فلسطين.. ووحدة النضال من أجل العدالة! – بقلم : جيمس زغبي

اراء حرة …..
جيمس زغبي – واشنطن …
انضممت الأسبوع الماضي إلى مئات من المتظاهرين المعتصمين أمام مقر سلاح المهندسين التابع للجيش الأميركي في واشنطن العاصمة. وكنا نحتج على إنشاء خط أنابيب «داكوتا أكسيس» المخصص لنقل 500 ألف برميل يومياً من النفط المستخرج بتقنية التكسير الهيدروليكي باتجاه الجنوب ليتم تكريره.
وكانت المظاهرة في واشنطن ضمن يوم دولي للتضامن مع جهود قادها «الأميركيون الأصليون» في منطقة «ستاندنج رك ريزيرفيشن» في «نورث داكوتا». وبشكل عام، خرجت مظاهرات في أكثر من 300 مدينة حول العالم. وكانت القضايا المطروحة تنطوي على أمور معقدة ذات صلة بالاقتصاد والجغرافيا والقانون. وبصورة عامة، كان مطلبها الأساسي هو العدالة.
ويزعم مؤيدو خط الأنابيب أن النفط المستخرج بالتكسير الهيدروليكي يساعد أميركا على «الاستقلال في مجال الطاقة». ويؤكدون أن الطريق الذي اختاروه لخط الأنابيب هو الأكثر توفيراً للتكلفة، ويصرون على أن لدى الحكومة الحق في السيطرة على الأراضي المحيطة بالطريق.
وأما أبناء قبيلة «السو» الأميركية في «ستاندنج روك»، فيردون بأن خط الأنابيب يمثل تهديداً على مصدرهم الرئيس للمياه. وأي تسرب من شأنه أن يلوث المياه ويؤثر على بقائهم. ويؤكدون أيضاً أن الأراضي المحيطة بخط الأنابيب تحتوي على كثير من مواقعهم المقدسة ومقابر آبائهم، وبعضها تم تدنيسه بالفعل أثناء عملية البناء، لافتين إلى أنه في حين تزعم الحكومة الأميركية أحقيتها في الأراضي المحيطة بمكان بناء خط الأنابيب، فإنها بذلك تنتهك المعاهدات التي تم توقيعها مع قبيلتهم قبل أكثر من قرن ونصف. وبناء على ذلك يتم طردهم من أراضيهم ولا تزال عمليات الطرد مستمرة.
ولأن منطقة «ستاندنج روك» تثير قضايا أساسية مرتبطة بالعدالة والتاريخ، فقد أصبحت محوراً لحركة احتجاج جذبت آلافاً من الأميركيين الأصليين من أنحاء الولايات المتحدة، وحظيت بتأييد شعوب محلية حول العالم.
والمتظاهرون، الذين وصفوا أنفسهم بأنهم «حماة المياه»، انخرطوا في مظاهر عصيان مدني سلمي، ولكنهم واجهوا قوات شرطة مسلحة استخدمت الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيلة للدموع وخراطيم المياه التي أغرقت المتظاهرين في طقس متجمد. والنتيجة أن مظاهر العنف كانت صادمة.
وقد شعرت بالفخر إزاء الأميركيين ذوي الأصول الفلسطينية الذين انضموا إلى المظاهرات في «نورث داكوتا»، وشعرت بالإثارة لأن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أعلنوا تضامنهم أيضاً مع «ستاندنج روك». ولمَ لا، فمن الطبيعي أن نراهم يفعلون ذلك إقراراً بروايتهم المشتركة!
والمستوطنون الصهاينة الذين جاؤوا إلى فلسطين في عشرينيات القرن الماضي أدركوا ذلك. وفي بعض الأحيان، أشاروا إلى الفلسطينيين الذين واجهوهم بأنهم «هنود حمر»، و«متوحشون» لابد من هزيمتهم، وأنهم عقبة أمام طموحاتهم، ومن ثم كان لابد من التخلص منهم من أجل تمهيد الطريق أمام تحقيق حلمهم بإنشاء «مؤسسة يهودية في فلسطين».
وبدلاً من رفض هذا التشبيه بالشعوب الأصلية في أميركا الشمالية، فقد تبناه بعض الفلسطينيين. وفي كثير من الأحيان، تحدث ياسر عرفات عن دروس مستفادة من هذا التاريخ المشترك قائلاً إن شعبه كان يحارب لكي لا يلقى نفس المصير. والشاعر الفلسطيني الوطني محمود درويش، نقل هذا التشبيه إلى حدود أبعد في قصيدته «خطبة الهندي الأحمر»، مخاطباً الغزاة الأجانب قائلاً:
«يا سادتي البيضِ الوجوهِ، أنا هنا.. روحٌ تُعَانِد حَبْسَهَا، روحي تسيلُ عُصارةً لتَخُطّ فوقَ الأرضِ درباً للرُّجُوعِ، طريقَ حَجٍّ للقوافلِ، يَهْتديْ بشحوبِها مَنْ سَوفَ يأتي لاحِقاً».
ولا تزال أوجه الشبه بين مأساة الشعبين قائمة. ويوضح ذلك قراران صدرا عن منظمة «اليونسكو». ففي حين تركز مظاهرات «ستاندنج روك» على حماية إمدادات مياه قبيلة «السوّ» ووقف تدنيس مقابرهم، مررت «اليونسكو» قراراً الشهر الماضي يدين، من بين أشياء أخرى، تدمير المقابر الفلسطينية في القدس (التي أصبح واحد منها موقعاً «لمتحف التسامح»، والآخر منطقة عامة، وما يزيد الطين بلة إقامة احتفال ماجن فيه!)، والتقرير الآخر الصادر عن الأمم المتحدة يشير إلى أن 10 في المئة فقط من الفلسطينيين في غزة يمكنهم الحصول على مياه صالحة للشرب.
وعندما تحدثت في حشد التضامن الذي صاحب الاعتصام، تناولت التاريخ المشترك للترحيل والتشتيت، مؤكداً أنه من الضروري أن نقر نحن كأميركيين بأن دولتنا خرجت من رحم خطيئة أصلية، وهي جريمة تطهير عرقي بحق السكان الأصليين على هذه الأرض، ولابد أن نقر بأن ذلك ينطبق تماماً على إسرائيل، وأعرف أنهم لا يعنون ذلك، ولكن هذه هي الحقيقة عندما يتحدث القادة الأميركيون والإسرائيليون عن «قيمنا المشتركة».
وبصفتي أميركياً، وخصوصاً أنني من أصل عربي، فإنني فخور بأن أدافع عن قبيلة «السوّ» في «ستاندنج روك» لأن النضال من أجل العدالة واحد، ومستمر بصورة يومية في «نورث داكوتا»، وأنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.