الشعر ….
الشاعر : نمر سعدي – فلسطين المحتلة
فم
فمُكِ الأرقُّ من القصائدِ كلِّها
ومن انبلاجِ الماءِ في الماوردِ
والأحلى من النثرِ الحزينِ أو المدوَّرِ
والأشفُّ من الأنينِ ومن زهورِ الشايِ والليمونِ
والأعلى سماءً في مدارِ القلبِ
والمنحوتُ من ماءِ النحيبِ الصلبِ
والمقدودُ من وترِ الغوايةْ
من أيِّ بحرٍ جاءَ كالعصفورِ لي يا نونُ؟
بل من أيِّ فردوسٍ جنتهُ يدايَ
عن شجرِ الأنوثةِ
كي يعيدَ الى مصبِّ النهرِ روحي
مثلما أسرتْ بمعشوقٍ وشايةْ؟
*
باب شرقي*
سندريللا التي عبرَتْ بابَ قلبي بغيرِ حذاءْ
أقصدُ امرأةً في الثلاثينَ من عمرها عبرَتْ بابَ شرقي
وجرَّتْ وراءَ فراشاتها كوكباً حافياً كالغزالِ
وعشرينَ بحراً وسبعَ عواصفَ..
أقصدُ سيِّدةً أنجبتْ وردتينِ على حدةٍ
كلَّما مسَّتْ الماءَ أصبحَ خمراً
وإن مسَّتْ الآثماتِ توضَّأنَ بالملحِ من دمعهنَّ
وصلَّينَ فيها صلاةَ العشاءْ
أقصدُ امرأةً عبرَتْ بابَ شرقي إلى ما تشاءْ
باب شرقي هو أحدُ أبوابِ مدينةِ دمشق القديمة ويُطلقُ اسمُهُ على أحدِ أشهرِ أحيائها التاريخيَّةِ العريقة.
*
هذيان
كلَّما قالَ لها: أحبُّكِ..
تقول لهُ: كيفَ تحبُّني يا رجل..؟
والأخرياتُ ما هو محلهنَّ من الإعرابِ؟
يقولُ لها: كلُّ امرأةٍ سواكِ مجرورةٌ وأنتِ مضمومةٌ
هذا الرجلُ يهذي مثلَ نرفال
وكلابُ كافكا تركضُ خلفهُ
والعواصفُ تسكنُ رأسهُ
*
زعرنةٌ شعريَّةٌ
كانَ الروائيُّ الفرنسيُّ مارسيل بروست يهتمُّ بالتفاصيلِ الدقيقةِ جداً وبالجزئيات الصغيرةِ وهو في غمرةِ كتابةِ روايته الخالدةِ (البحث عن الزمن الضائع) حتى أنَّ بعضَ نقَّادِ الأدبِ الغربييِّنَ قالَ ما معناهُ أن بروستْ يستطيعُ أن يكتبَ صفحاتٍ كاملةً في وصفِ غرفةٍ أو حتى في وصفِ جزءٍ منها.. كذلكَ يستطيعُ الشاعرُ( ليسَ أي شاعرٍ طبعاً) أن يحدِّث امرأةً لساعاتٍ عن (تبويزتها المتعمَّدةِ في صورةِ سيلفي) أو عن (صفنتها في أمسيَّةٍ شعريَّةٍ).. أو عن (طريقتها العفويَّةِ في وضعِ يدِها على فمها) بحماسٍ غريبٍ ومن دونِ أيَّ مَللٍ أو شعورٍ بالعبثِ.. هل هذا ما نُسمِّيهِ في أدبيَّاتنا زعرنةً شعريَّةً..؟!
سيدوري
أُلملمُ ما تساقطَ منكِ فيَّ من القصائدِ
والحصى المهتاجِ
غربَ دمي وشرقَ ربيعكِ المحكي
وأذهبُ في سرابكِ عبرَ بوَّاباتِ سيدوري
وقلبي مثلُ أجراسِ البنفسجِ
يجمعُ النمشَ المُنوِّرَ
أو دموعَ يمامةٍ سوداءَ لا مرئيَّةٍ تبكي
وراءَ نحيبِ شَعرِكِ في يديَّ..
تفتِّحُ النارُ
زنابقَ مقلتيكِ على عيوني..
يا صدى صوتي
ويا وجعاً يضيءُ الدربَ في رؤيايَ
أو قمرَ العبارةِ في القميصِ الأخضرِ الزيتي
وحولَ فمٍ يرمِّمُ لوعةَ الليمونِ أو أسطورةِ الجوري
وأغنيةً تقولُ:
خذي سنابلَ سهلِ قلبي كي نشيخَ معا
وهاتي أرضَ روحِكِ
كي يكونَ البحرُ مُتَّسعا
لأسرابِ الطيورِ وللبنفسجةِ الفقيرةِ…
آهِ سيدوري
عبيرُ سجائرِ الغلوازِ بي في الأرضِ دوَّارُ
على نمشِ الندى المبتلِّ بالنيرانِ والنورِ
(رأيتُ شبيهةً لكِ شَعرُها ظُلَمٌ وأنهارُ
وعيناها كينبوعينِ في غابٍ من الحورِ)
الشطران الأخيران للسيَّاب
غموضُ آذار
في النصفِ الأوَّلِ من آذارَ
تدبُّ الروحُ الحلوةُ في كلِّ الأشياءِ
وينبتُ لي قلبٌ آخرُ
يتململُ في القفصِ الصدريِّ
يحرِّضني أن أتركَ عملي اليوميَّ
لكيْ أتسكَّعَ مثلَ السائحِ
قربَ حدائقَ تغسلُها الشمسُ العُريانةُ
أو قربَ البحرِ المتمدِّدِ كالعاشقِ
في لوحاتِ رباعيَّاتِ الخيَّامِ
وأن أغلقَ هاتفيَ الجوَّالَ لساعاتٍ
من أجلِ التفكيرِ بسرِّ غموضِ امرأةٍ واحدةٍ
لم ترَها عيني أبداً
لكن كالطيفِ اللامرئيِّ يراها غيري
تجلسُ في الركنِ الضوئيِّ من الأشعارِ
وأن أذهبَ في إثرِ إمرأةٍ أخرى لا أعرفُها
تتوهَّجُ في قلبي المائيِّ
وفي عينيَّ كنوَّارِ اللوزِ الثلجيِّ
وفي شفتيَّ كعطرِ النارْ
جسدي كعصافيرٍ جوعى
تبحثُ عن بيدرَ قمحٍ
أو عن أثَرِ الوردةِ في الصخرةِ
أو في كاحلِ عشتارْ
يركضُ قمرُ نباحِ كلابكِ خلفي يا دافني*
فلنتحوَّلْ ملحاً
أو فلندخُلْ في أشجارِ الغارْ
بحسب الميثولوجيا الإغريقية القديمة، هي إحدى حوريات المياه العذبة، عشق أبولو دافني وكان يطاردها باستمرار، بينما كانت تعزف عنه وتبحث عن شتى الوسائل للهرب منه، في النهاية، توسَّلت دافني للآلهة كي تخرجها من المأزق الذي كانت توجد فيه، فحوَّلتها غايا إلى شجرة غار.
*