإستبدادية أو السلطوية فى مرحلة ما قبل التحول العربى ، وسيادة صورة الحاكم بارادة الله، والتى تقوم على عدم قبول مبدأ التنوع ، والتعدد السياسى ، وإحتكار السلطة لأسباب دينية أو تقليدية ، وفرض ما يعرف بالإتجاه السياسى ألأحادى الذى يأتى ويفرض من فوق ، وهو ما أدى إلى التسلط السياسى والفكرى ، وحيث ان هذا النظام يتنافى ومبدأ الفطرة البشرية التى تقوم عليه قاعدة لا إكراه فى السياسة فكانت النتيجة الحتمية إندلاع الثورات العربية الرافضة لهذه النظم ، وهى المرحلة التى تسود كثير من الدول العربية ألآن ، وتوصف بانها المرحلة الإنتقالية التى تتذبذب وتتأرجح بين العنف واللاإستقرار ، وبين الرغبة فى بناء منظومة سياسية جديدة تقوم على الشراكة ، ونظرا لأن هذه المرحلة قد أفرزت قوى سياسية وتيارات إسلامية تؤمن بالإتجاه الأحادى ، ولا تؤمن بالفطرة البشرية للسلطة ، ومحاولتها توظيف حالة الثورة للرجوع بنظام الحكم إلى ما كان عليه فى السابق ،ولكن تحت مرجعية دينية مطلقة ، لا تقوم على التنوع والحوار ، فكانت النتيجة الحتمية والسريعة أن قامت ثورة مضادة ضدها لسؤ إدراكها أن حالة الثورة ما زالت قائمة ، لندخل فى مرحلة جديدة قد تكون مزيجا من مرحلة الثورة ومرحلة الحكم الأولى بسبب ظاهرة العنف والرفض التى صاحبت خروج هذه الجماعات من الحكم ، وإيمانها أن العنف والقوة هو أقصر الطرق للعودة للحكم ، وهذا خطأ فى التصور والإدراك، ولو آمنت بفكرة الكلية للسلطة والحكم ، ما وصلت إلى ما وصلت إليه بخروجها للحكم ، لكن هذا الخروج شكل تحديا ومعضلة للحكم الجديد الذى يفترض أن يقوم على الكلية والتعدد والتنوع فى إطار نظام يقوم على فكرة المواطنة الواحدة ، وفكرة الحقوق السياسية والمدنية التى يتساوى عندها الجميع.وهنا تبرز إشكاليات الحكم التى فى حاجة لإيجاد حلول لها من خلال التوافق حول طبيعة السلطة السياسية بإعتبارها ظاهرة بشرية وليست دينية، بمعنى ان هذه الظاهرة تترك للحرية البشرية ، وقد يكون الدين عامل تأثير مثل بقية العوامل لكن ليس العامل الحاسم الوحيد.وهنا تبرز إشكالية إحتكار السلطة والإنفتاح من اعلى قمة النظام إلى قاعدته، وهى الإشكالية التى أدت إلى عدم إندماج القوى السياسى ألإسلامية فى بنية الحكم، وهذا يتطلب إنفتاحا على جميع القوى السياسية بعيدا عن النبذ، والإقصاء، والإشكالية الثانية عدم التلاقى والوضوح بين إستراتيجات الحكم من قبل كل من الدولة والحركات الإسلامية ، فالدولة إنتهجت إستراتيجية الإحتواء لهذه الجماعات من خلال الإنتخابات وليس بهدف دمجها دمجا حقيقيا، والجماعات الإسلامية قبلت بإستراتجية المشاركة ليس من قبيل الإيمان بنظام الحكم القائم ،ولكن بهدف تغييره من القمة . هذه الإستراتيجيات فشلت لذلك تسوتجب قاعدة لا إكراه فى السياسة تغيير هذه الإستراتيجيات من قبل الدولة والجماعات الإسلامية ، بالحوار والتصالح الوطنى ، من خلال القبول بقاعدة لا إكراه فى السياسة.
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com