التصنيف : فلسطين (:::)
* نواف الزرو – الاردن (:::)
لعلنا نربط ونحن اليوم امام الذكرى السادسة والتسعين ل”وعد بلفور” النكبوي، ربطا جدليا واستراتيجيا ما بين ذلك الوعد وكل الوعود البريطانية والامريكية التي لحقت به، وما بين ذروة الهجوم الصهيوني الابتزازي في هذه الآونة بمطالبة الفلسطينيين والعرب والعالم الاعتراف ب”يهودية اسرائيل”، ما يستكمل بالنسبة لهم اختطاف وتهويد فلسطين الى الابد ….!
فمنذ ان شكل حكومته، و”كلما دق الكوز بالجرة” يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للتأكيد على “أن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية هو الدليل الوحيد على استعدادهم للسلام”، وقال في مؤتمر بشأن مستقبل الشعب اليهودي عقد في القدس بمشاركة زعماء يهود من كافة أنحاء العالم- إنه “حين يعترف شركاؤنا بإسرائيل كدولة يهودية سيكونون مستعدين للسلام”. فاذا كان وعد بلفور الذي تحل ذكراه اليوم قد منح الوطن العربي الفلسطيني للدولة الصهيونية وانتج النكبة والتهجير والتضحيات والمعاناة الفلسطينية المفتوحة منذ ذلك الوقت، فان الاجماع السياسي الاسرائيلي اليوم على ضرورة “اجبار الفلسطينيين والعرب على الاعتراف باسرائيل دولة يهودية نقية”، انما يراد من ورائه –كما كنا اشرنا في كتابات سابقة بالمناسبة-استكمال وعد بلفور واستكمال تهويد فلسطين وشطب القضية الفلسطينية بكافة عناوينها وحقوقها التاريخية والحضارية والتراثية لصالح تلك الرواية الصهيونية المستندة الى الاساطير المزيفة التي تعتبر ان”فلسطين هي ارض الميعاد لشعب الله المختار –اليهود، بناء على وعد الهي”..!. فالاعتراف ب”يهودية إسرائيل” بالمضامين التي يحملها، سيكون وعد بلفور آخر تستكمل فيه تلك الدولة الصهيونية مشروعها التهويدي لكامل فلسطين، بما يحمله ذلك من شطب لحق العودة لحوالي ستة ملايين لاجىء فلسطيني الى وطنهم وممتلكاتهم، ناهيكم عن تجريد من تبقى من العرب –حوالي مليون ونصف- في مناطق 48 من حق البقاء والملكية والمواطنة هناك، مما يحولهم الى رهائن تحت الطلب..!. فهاهو نتنياهو يعلن تكرارا ومرارا”أنه سيجبر الفلسطينيين على الاعتراف بيهودية “إسرائيل”، مردفا:”إني أتمنى مجيء اليوم الذي يقف فيه القادة الفلسطينيون المعتدلون أمام شعبهم ويقولون مثل هذه الأمور واضحة: كفانا هذا الصراع، إننا نعترف بحق الشعب اليهودي بدولة خاصة به في هذه البلاد وسنعيش إلى جانبكم بسلام، وفي اللحظة التي سيتم فيها قول هذه الأمور ستُفتح هنا فتحة هائلة للسلام’، وذهب نتنياهو الى ابعد من ذلك بالتوضيح اذ قال لصحيفة”اسرائيل اليوم”:” نحن لا نريد للعرب ان يكونوا مواطنين ولا رعايا لنا”.
فاين يريدهم نتنياهو اذن…؟! انه يشرح الخطة البديلة في في كتابه “مكان تحت الشمس” قائلا” أن اسرائيل نفذت سنة 1948 قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر بعد تسعة عشر سنة في تشرين ثاني/نوفمبر 1967، وذلك بتخليها عن الضفة الشرقية لنهر الأردن..وأن هذه الضفة هي حصة الفلسطينيين من فلسطين، تنفيذا للقرار المذكور..؟.
