عالله تعود – بقلم : د. سمير محمد ايوب

فن وثقافة ….
بقلم : د . سمير ايوب – الاردن …
حفيدةٌ لي صبية جميلة رقيقة ، شاركتُها ليلة البارحة ، ذكرى ميلادها السابع عشر . وهي تقدم لي قطعة الحلوى وفنجال قهوتي ، قالت مبتسمة : لو سألتك يا شيخنا ، من أين تبدأ ذاكرتك ،  ماذا تقول ؟
فرِحتُ لِسؤالها ، لأن إجابة طلبها ، ستمنحني بالضرورة صخبا أقل ، من ألاحفاد المتقافزين حولنا . ما أن هدأ الضجيج إلا قليلا ، وإنتبه أغلب الحضور قلت :
هناك ، بعض الأماكن والأزمان والأفعال ، نمر بها فنشم رائحة الماضي . وكأنها تُعيد الزمن إلينا مجزءا حائرا . من حواف الأمس يا إبنتي تبدأ ذاكرتي دائما . ففيه أطياف بداياتي ، وسيروراتها التي لا تنتهي . تلوح دائما من بعيد ، تلحق بي بعذوبتها . إن حضرت لها طلاوة . وإن غابت أشرقت وأطربت . أحبها جدا ألف حب وحب ، ولا أكتفي .
تابعتُ قولي والضجيج يقل ويقل : سأحدثكم الليلة عن شئ ما إعتاد ، أن يحضر وحيدا بدونها . يغشانا إن حضر ونحن في الغياب ، كالبرق الممهد لرعد . من براعة طقوس ما سأحدثكم  ، سيقهقه كل من شاب شعر رأسه ، وملأت التجاعيد وجهه ، بعد أن إغترب في الزمن مع رحلة العمر . لأنه يكون قد عاشه بالفعل كطفل مناكف ،أو كصبي مشاغب ، أو عاش مُراقِبا على ضفافه .
وصغار أحفادي ملتفون حول رقبتي وكتفي ، وأصابعهم تداعب غوطة الفضة على رأسي ، والكبار على السمع ، قالت متعجلة متلهفة صاحبة الحفل : هيا يا جدي ، نحن في الإنتظار . أثرت فضولنا وشوقنا . وهاهي قهوتك كما تحب .
قلت مقهقها : لمَّا كُنا إزغار ، كنَّا نكرهُ الحمّامْ  . بالكم بتحزروا ليش ؟
لأنو أمهاتنا الله يِرحمْهن ، وأسأل الله أن يطيلَ بعمرِالعايشات منهن ،  كانِنْ لمَّنْ بِدْهِنْ يِحَمِّمْنا ، يِعذِّبْنا تعذيب ، وين مِنّو تعذيب الصهاينة والمتصهينين  .
الله العليم ، كانت لما تقولي أمي : قوم عالحمّام ، أنصرِع من الخوف .إ تقولْ بِسْ محشور بغرفه .
تبدأ رحلة العذاب من تِشليحْ الأواعي . وهيِّ إتشلحني الكنزة ، تقول بِتِنتّْفْ بِريش جاج . وآذاني كل أذن بجهه .
طول ما بتِتْحَمَّمْ بِدَّك إتظل قاعد قرفصة .  طيب يا حجه والله رجليّ وَجّعوني .
عالسريع بِتناولني كف . وبتقولي سكّر أثمّك .
بالنسبه للميّة ، لازم تكون تحت درجة الغليان بِنِتْفِة . بتستجديها : يا يُمَّا لحمي ذاب ( انلهط ) !! بيجي الكف الثاني .
لمّا تُفرك راسي ، اقسم بالله تقول بِتُفرك بمصباح علاء الدين او صلاح الدين ( ما عدت عارف ) عشان إتطلّع المارد اللي فيه . وراسي بِلولِح يمين ويسار . إتقول دالية في أيام الشتا .
والمشكله لما ينزل صابون عَوِجهك ، وبِدْها إتقيمه بتغير ملامح وجهك . غير حرقة العينين . المشكله إنها الصابونة ( المفتاحين أو الجمل ) أقسى من الحجر. والفرك بيها تطريح او مثل رصع الزيتون .
نيجي لعند ما تمسك خشمك ، وتقولك ” نِنننفففففف ” بتصير إتْنِفْ من آذانك . لأنه كل مجاري التنفس عندك صارت إمْسَكَّرَة
عند التلييف ، بتمسك الليفة وبتفركها بالصابونة وهي إتْلِد عليك . تقول جزار بِسِنْ بسكاكينه للذبح ، طبعا ربنا حامينا . والا فركها للجسم بجيب شلل رباعي. طيِّبْ هدّي إشويّ يا حجه ، أنا حاسِسْ كأنك بِتُبِشري بجبنة . ما بتحس إلا بكف عشوائي.
طبعا الحمام بالدور . والكبير قبل الزغير . ولما أسمع أخوي الكبير ببكي وهي بتحممه ، أنا بصير سلف ، أبكي من الخوف .
بعد الحمّام ، بِتِطلّع عحالك في المراية ، والبخار قاعد بطلع من جسمك ، بتحس إنك طنجرة ضغط مفتوحة .الأصابع مجعلكات ، ولون جسمك أبيض وأحمر ، من كثر الفرك .
تعال لتلبيس الأواعي ، راسك قد قبة البلوزة خمس مرات ، وبدها إتْفَوِّت راسك خاوه . بتلبس أول بلوزه وثاني بلوزة ، ويا ويلك إذا فَلَّتِتْ الكم ، لما تقولك اقبظ كمّك مشان تلبسك لبلوزة الثانية .
نيجي لتمشيط الشعر ، وحفاظا على تنظيف الراس من القمل والصيبان ، بتغرز المشط براسك ، وببلش لِحْراث . وطبعا في إحتمال إنه أسنان المشط يوصلو مخك .
إيييييييييه ، الله يرحم هذيك الايام . مع حمام الغاليه ، ولا يهمك ،  لو انك أسود بتصير أبيض .