دراسات ….
بقلم : *نواف الزرو – كاتب من الاردن …
هذا الذي يجري في أحياء المدينة المقدسة من سلوان وبطن الهوى والبستان الى الشيخ جراح ووادي الجوز وفي البلدة القديمة ايضا، مرورا بالاغوار وجبل صبيح وقمم الجبال الاخرى في الخليل والضفة، انما يستحضر لنا ظروف ومشاهد النكبة الفلسطينية من جديد، فهي ذات المرتكزات التي انتهجتها الحركة والتنظيمات والدولة الصهيونية على مدى العقود الماضية من الصراع، فلم تكن تلك الدولة لتقوم عمليا لولا تلك المرتكزات الارهابية..كانوا يريدون فلسطين كلها بلا سكان، فلجاوا الى سياسات التطهير العرقي بكافة مضامينها وترجماتها على الارض من مجازر وتهجير وتدمير واستعمار استيطاني اقتلاعي احلالي، وهم يريدون اليوم ايضا القدس والضفة باقل عدد من السكان اذا لم يكن بلا سكان، ويريدون تهجير من صمد في فلسطين 48، ولذلك يستحضرون ذات المرتكزات، فالاصرار مثلا قبل ايام على ما يعرف بقانون “منع لم شمل العائلات”، يعتبر بالنسبة لاهلنا في مناطق ال48 المحتلة نكبة جديدة تنتظرهم، وتعني المصادقة عمليا ترحيل 70 ألفاً من عرب ال48 للضفة الغربية ، وهذا ما يعتبره الفلسطينيون مشروع تهجير جديد بلباس قانوني- وكالات”، وكشفت وزارة الداخلية الإسرائيلية “أن 10 آلاف من فلسطينيي ال48 قدموا طلبات رسمية لمنح زوجاتهم وأولادهم من الأراضي المحتلة عام 67 الجنسية، وتم تجميد طلباتهم عقب تشريع ما يسمى “قانون المواطنة” المذكور، كما كشفت الوزارة أنها “تلقت لاحقا 8 آلاف طلب تجنس جديد من قبل فلسطينيي ال48 تم رفضها”، مشيرة الى “أن مجمل المتقدمين بطلبات الجنسية يبلغ اليوم 70 ألفاً من الأزواج والأولاد” .
والى الضفة الغربية حيث هستيريا نهب الارض والاستيطان والتهجير، فقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (اوشا) في القدس انه سابقا سلسلة من الزيارات الميدانية إلى 13 تجمعاً من التجمعات السكانية الفلسطينية الواقعة على أراضي المنطقة (ج) التي تُشكل ما يزيد عن 60% من الضفة الغربية، حيث تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على الأمن والتخطيط والبناء في معظم اجزاء الضفة الغربية، واضاف”لقد كان الهدف من الزيارات التي أجراها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية تحقيق فهم أفضل لظاهرة التهجير الفلسطيني الجارية في المنطقة (ج)، وهي منطقة تظهر فيها واضحة للعيان بعض أكثر آثار الاحتلال المتواصل قسوة”،
واوضح ان النتائج أبرزت من خلال المقابلات المواضيع التالية على وجه الخصوص: أنماط واضحة من التهجير تحدث في المناطق التي تمّت زيارتها في المنطقة (ج)، حيث يجبر السكان على الرحيل لتلبية احتياجاتهم الأساسية، حيث أفادت عشر من المجتمعات المشمولة في الدراسة أن العائلات ترحل من مجتمعاتها، علماً أنّ السبب الأكثر شيوعاً وراء رحيلهم ينبع من سياسة التخطيط الإسرائيلية المُقيّدة التي تطبقها السلطات الإسرائيلية في المنطقة (ج)، التي تجعل من المستحيل فعلياً على الفلسطينيين الحصول على تراخيص للبناء، وفي الكثير من الحالات يعود ذلك إلى مجموعة من العوامل، مثل عنف المستوطنين والقيود المفروضة على التنقل ومن بينها الجدار، وانخفاض الدخل، وهدم المنازل، أو صعوبة الوصول إلى الخدمات/الموارد (كالتعليم، والمياه على سبيل المثال).
