قصة قصيرة : بقلم : خليل ناصيف

القصة …..
بقلم : ناصيف خليل – فلسطين المحتلة ….
-(1)
-“الطابق التاسع عبارة عن صالون للسيدات فقط وهذا المصعد  لايتوقف الا هناك ” .
أتجاهل كلمات السيدة التي ترتدي فستانا بنيا مموه كنمر افريقي وأتجنب النظر الى وجهها المغطى بالمساحيق الرخيصة وأضغط على زر الطابق التاسع فبعد جولة طويلة في المدينة لم اكن مستعدا للتسلق الى الطابق الثامن وهو الطابق الوحيد الذي لاتوجد معلومات عنه في اللوحة المعدنية التي تذكر عناوين المحلات في المبنى.
قدّرت أنني  الان في طابق ما تحت الارض فقد نزلت قرابة المئة درجة من الطابق التاسع بحثا عن طابق 8 .
تمتد أمامي قاعة فسيحة مضاءة بمصابيح زرقاء خفيفة . تستقر الاف التماثيل لارانب بآذان هائلة على الرفوف التي تغطي جدران القاعة باكملها بينما يمكن تمييز صوت لنقر حذاء بكعب عالي على ارضية القاعة ولكن دون رؤية مصدر الصوت . في منتصف القاعة تماما رقعة شطرنج يجلس اليها لاعبان ينظر احدهما الي قائلا : ” كنت بانتظارك منذ وقت طويل , عليك أن تأخذ مكاني الان ” ثم يسدد لكمة لزميله في اللعب ليبدأ شجار عنيف بين اللاعبين . أقف ساكنا أشاهد الشجار ولم أكن وحدي فقد غادرت احجار الشطرنج طاولة اللعب وبدأت تحرض كل لاعب على قتل اللاعب الاخر
(2)
-إستمر شجار لاعبيّ الشطرنج فترة كافية لاستنزاف قواهما فسقطا على الارض يشاهدان بدهشة وانعدام حيلة هروب العساكر من خلال ثقب كبير في ارضية اللعبة  فانتهزت الفرصة وقفزت في الحفرة مباشرة وراء الحصان لاجد نفسي في غرفتي وأغرق في نوم عميق . في الصباح التالي  ذهبت للبحث عن الحصان متوقعا ايجاده بسهولة فوجود حصان مرمري يتجول في المدينة لابد وان يلفت الانظار. دخلت مشتلا مهجورا يشبه غابة صغيرة . كانت جذور الاشجار تخترق الاكياس البلاستيكية والجرار الفخارية وتنغرز عميقا في الرصيف المجاور , بعض الاشجار نمت لأربعة أو خمسة امتار رافعة معها جرار الفخار التي ظهرت كثمار غريبة ولفت نظري أن جميع النباتات هي نباتات زينة داخلية لايفترض بها ان تصل لهذا الارتفاع فما معنى ان تكون وردة بحجم رأس الملفوف !. في عمق المشتل قفص كبير يستعمل لتربية طيور الكناري كانت اسلاكه متآكلة بفعل الصدأ ومثقوب بحيث يمكن لكلب كبير ان يدخله بسهولة . توقعت ان اجد كلبا بالداخل أو مجموعة من القطط او الجرذان بدلا من ذلك عثرت على بيضة بحجم بطيخة لم اتمكن من فحصها جيدا فقد سمعت صوت رفرفة هائلة !. في سماء الصباح حلق طائر أصفر ضخم ممسكا بمنقاره حصانا أسود يتحرك حركات سريعة وما هي الا لحظات حتى افلت الحصان وهوى امامي وبمجرد ملامسته للارض انكسر وتناثرت منه مئات من أحجار الدومينو التي تحركت لتشكل على أرضية المشتل المهجور علامة إستفهام كبيرة .
(3)
لم ينتبه أحد لحبات البوشار وهي تتناثر فوق الثلج الابيض على مدخل السينما باستثناء البائع الذي ضاع صراخه وسط صراخ الجمهور المذعور مما حوّله هو الاخر الى كائن غير مرئي كخروف حديث الولادة بين قطيع من الذئاب البيضاء . بعد نصف ساعة من هذا المشهد خرج شرطيان من مبنى السينما يجرّان المسؤول عن هذه الفوضى وهو يهذي : “أين الحصان أين الحصان” .
– قطع الدومينو أو بعبارة أدق ( أشلاء الحصان ) لم تشكل علامة إستفهام على أرضية المشتل الذي لم يكن له وجود الا في خيال الرجل الذي تلاحقه الشرطة بتهمة تمزيق شاشة السينما محاولا امتطاء الحصان الاسود في الفيلم .
– بالكاد تعرفت على نفسي في الصورة التي تعكسها المرآة الكبيرة المثبته بين رفوف الارانب الحجرية مسحت وجهي المصاب بكدمة كبيرة وازلت من معصمي شظايا زجاج ساعتي المحطمة بفعل ضغط إسورة معدنية ضيقة كما يبدو . على بعد خطوات مني رقعة شطرنج ينام فوقها رجلا شرطة  كلاهما مصاب بكدمة في وجهه وعلى الارض صفوف من أحجار الشطرنج المرتبة على مسافات بنظام عسكري مثل حرس الشرف . غادرت المكان بحذر دون تحريك تمثال واحد . على باب القاعة اصطدمت بقطعة معدنية صغيرة عندما تأملتها في الضوء الشاحب وجدت انها لوحة مفاتيح مصعد تحتوي على زر يحمل الرقم 8 ما ان ضغطت عليه حتى انفتح أمامي باب مصعد كهربائي بداخله امرأة بتسريحة شعر غريبة . استمر المصعد بالنزول بينما كنت اتأمل كتف المرأة العاري . نقطة معينة من كتفها العاري وشما لحصان أسود .

-nasif.khalil@gmail.com