قراءة موضوعية لنتائج انتخابات الكيان

فلسطين (:::)
د. فايز رشيد – فلسطين المحتلة (:::)
دللت النتائج  النهائية لانتخابات الكنيست: فوز الجناح الأكثر تطرفاً في الكيان. النتائج كالآتي: الليكود بزعامة نتنياهو: 30 مقعداً، المعسكر الصهيوني بزعامة هيرتسوغ وتسيبي ليفني (زعيما حزبي العمل والحركة) 24 مقعداً، القائمة العربية 13 مقعداً، “هناك مستقبل” بزعامة يائير ليبيد 11 مقعداً، “كلنا” بزعامة موشيه كحلون 10 مقاعد، “البيت اليهودي” بزعامة نفتالي بينيت 8 مقاعد، “شاس” بزعامة أرييه درعي 7 مقاعد (هو حزب المتدينين الشرقيين)، حزب المتدينين الغربيين ” يهودات هاتوراة” (هو ائتلاف الأشكناز وديغيل هاتوراة – اليهود الليتوانيين وترجمته بالعربية: راية التوراة) 6 مقاعد، “ميريتس” 5 مقاعد.
الأحزاب المتطرفة: العمل، الحركة، هناك مستقبل ولها مجتمعة 35 مقعداً فقط، قد تساندها القائمة العربية وميرتس فيصبح  بإمكانها الحصول على 51 مقعداً، أي أنها عاجزة عن تشكل الحكومة. من الضروري ملاحظة أن حزب العمل الصهيوني – كما تسيبي ليفني – لن يلجآ إلى عقد اتفاق مع القائمة العربية مطلقاً، ففي التاريخ القريب وعام 1988 في تصويت الكنيست، اعتمد رابين على 3 أصوات عربية دعماً لحكومته..هذا الأمر أدى إلى إسقاط حكومته بعد فضيحته في الشارع الصهيوني  نتيجة الخطوة.. تصوروا..أمع هؤلاء المستوطنين يمكن إقامة سلام!؟ الملاحظة الثانية: العقلية الشايلوكية الصهيونية التى تتحكم في قادة الأحزاب الصهيونية تجعل من المبادىء المدّعاة مسألة ثانوية مقارنة مع المكاسب الوزارية .. لذا قد تساوم بعض الأحزاب الصغيرة ولكن في مجال ضيق كثيراً وهو ما يزيد من شدة صعوبة هيرتسوغ لتشكيل الحكومة.
الأحزاب الأكثر تطرفا: الليكود، إسرائيل بيتنا، البيت اليهودي، شاس، يهودات هاتوراة.. لها 67 صوتاً. هذه الأحزاب تزايد ( وهي تعكس حقيقتها فعلاً) في تطرفها، والحقيقة الأكيدة أنها كلما ازدادت تطرفاً ازدادت شعبيتها في الشارع الصهيوني. حزب هناك مستقبل بزعامة الإنتهازي يائير ليبيد قد ينضم إلى ائتلاف نتنياهو إذا ما رمى له الأخير (عظمة) وزارية، لذا سوف يتمتع نتنياهو والحالة هذه  بـ أغلبية مقدارها  78 صوتاً. ستكون هذه الحكومة بديل لما يسمى بـ “حكومة الوحدة الوطنية”. نتنياهو في مركز قوة، وبعد استطلاعات الرأي الكاذبة التي رجحت فوز غريمه الانتخابي (وليس السياسي بالطبع)، سيحرص على المزيد من تحجيمه وإطفاء وهجه السياسي. مشاركة هيرتسوغ في الحكومة..أمر رفضه ويرفضه نتنياهو.
كذلك: من المستحيل أن يقوم الرئيس الإسرائيلي رؤفين رفلين بتكليف هيرتسوغ بتشكيل الحكومة.. فهذا مخالف لقوانين الأساس الصهيونية وأعراف الكنيست! ثم إنه أصلاً من الليكود وهو ضعيف إذا ما قورن بنتنياهو الذي خرج قوياً وحزبه من الإنتخابات .. فهل يُعقل ما يتحدث به الكثيرون من محللينا عن ثلاثة احتمالات لتشكيل الحكومة الجديدة في الكيان! إن هذا محض وهم! لذا من المنتظر أن يقوم الرئيس الفخري للكيان بتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، ذلك يوم الأحد الموافق 22 مارس الحالي.
ثم..ألا يقرأ كثيرون من المحللين طبيعة التحولات في الشارع الصهيوني .. وهي نمو الاتجاه الأكثر تطرفاً! هذا ما دللت عليه نتائج انتخابات الدورات الأربع الأخيرة للكنيست … فهل من المنطقي أن يقوم رفلين بعكس الصورة ليكلف زعيم المتطرفين!؟ سؤال برسم كل المحللين المعنيين. تماماً مثلما قال شاعرنا  الكبير محمود درويش ” فبيض النمل لا يلد النسور… وبيضة الأفعى يخبء قشرها ثعبان”. نعم كلهم ثعابين غير أن الاختلاف هو في درجة السّم فقط! البعض أكثر سماً من الآخر! لكن كلهم يسممون المُصاب لقتله.