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة “”ان وثيقة اوروبية خاصة بالمنطقة ج في الضفة الغربية، وفق تصنيفات اوسلو، تتهم اسرائيل بتنفيذ ترانسفير قسري في المنطقة- ج- بهدف احبط اقامة دولة فلسطينية بموجب حل الدولتين الذي يحظى باجماع دولي”، وقال دبلوماسي اوروبي للصحيفة “ان ما يميز الوثيقة هو ان الدول الاوروبية من ايرلندا الى هولندا تتوافق عليها”، ولدى تناولها الوضع الجغرافي والقانوني في المنطقة ج، اشارت الوثيقة الى “سياسة تخطيط اسرائيلية تشجع من جهة بناء المستوطنات وتمنع من الجهة الاخرى البناء الفلسطيني وتقوم بهدم البيوت التي تم بناؤها بادعاء انها بنيت بدون تصاريح، ناهيك عن منع تطوير البنى التحتية وفرض القيود على حركة الفلسطينيين ومنع استغلال الموارد الطبيعية والمياه”، وتعتمد الوثيقة على تقاريرتفصيلية وعلنية اعدتها، خلال السنوات الاخيرة منظمات الامم المتحدة المختلفة ومنظمات التطوير الدولية والبنك الدولي والتي حذرت جميعها من تدهور اوضاع السكان الفلسطينيين والتداعيات السلبية على الاقتصاد الفلسطيني”.
الى ذلك، كان صدر قرار عسكري اسرائيلي بتهجير عشرات الآلاف من اهل القدس والضفة.
وكل هذه القرارات والاجراءات الاحتلالية تنطوي عمليا على جملة من المعاني والدلالات الخطيرة جدا، فهي تضعنا مباشرة امام حقيقة فلسفة التطهير العرقي وسياسات الترانسفير المنهجية التي تشكل بالنسبة لهم قاعدة حروبهم المفتوحة ضد الشعب والقضية والارض والحقوق والهوية العربية في فلسطين، الى ذلك فهي من شانها ان تخل بالميزان السكاني تدريجيا لصالحهم، وان تعمل على تمزيق الوحدة الجغرافية –الديموغرافية في الضفة، وتعمل على تكريس حالة الفصل ما بين طرفي الجسم الفلسطيني في الضفة والقطاع، ناهيكم عن انها تأتي في صميم تكريس وتخليد مشروع الاستيطان والتهويد الذي بات ينتشر على نحو سرطاني مرعب في كافة انحاء الجسم الفلسطيني.
لذلك- ربما يكون عنوان “التطهير العرقي في فلسطين” من اهم واخطر العناوين التي تذكرنا بها هذه القرارات والاجراءات الذي تستند الى مسوغات وذرائع مبتكرة مزيفة غير قانونية او شرعية، وتحملنا هنا عبر نفق الزمن الممتد على نحو ثلاثة وسبعين عاما مضت من عمر الدولة الصهيونية واغتصاب فلسطين، الى نهج الابادة الجماعية والتطهير العرقي الذي اقترفته التنظيمات الارهابية الصهيونية قبل قيام “اسرائيل” والذي واصلته وما تزال تلك الدولة على مدار سنوات الصراع في فلسطين.
فما يحدث في فلسطين في هذه الايام يعيدنا إلى ذاكرة النكبة والتطهير والتهجير واللجوء، والى نقطة البداية، والى”سياسات التطهير العرقي”.
تقف وراء هذه السياسات العنصرية التطهيرية الابادية الممتدة، ادبيات صهيونية غزيرة كلها تجمع على تهويد فلسطين بالكامل وعلى “اسرائيل دولة يهودية بدون عرب”، وعلى “ان طرد من تبقى من العرب على قمة الاجندة الامنية السياسية الصهيونية”.
وهذا ليس عبثا وبدون مقدمات، فالتاريخ الصهيوني طافح بحروب “التطهير العرقي والابادة الجماعية”، ولنا في ذلك في التاريخ عبرة..بان نستشهد بما جاء في كتاب المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه”التطهير العرقي في فلسطين”، الذي يورد رسالة كتبها دافيد بن غوريون لأبنه عام 1937 يشرح فيها رؤيته بضرورة “طرد العرب من فلسطين عنوة، عندما تحين اللحظة المناسبة كالحرب مثلاً”، وفي صميم هذه الادبيات ايضا جاء مبكراً على لسان بن غوريون الذي كتب في مقدمة كتاب تاريخ الهاغاناة عام 1954 يقول:” في بلادنا هناك فقط مكان لليهود وسوف نقول للعرب أخرجوا ، فإذا لم يخرجوا وإذا قاوموا فسوف نخرجهم بالقوة “.
