قراءات شعرية إلى امرأة الخليج – شعر : ذي الجنون ناجي الحازب آل فتله

الشعر …
مالذي يجعل الوطن
قاسياً آه أيها الوطن؟
والذي يجعل الوطن
غالياً آه أيها الوطن؟
طويتُ شوارع َ بيروتَ تباعاً
والليلة ُ ياحزني
أيقظني صوتُ البحرِ
وفزت في ذاكرتي أشياءٌ
حملتني في الليل جنوناً
وهاهي تنتظمُ الغربةَ عبر دروبٍ صاعدةٍ
أخشى أن تتركني في أولِ مفترقٍ سنمرُ عليهِ
ولكني رغم الشك ِ سأختبر الريحَ وأمضي
مأخوذاً كالطفلِ إليكِ
ياأنتِ .. هل أنتِ امرأةٌ حقاً؟
لاأدري
هل أنتِ خليجٌ عربي أم ماذا
لاأدري
لاتدرينَ
وهذا الليل طويلٌ ياإمرأتي
لاتدرينَ أحبكِ رغم الشكِ
وهاأنذا أطوي زمناً من أزمنة ِ التقتيلِ
وفي عينيكِ أحدقُ
كيف سأوقفُ نفسي عند حدودكِ؟
كيف أواجه موناً دون إمرأتي؟
وقطار الموتِ بطئٌ يحملني دون إمرأتي
ياإمرأتي سأكون خليقاً برحيلِ الماءِ على شفتيكِ إذا كنتِ أمرأتي وسأطوي هذا الليل َ
وأفتحُ آفاقاً للغرباء المنسيينَ وذا حلمٌ
أحتاجكِ كوني أمرأةً كوني وطناً
كوني زمناً آخرَ غير زمانِ التقتيلِ
وكوني اختاً للماءِ
أنا عاشقُ نهر الضوء ِ يمر على وطني
هل أنتِ أمرأتي حقاً ؟
أم أنتِ خليجٌ عربيّ أم ماذا؟
ضيعني شكي
وحزنتُ لأنكِ آثرتِ الصمتَ
وكنتِ تنامينَ
وقلبي يصغي كالطفلِ إلى صوتِ الماءْ
حزنتُ لقلبي
ماذا يعني الحبْ؟
وماذا نعني دون الحبْ؟
وماذا؟
ماذا؟
ماذا؟
ماذا لوجئتِ إليَّ بكل الحبْ؟
سألتكِ
ياهذا الحلمُ
أحقاً أن الأرض تدورْ؟
أشكُ بهذي الأرض َ إذا كانت ملكاً لغزاة الليلِ
أحنُّ لأسماء القتلى
ولأطفالِ الجوع ِ
وبالشعراء أشكُ
ذلك يعني أن أمضي حتى آخر هذا الصوتْ
وأنسف عشريناً أخرى من عمري في التخريبْ
القراءة الثانية
أين البيتُ؟
وأين البحرُ ؟
وأين إمرأتي؟
أين إمرأتي؟
أسمعكَ الآنَ تدق الأبوابَ وحيداً
يأنتَ كأنكَ تُخبرني أن لاشئَ بهذا العالمِ يستدعي التفكيرْ
أسمعكَ الآنَ تدق نواقيسَ قبورٍ مهملةٍ وكأنكَ مجنوناً تهربُ من مستشفى الشماعيةِ في وطني
فيطاردهُ البوليسُ
وتأخذ ارض الوطن الواسعِ في عينيهِ تضيقْ
ضيقةٌ أرضُ الوطنِ الواسعِ
ياذا الحلمُ
وكلُّ مساحاتِ التأريخِ العربيّ معبأةٌ بالبوليس السريّ والبوليس العلني
ودوائر أمن الدولةِ حاضرةٌ للتفتيشْ
ضيقةٌ
ضيقةٌ
ضيقةٌ بيروت وبغداد
وكلّ المدن العربيةِ
إلا مدن الثورةِ أستثنيها
ياذا الحلمُ المجنونُ
سأترككَ الآنَ على أرصفةِ الغربةِ مقتولاً
وسأتركُ عينيّ المتعبتين لدى أمرأةٍ متعبةٍ من جراءِ الليلِ وأمضي

القراءة الثالثة
أين القبرُ إذن؟
أصرخُ ياوطني
أين القبرُ ؟
أحنُّ إلى قبرٍ يفهمني
وكطفلٍ أصرخُ ياوطني
أحتاجُ امرأةً كالقبرِ
إذا كان القبر قتيلاً كبقيةِ أشياءكَ
أو سجناً تأكلني فيه الزنزاناتُ
وتمتصُ رطوبته أصواتاً توشكُ أن تخلعني من نفسي
احتاجكَ إمرأةً فيها طعمُ الماءِ وطيب تراب الأرضِ
وقسوة سكين صادقةِ تنفذ في لحمي
وفيها الأنسانُ جريحٌاً يتعذبُ
أو مجنوناً في الطرقات ِ ينادي: ياوطني
ياوطني
ياوطني
ياوطني
هل تسمعني ياوطني
أحتاجُ إمرأةً هاويةً شيئاً كالنارِ يطهرني من رجسِ نساءِ الليلِ وليس بقلبي غيرإمراةٍ واحدةٍ
هي هذه أنتِ.
أنتِ إمرأتي
وذاك البدويُّ الممعنُ بالهجراتِ سيعرفُ أيّ جنونٍ في الغربةِ يأخذني
وستعرفُ أمي
والوطنُ المذبوحُ سيكتشف اللغزَ بعينيك
ويشهدُ لي :
ان عذاباً انسانياً هذا الشاعرُ
والأمطار ستأتي من كل جهات الأرضِ دماءً وستغسلُ عالمنا من أوساخ “البعثيين” وتحملنا
للناس وللأرض سلاماً
————
بيروت 5آب 1973