القصة ….
قصة : بكر السباتين ….
حدث معي في سرادق العزاء وممعوط الريش
أذكر أنه جمعتني الظروف ببعض الأصدقاء والأقارب في سرادق عزاء أحد الأقارب في الجبل الأبيض بالزرقاء، وكان الحديث يدور حول غلاء الأسعار، وكنت في حديثي أحمل المواطن مسؤولية ما يجري له لأنه هو الذي ينتخب نوابه المتخاذلين المطبعين وبدلاً من ردعهم يقوم بالتسحيج لهم وكأنهم أنبياء لا يخطئون، وهو ذاته الذي يُسْرَقُ من قبل الحكومة ثم يتقبل الأمر خاضعاً دون أن يفعل شيئاً.. وقد هال الحديث أحد كبار السن ممن يرتدون عباءة مقصبة وقد اعتمر رأسه الأجوف كوفية بيضاء، وقد تجاوز عمره الثمانين أو أقل بقليل، فاقترب متسللاً كثعلب منتوف الريش، حتى استقر فمه بالقرب من أذن أحد المشاركين في الحديث، وأخذ يهمس له بأمر بانت نتائجه على عينيه إذ تقلبتا من الخوف والارتعاد، ليتحول زاحفاً كأفعى نحو الرجل الاخر وفعل معه نفس الشيء، ولحظات تسحب خلالها ثلاثتهم خارجين بصمت من السرادق. وعلمت فيما بعد فحوى ما قاله هذاا الرجل الخبيث المحسوب على جماعة” الستيرة والمشي جنب الحيط” كما أسرّ لي صديقٌ التقط فحيح هذا الرجل ممعوط الريش وهو يحذر قريبيه قائلاً” ابتعدا من هنا فحديث هذا الرجل الشجاع يضعنا بشأنه أمام خيارين، فإما أنه كاتب شجاع لا يخشى في الحق لومة لائم، أو أنه من رجل المخابرات الذين يتصيدون الأبرياء في بهيم الليل” فضحكت في سري وخاصة أن هذا المنافق قد عاد ليجلس إلى جواري هذه المرة، ليعيد ترتيب كلامه على ومسمعي مبرهناً على حياديته وحسن ولائه للوطن، لا بل حاول أن يمرر لي ملاحظاته حول الأسعار مناشداً المواطن على إطاعة أوامر أولي الأمر!! وحين سألته كي أعريه من زيفه:” وماذا عن فلسطين، هل بات الصهاينة أهل حق بها وأنت من تعرض للتنكيل والقتل، هل يرضيك حال المطبعين وخيانتهم لقضيتهم”. والله شعرت بفرائصه وهي ترتعد كمن ظهر له ضبع مفترس في البيداء، ليرد قائلاً وهو يتلفت من حوله كمن أصابه مس: ” لها الله تلك البلد التي شاء لها الله تعالى أن تحتل، فهذه بلادنا أما فلسطين فقد راحت لأهلها هناك.. المهم الله يستر أحوالنا..(بدنا نوكل عيش يا أستاذ) ” كدت أبصق على وجهه لولا تلك المناسبة الحزينة التي كانت تجمعنا في سرادق العزاء، إلا أنني ضحكت في أعماقي على هذا الرجل الذي تخيلته ثعلباً منتوف الريش. وأدركت بأن النكبة أصابت كثيراً منا بفوبيا فلسطين، وأمثال هذا الرجل رغم كبر سنه تحولوا إلى فاجعة بالنسبة للقضية الفلسطينية، وهم من يزودوننا بالطاقة السلبية، لا بل استطيع أن أقول بأنهم من ضيعوا فلسطين .. يجمعون المال ويطبعون مع سالب أرضهم ويعلمون شبابنا على الاختباء حتى أثناء الحوار الجاد الذي تكون الحكومة أو القضية الفلسطينية طرفاً في موضوعه..