ويضيف بابيه:”أن فكرة التطهير العرقي ولدت مع نشوء الصهيونية إلا أنها حولتها لخطة عندما بات اليهود ثلث سكان البلاد، لافتا إلى أن الخطط “ا”(1930) و”ب” (1946) و”ج” (1947) تتحدث عن ذلك لكن الخطة “د” (1948) تحدد معالم خطة التطهير العرقي بوضوح وبشكل صريح”.
ويلفت إلى أن الصهيونية خططت لتطبيق برنامجها في غضون ستة شهور لكنها تمكنت من ذلك في كثير من الأحيان بأقل من ذلك بكثير، منوها إلى أنها دمرت 530 قرية وأفرغت11 مدينة من سكانها.
والى عام 1956 حيث كتب مناحييم بيغن في كتابه ” التمرد ” يطلب من الإسرائيليين :” ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبداً، وعندما تقتلون أعداءكم ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى بالثقافة العربية التي ستبنى على أنقاضها حضارتنا “.
وصولا الى عام 1973 حيث قال موشيه ديان :” لا أرى كيف يمكن أن نقيم دولة يهودية دون أن ندوس على المحاصيل : سيادة محل سيادة ويهود يقيمون في مكان أقام فيه العرب”.
وما بين ذلك الزمن النكبوي الذي اقدمت فيه العصابات الصهيونية على التطهير العرقي والتدمير الشامل، مرورا بالخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وما بين المشهد الراهن، يكشف البروفيسور”أرنون سوفر “، المعروف بأنه الأب الروحي لفكرة ترحيل العرب من الجليل والمثلث، في لقاء أجرته معه مجلة ” بماحنيه” الناطقة باسم الجيش الإسرائيلي عن الفكر الترانسفيري والنوايا المبيتة قائلا:
“أن التاريخ يعلمنا أن فكرة الترانسفير الطرد والقتل هي أمور قائمة، وقد يكون هذا خيار قائم أمامنا، غير أن طرد (200) ألف عربي – فقط – لن يغير من الوضع الديموغرافي”.
الى ذلك- فان المشهد الفلسطيني الماثل امامنا يتحدث عن ان دولة الاحتلال ليس فقط تواصل عن سبق تخطيط وتبييت وترصد سياسات التطهير العرقي، وانما هي تضع عرب 48 في دائرة استهدافاتها…فضلا عن ان التطهير العرقي يتواصل في كافة الامكنة الفلسطينية في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية عبر الجدران والاستيطان والحصارات والاطواق والحواجز العسكرية واحكام قبضة الاحتلال على كل المنافذ والمفترقات الفلسطينية، بغية تضييق الخناق على المواطنينىوتحويل حياتهم الى جحيم لاجبارهم على الرحيل بحثا عن الامن واللقمة.
المؤسف في هذا المشهد ان الشعب العربي الفلسطيني يقف وحيدا في مواجهة هذا المشروع الصهيوني الاقتلاعي الاحلالي، بينما الدول العربية تقف عمليا متفرجة، فالمؤتمرات والبيانات وتصريحات الشجب والاستنكار كلها تغدو في النهاية بلا رصيد حقيقي على صعيد ردع الاحتلال عن مخططاته، اذا لم تترافق مع ارادات وقرارات وخطوات عربية جادة ومسؤولة..!..
فلعل هذه القرارات والاجراءات الترحيلية توحد الفلسطينيين وتوقظ العرب على حقيقة المشهد الماثل هناك على الارض الفلسطينية، حيث نحن نشعل في هذه المرحلة فتنة داخلية مرعبة، بينما هم يتمسكون بمشروعهم الصهيوني التاريخي الذي يستهدف تهويد فلسطين من بحرها الى نهرها تهويدا شاملا الى الابد….!
…………….
Nzaro22@hotmail.com