عشوائيات فكرية للتأمل – بقلم : د . سمير ايوب

فن وثقافة ….
بقلم : د . سمير ايوب – الاردن …
وكما أنت تعال ….
ما بالك تَلْهَثُ ، أيَقصِفُكَ طيرُ الأبابيل ؟! ما بالك واجمٌ ، أعَلَى رأسِكَ طَيرٌ ؟! إلى أين تَغُذ ُّالخُطى ، مُدبِراً صوبَ المَغيبِ ؟
قال : جمالُها يفيضُ عن المسموحِ به . كلما خالَطْتُهُ بِحواسي ، أزدادُ بها تَوَرُّطاً . إنها تُشبهُ روحي كثيرا . بِتُّ مكتظّاً بِها .
قلت : هاتِ زَهْرَك . ما المشكلة ؟
قال : أقف عاجزا امامها . بح قلبي من التوجع .
قلت : لِمَ ؟
قال : إنها في العمر وغير العمر ، تجلس على الضفاف الاخرى من الحياة . وأنا كما تعلم الى المصب أقرب . مصيبة ان يستفيق لك هوى مثير للجدل ، وانت لا تشاطئ من تحب . تعمدا غيبتها من العينين ، وفي القلب أبقيتها تقيم . رحلت عنها ولم ترحل مني . كل شئ حولي متأجج بها . يتأرجح بين شوق لها وتوجس منها .
أكمل وانا صامتا احملق في المدى . أكمل قائلا : في ليلة ولا أبرد إرتديتها . وتنزهت مطولا مع وحدتي . وقفت امام زوايا كثيرة من عزلتي . اخذتها معي لله . غافلت عقلي وداعبت شاشة الجوال ، حتى لسعني نداء صوتها ، أغلقت الجوال والقيت به بعيدا . في ليلتي تلك ، ثرثرت بها كثيرا ، حتى سكنت تفاصيلها ملامح صبحي . سمعتها تمطر في كل جهاتي حنينا : ارجوك لا تمر ببالي وانا اشرب قهوتي بعيدا عنك .
كنتُ صامتا ، أتابع إياب العصافير إلى مستقرها أمامي ، حين ناولني ورقةً مطويةً بعناية ، يغشاها خليطُ الجوري والياسمين . أمسَكَتْ أطرافُ أصابعي بها ، كأنها قارورة عطر . نظرتُ إليه متسائلا دون قول . أدرك ما وَددت ألإستفسار عنه ، فقال : إنها رسالة منها . وجدتها صباح أليوم في صندوق جريدتي على باب داري . ما أن بسطتها ، حتى إلتقى بصري بحرفها له :
أعلمُ أن ألعيب ليس فيك . ولكن ، ألا يخجل ما يُحاصركَ ، من حنينٍ يحتلني ؟ بحقي عليك ، توقف عن ألإنتظار يا رجل . لِمَ كلُّ هذا ألكبرياء ألعقيم ؟! لا تُجْلِس رحيلَك المُلتبس على قنطرةِ العِناد . عليك اللهفة ، لا شئ بخيرٍ بعدَك . لقد سدَدْتَ بوابات العبور وطرقَ المرور . دونك ظلامٌ من نور . يتجمد في عتمه كل شئ ، إلا الشوق والحنين والعطر .
مَروا من هنا يوما ما ، كانوا هنا صحيح . كلهم سواءٌ إلا أنت . كل شئ حولي هو أنت . أجمل النصوص أنت ، والرجال من بعدك حكاياتٌ مُمِلة . هم بقاياك . رحلوا ولم يهزموك . ما زالت بسماتُ عينيك وبشاشةُ وجهك غير ديموقراطية . يهزمني إستبدادها . وعشوائياتك تفتك بي . ويخترق عزلتي رنين صداك .
على يديك تشكلتُ ، ونَبَتَ لي ريش . بك تشبثتُ ، دون أن يَقُضَّ مضجعي توقُّعٌ أو تبريرٌ أو تفسير . إعلم أنك رَجُلي في ضواحيَ القلب . وفي لُجَجِهِ سيِّدُ الرجال . ومَنْ عَداكَ ، تفاصيلٌ على مَشارفك . بعضُهم ظِلالٌ ، وجعٌ ، خيبةٌ ، وجُلُّهُم خَيال .
إحتضنْ مشاعِرَكَ ، وكما أنت تعال . بحجم قهقهاتِ عينيكَ تعال . فَمِنَ الظلم أن تأتيَ بحجمِ توقعاتِ أحد . لا بأسَ إنْ تَلَفَّتتَّ حولَك . ولكن تعال أعيشك ، ما أقربَك . تعال رتِّل معي رسائلنا كل ليلة . مخزوني منك لم ينضب . ما زِلْتُ فوق جُدراني ، أعْتَقِلُ بريقَ ضحكاتك ، ونمنمات شفتيك ، وتململ أصابعك .
كاذبٌ صمتي وجاحدٌ نِسياني . موجعٌ غِيابُك . أتغيبُ بعدَ إدمان !! ما أظلمك . لَمْ أتأقلَم في محطاتِ غِيابك ، لَمْ أتعود أي شئٍ . كلما غَطَّني سوءُ المِزاجِ بِعزلته ، آتيكَ لتكون أول المُدَثِّرين . أنفردُ بك كلما وَددت التحدث مع صمتي . أغمض عيني ، يتوهج بريقها بك ، يشف وأبتسم . بعد منتصف كل لَيلٍ ، يُقيم لك قلبي حفلةَ صَخبٍ وحُمْقٍ . حتى أغفو شهيدةً في قلبك ، بِلا أسئلةٍ ، وبِلا تبريرٍ وبِلا تَوَقع .
خارجَ السِّرْبِ أنا . وأعلم أنني داخل ألمشهد ، لستُ ألأجمل . ولكني كَبِرتُ لأجلِك . تعال إجمع في سلالي ، كل مراحل ما مضى من إيقاعات عمرك. فأنت بعد الستين لم تكبر . وأنا بعد الأربعين لم أعُد أصغر . تعال !!! ستجدني عند حواف السنين لم أبارح .
نَظرَ إليَّ باحثاً عن مُعين . أوقَفْته ، أمسكت بكتفه وإتجهت به إلى سيارته ، وقلت :
يا بخيلَ الوصلِ ، كقطرةِ الماءِ أنت . لا تدري مُبتداكَ ولا تتوقع مُنتهاك . خُذْ مِنْ حَصاها أربَعاً ، تِلوَ أربعٍ ، وارجم أبالستَك ، وشياطينَ العمر . أنتما حالةُ عشقٍ خاصة ، لا يفهمها إلا مجنون . إمض دون أن يثقل كاهلَك عبءُ الناس ، وعَدَّادُ السنين . ألحب ملعبك ومرتعك . قَيْسُكَ شابٌّ . ما زال شاباً كَلَيْلاكَ . إهدم بجرأة ذاك الجدار الوهمي ، ألذي يُل}بِسَكَ قالبَ الكمالِ المُزَيَّفِ . وبَدِّل مخاوفَك بأملٍ قادمٍ من عينيها . ولْيَتَوقَّفَ بعدها الزمن .
وحَقِّ لَياليهِ العَشْر ، لو أن المُشتاقَ يُؤجَر ، لكنتما أكثر خلق الله أجرا . فالحب العاري من أنفاس الشوق ، طَحابيشٌ كفيفةٌ تمشي بِلا عصاً يا صديقي .