طبخ حمامة السلام في طنجرة اوباما

اراء حرة (:::)
شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة (::::)
قد لا تدل الجوائز على القيمة الحقيقية للإبداع الانساني والتفوق والنجاح والعطاء ، لكن تبقى مساحة مسكونة بهاجس التجديد والاستمرارية ولأن طبيعة الانسان الابحار نحو المجهول والتغلب على الصعاب واكتشاف المستحيلات لتسجيل لحظات الانتصار .
وجائزة نوبل من الجوائز العالمية ، تمنح  كل عام من قبل هيئة يعينها البرلمان النرويجي وذلك حسب وصية نوبل ،  التي تحضنها الانظمة والشعوب وتعتبر مقياس ريختر للتفوق الدولي ، حيث تفتح الجائزة جميع الابواب والنوافذ على الدولة التي يحظى احد ابناءها بالجائزة ، وتركض وسائل الاعلام العالمية  وراء الميزانيات والخزائن التي فتحت لكي تمول المشاريع التي وقع تحتها الذين يعرفون أن النجاح له ثمن والتفوق له ثمن ، وأن الجائزة هي حصيلة الاصرار والمال والايدي التي تدفع الى الامام ، وأيضاً اهتمام الدولة التي تسعى للتفوق والبروز فالقوة العسكرية لا تكفي ، يجب ان يكون الى جانبها قوة الابداع العلمي والأدبي .
بعد أن اخترع السويدي الفرد نوبل الديناميت شعر بتأنيب الضمير للشر الذي منحه للبشرية فقام عام 1815 بكتابة وصية تمنح جائزة باسمه في جميع المجالات التي تفيد البشر ، فكان أول احتفال عام 1901 ، والجائزة عبارة عن ميدالية ومبلغ مالي يقدر ( خمسة ملايين كرونه – أي ما يعادل مليون دولار ) واذا حصل أكثر من شخص على الجائزة يتم تقسيم المبلغ بالتساوي ، حتى عام 2012 منحت الجائزة ل 838  عالماً واديباً وشخصيات قيادية ومؤسسات ، من بين هؤلاء 43 امرأة فقط .
في مقابل رومانسية جائزة نوبل  التي تجلس على ديناميت الشك ، أن هذه الجائزة تسير حسب الأهواء الامريكية ودول الغرب التي تملك النفوذ والأصابع الطويلة والمخالب السياسية الحادة ، أو حسب أهواء ومزاج اللجنة التي غالباً ما تكون منحازة لفئة معينة ، بعيدة عن حقيقة الواقع وأن الاختيار يكون مرسوماً على جدار الخضوع والتواطؤ ، ولا يكون حسب الرؤية الابداعية البعيدة عن شوائب الدس والدسائس .
نعرف أن العرب بتاريخهم وعددهم لم تقترب منهم الجائزة الا بطرف اصبعها ، حيث اشارت الى العالم أحمد زويل في الكيمياء ، وقد صرح بوضوح أن المختبرات الامريكية التي فُتحت أمامه هي التي أوصلته لهذه الجائزة ولو بقي في مصر لما حصل عليها ، والكاتب نجيب محفوظ الكاتب الكبير نالها بعد أن هاجم الحقبة الناصرية وأيد اتفاق كامب ديفيد  والصلح مع اسرائيل وبعد ان استقبل وعانق مئات الاسرائيليين الذين تدفقوا للقائه على شكل نقاد أدب وعلى شكل معجبين برواياته ، أما المرأة العربية  الأولى التي نالت جائزة نوبل فهي الناشطة السياسية اليمنية ” توكل كرمان ” عام 2011 ، وقد حصل كل من ” بيتر مدور” على جائزة نوبل بالطب و ” الياس جيمس خوري ” على جائزة نوبل في الكيمياء وهما من أصول عربية لبنانية يعيشان في امريكا ، هذه هي حصيلة جوائز نوبل للعرب ، مع أن الشاعر ادونيس كان مرشحاً لها والشاعر محمود درويش والكاتبة الجزائرية آسيا جبار وغيرهم .
من المضحك هذه الايام يخرج من بين أعضاء لجنة جائزة نوبل  صراخ الرفض ، لأول مرة يتذمرون لأن السلام لم يتحقق على يد الرئيس الامريكي باراك اوباما ، فبعد مرور خمسة أعوام على منحه الجائزة عام 2009 ، يقف الرئيس السابق للجنة الجائزة معبراً عن أسفه لمنح الرئيس الأمريكي اوباما الجائزة ، ولا أعلم كيف اقتنع أعضاء اللجنة بمنح الرئيس الامريكي اوباما جائزة نوبل للسلام وهو لم يلمس ريش حمامة السلام في عام 2009 ، وكان وقع منح الجائزة آنذاك مثيراً للاستغراب والدهشة ، والآن اوباما  في ظل خيباته السياسية  المتكررة وفشله في تجبير ساق حمامة السلام هل نتوقع سحب الجائزة منه ؟؟ أم الاستمرار في التذمر بعد أن قام اوباما بطبخ الحمامة  وتقديمها في أطباق النزاع والدم واللجوء والتهجير والتدمير والصمت العالمي .
سابقاً رفض الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر عام 1964 جائزة نوبل للأدب بسبب أفكاره التي تناقض موقف الجائزة ، لكن لجنة الجائزة لا يعنيها الرفض  ، أرسلت الشيك  بالمبلغ المالي ، لكن سارتر رفض استلام الشيك وكانت قيمته 273 الف كورون سويدي أي بقيمة ما يعادل اليوم 300 الف يورو ، وبقي على رفضه .
الشاعر السويدي أكسيل كارلفيلدت نجح في اقناع اللجنة في العام 1919 بحذف أسمه من قائمة المرشحين ولكن عاد ونالها بعد مماته ( حين كان منح الجائزة للراحلين ما زال متاحاً ) .
لكن الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك مناحم بيغن نالا عام 1978 جائزة نوبل  بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد  ..!! وافقا على نيل الجائزة قبل أن يتبين الخيط الأبيض السلام  من الخيط الأسود الحرب  في هذه الاتفاقية ،  مع العلم أن مناحم بيغن بتاريخه الارهاب  كان رئيساً للحكومة حين قام بعد جائزة نوبل بحصار بيروت عام 1982 وطرد الفلسطينيين وتدمير لبنان .
وفي عام 1994 تم منح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات واسحاق رابين وشمعون بيرس بعد اتفاق اوسلو جائزة نوبل ، ونعرف حتى اليوم ما هي أفكار شمعون بيرس وكيف يدافع عن الاستيطان والمستوطنين .. ولم تغيره الجائزة التي تستخف وتسخر من السلام الكاذب !!! عن أي سلام يمنحون الجوائز ؟؟  أي سلام يساوي بين الضحية والجلاد ؟ بين المشنقة والعنق ..؟؟. اذا كان التساؤل – النوبلي –  يحيط بالرئيس الامريكي اوباما الآن  ، فلماذا لا يفتحون ملفات بيغن ورابين وبيرس ، يستطيعون سحب الجائزة اذا اثبت أن هناك اثباتات تدين سلوكيات وتصرفات أصحاب القاب وجوائز السلام .
هم يعرفون – أعضاء اللجنة النوبليه – أن السلام كلمة مطاطية فارغة من مضمونها الانساني ، لذلك يجب أن تكون لها مقاييس جديدة .. وليس كل ما طير حمامة في السماء هو رجل سلام ، قد يكون طّير الحمامة لكي يصطادها بعد أن يبرز مهارته  في الصيد .