مضيفا:”أن بريطانيا التي كلفت بالانتداب على هذا الوطن القومي لليهود قد تراجعت عن التعهدات التي أخذتها على عاتقها بموجب وعد بلفور…ففي عام 1922 انتزعت بريطانيا شرق الأردن من الوطن القومي لليهود، وبجرة قلم واحدة انتزع من الأراضي المخصصة للشعب اليهودي ما يقارب 80% من هذه الأراضي، وتم إغلاق شرق الأردن بكاملها في وجه لاستيطان اليهودي حتى يومنا هذا/ ص109″. اذن نتنياهو لا يريد عربا هناك في فلسطين لا مواطنين ولا رعايا، وكذلك يعتبر شرقي الاردن قطعة اقطتعت من الوطن القومي اليهودي الذي نص عليه بلفور”…!
غير ان نتنياهو لا ينفرد لوحده في ذلك، فكل اقطاب الحركة الصهيونية واسرائيل يجمعون على ذات المضامين..!.
فمبكرا جدا اقترح اسحق رابين في نيسان /1956 وعندما كان جنرالا في اركان الجيش على دافيد بن غوريون “خوض الحرب ضد الاردن من اجل ابعاد الفلسطينييين من الضفة الغربية “، واضاف رابين :” اعتقد انه يمكن اليوم ابعاد معظمهم، وبالامكان حل المشكلة جوهريا، ولن تكون هذه خطوة انسانية، ففي الحرب بصورة عامة ليس هناك انسانية”.
ولذلك، حينما يشنون حملات اعلامية متصلة في هذا الصدد معتبرين “ان الاردن هو الوطن البديل للفلسطينيين” فانما يهدفون من وراء ذلك تطويع الوعي الفلسطيني والاردني والعربي على هذه المسالة، في الوقت الذي يسعون فيه الى استكمال وعد بلفور عمليا في ان يكون”الوطن القومي لليهود-في فلسطين منجزا كاملا-..!”.
وقد شكلت “وثيقة هرتسليا” التي صاغها”مجلس الامن القومي الاسرائيلي ” ودعت الى “حل المشكلة الديموغرافية العربية في الجليل والنقب عبر الترحيل” الخلاصة المكثفة لذلك الكم الهائل من الادبيات والافكار والمشاريع والاصوات الداعية الى التدمير الشامل للمجتمع الفلسطيني.. والى الترانسفير الجماعي ضد الفلسطينيين ولكن ….نحو الشرق …نحو الوطن البديل، وذلك كي تبقى”اسرائيل” يهودية نقية من العرب..!. ففي اصل ادبياتهم السياسية والاستراتيجية والايديولوجية، اراد مؤسسو الدولة الصهيونية “دولة يهودية عابرة لنهر الأردن” تضم فلسطين والاردن معا، وان كان اقطاب “اسرائيل” يكتفون في هذه المرحلة بالمطالبة بالاعتراف ب”اسرائيل دولة يهودية نقية”، فانهم لم يتنازلوا في ادبياتهم عن شرقي النهر باعتباره جزء لا يتجزأ من “ارض اسرائيل”..!.
فهل سيكتفون مستقبلا يا ترى بدولة يهودية على ضفة واحدة، أم سيعبرون إلى الضفة الأخرى، ويطبقون نشيد منظمة “بيتار” : للنهر ضفتان، هذه لنا، وأيضاً تلك!!. لا شك ان خريطة المستقبل الفلسطيني ستبقى رهنا بالارادة الفلسطينية العربية..فعلى قدر ما يأخذ الفلسطينيون والعرب التهديدات الصهيونية هنا على محمل الجد والمسؤولية التاريخية والعروبية، وعلى قدر ما يحشدون ويفعلون، على قدر ما يحبطون تلك المخططات الصهيونية التهويدية التي يستكملون فيها وعد ونكبة بلفور..!. فلم يكن “وعد بلفور” ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الامة والدول والانظمة العربية حينئذ مسؤولياتها القومية والتاريخية؟ ولم تكن فلسطين لتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب…! ولم تكن فلسطين لتتحول الى “وطن قومي لليهود” لو ارتقى العرب الى مستوى “الوعد والحدث”…؟!! nawafzaru@yahoo.com