نعم كاتب هذه السطور يرفض التقسيمات الصهيونية الأصل والتي يرددها كثيرون منا للأسف عن وجود ثلاثة اتجاهات (معسكرات) في الأحزاب الصهيونية .. لذا أقسّمها في اتجاهين فقط: المتطرف والأكثر تطرفاً. مفاهيم: اليمين، الوسط واليسار تنطبق على مفاهيم أحزاب عديدة في العالم لكنها لا تنطبق على الأحزاب في الكيان … فكيف يكون حزب يسارياً وهو حزب صهيوني حتى العظم؟ وهل يمكن الجمع بين اليسار والانتماء الصهيوني؟ هل يمكن الجمع بين اليسار والشوفينية .. والعنصرية .. والعنجهية … والاستعلاء والتعاليم  التوراتية؟ بربكم .. هل يجوز!؟
على صعيد الداخل الإسرائيلي: فإن نسبة تدخل الأحزاب الدينية في الشأن السياسي سيتزايد، الأمر الذي يجبر الحكومة الإسرائيلية القادمة (المؤهلة في الأساس) على الانصياع لطلبات واشتراطات هذه الأحزاب في الحياة الاقتصادية والأخرى السياسية والتطبيقات الاجتماعية أيضاً، وهذا أكثر ما شهدناه في الحياة الإسرائيلية، في الائتلاف الحكومي (المنحل) الذي يقوم بتصريف الأعمال حالياً. وهو سيتزايد في المرحلة القادمة، ذلك سيؤثر اقتصادياً على إسرائيل من ناحية اقتطاع مليارات من الشواقل لصالح هذه الأحزاب من الميزانية الإسرائيلية وسيزيد من نسبة العجزالحالية. هذا بدوره سيؤدي إلى اقتطاعات كبيرة من أموال أشكال الضمان المختلفة: لتلبية احتياجات واشتراطات هذه الأحزاب وسط مظاهر يتآكل فيها في القطاع العام لصالح الخاص (سياسة نتنياهو).
على صعيد أهلنا في منطقة 48: ستشهد المرحلة القادمة المزيد من التضييق عليهم في إسرائيل بالمعنيين الحياتي بكافة أشكاله وسبله، والقانوني من خلال سن قوانين عنصرية جديدة ضدهم (بالرغم من وجود 14 نائباً عربياً)! وسط أجواء من تصاعد وتنامي المظاهر العنصرية في الدولة الصهيونية. سيتفنن اليمين الأكثر تطرفاً في إسرائيل في اختراع الأساليب التي يستطيع من خلالها إجراء ترانسفير للكثير من العرب، وفي خلق التعقيدات السياسية الاقتصادية، الاجتماعية لهم حيث تتحول حياتهم إلى جحيم، بحيث يتم دفعهم دفعاً (وبخاصة الشباب) إلى الهجرة الطوعية. كذلك ستزداد الدعوات إلى تحقيق شعار “يهودية دولة إسرائيل” لتكون خالصة نقية لليهود دون وجود العرب فيها.
على صعيد التسوية مع الفلسطينيين: بدايةً فإن كافة الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية هي مع إبقاء القدس “عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل” وهي ضد حق العودة للاجئين، ومع اللاءات الأخرى الأسرائيلية للحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية، وهي مع إبقاء التجمعات الاستيطانية حيث هي. الاستيطان ستزداد وتائره، حيث أن نسبة ما تبقى للواهمين بإقامة الدولة الفلسطينية من مساحة فلسطين التاريخية، ستقل كثيراً عن النسبة الحالية (12% وليس 22% وفق آخر الأحصائيات)، حيث يستحيل بشكل مطلق إقامة هذه الدولة بالمعنى الواقعي-العملي.
على صعيد التسوية مع العرب: إذا كان من يسمون بــ(الحمائم) في إسرائيل مثل: بيريز، أولمرت، تسيبي ليفني كانوا قد رفضوا ما يسمى بــ(مبادرة السلام العربية) ولكن بكلمات دبلوماسية. إذا كأن هؤلاء قد رفضوها صراحة (مع أنها تتجاهل حق العودة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة) فهل سيقبلها نتنياهو وليبرمان وعوفوديا يوسف؟ إسرائيل باختصار تريد استسلاماً كاملاً من العرب والفلسطينيين على قاعدة “السلام مقابل السلام” و ليس “السلام مقابل الأرض”.
على الصعيد الخارجي: ستقبل الولايات المتحدة والعديد من الدول بإسرائيل حتى في ظل الولاية الرابعة لنتياهو وحكومته.
وبعد: ألم يحن الوقت لنا كفلسطينيين وعرباً إدراك حقيقة إسرائيل وجوهر الصهيونية؟ وأن نبني الاستراتيجية والتكتيك السياسي المفترضيْن الموائميْن لطبيعة هذه الدولة؟ وأن نحرر عقولنا من أوهام: إمكانية قيام سلام مع هذه الدولة؟ وأن نستعد لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة؟ الحكومة القادمة في الكيان الصهيوني ستستمر في فرض حقائقها على الأرض، دون إعارة الاهتمام لا لقوانين دولية ولا لخواطر أخرين.
يبقى القول: أن نتنياهو هو من سيشكل الحكومة القادمة .. قلناها قبل نتائج الانتخابات وفور إجرائها..وهو ما هو مُثبت في مقالات مطبوعة ومنشورة.التوقع ليس سحراً ولا قراءة فنجان! هو قائم على قراءة ودراسة دائمة للداخل الصهيوني بكل تفاصيله ومستجداته.