الجالية العربية ….
كتبها : وليد رباح
قد تكون الحكاية بعضا من دعابات الرواه .. وقد تكون حقيقة قيلت في زمن الصعاليك والمحتالين والعيارين الذين اخترعوا طرقا جهنمية في الاحتيال بحيث غدا ابليس تلميذا لهم .. وقد لا تكون تراثا شعبيا ولا عادة نقولها ولكنها مع الزمن اصبحت مقولة نسقطها على ما نقول ونفعل .. فقد قيل .. ان محتالا في زمن مضى اراد ان يستغل سذاجة الناس فتنسك .. واعلن عن بيع امتار في الجنة لمن يرغب .. ولمعرفة الناس بورعه وتنسكه وتقواه فقد توافدوا اليه زرافات يشترون امتارا من الجنة بابهظ الاثمان .. وهكذا اصبح (الناسك) غنيا .. ورأى الناس مشاريعه تكثر وتزيد حتى غدا اسطورة في الغنى والثروة عجز عنها كبار التجار والملاك والورثة .. وكان في القرية المجاورة محتال آخر اشد وطأة في تحريك تلافيف عقله واكثر احتيالا من سابقه .. اراد ان يستغل ما فعله الاول ولكن بطريقة مبتكرة .. فقام من فوره واعتلى عربته وتصنع الامارة والوجاهة .. واتى الناسك الاول فاستقبله ذاك بالمودة معتقدا انه سيشتري ما تبقى ( هذا ان تبقى ) بعضا من امتار الجنة التي اعلن الناسك الاول عنها واصبحت على وشك النفاذ .. ولكن الناسك الاول اصيب بالدهشة من طلب الناسك الثاني .. وظل لدقائق مطرقا لا يدري ماذا يفعل .. فقد دار بين الناسكين هذا الحوار ..
الناسك الاول :اهلا بك يا سيدي .. كم مترا في الجنة تبغي ؟
الناسك الثاني: لا ابغي من الجنة شيئا .. فان تقواي سوف تقودني اليها دون شراء او تجاره .
الناسك الاول :اذن ماذا تريد ؟
الناس الثاني :اريد ان اشتري النار
الناسك الاول :وماذا تريد منها او تفعل بها .. انها محرقة وقاتلة
الناسك الثاني : وهذا ما اريد .. اريد أن اخلص الناس من شرها فادفنها باطنان من الاتربة والطين فلا تعود تؤؤقنا ..
فكر الناسك الاول فيما قاله الناسك الثاني وقال في نفسه : يبدو ان هذا الرجل مجنونا يريد ان يلقي بنقوده الى التهلكة .. وحدثته نفسه ان هذا الامر يمكن ان يجلب له نقودا اخرى فوق النقود التي يبتزها من العامة فوافق على الفور .. وباعه النار بمبلغ باهظ فرح له الناسك الاول فرحا عظيما .. ولكن الامور سارت بما لا تشتهي سفن الناسك الاول .. فقد عمد الثاني الى ارسال معاونيه الى كافة القرى والمدن والدساكر والنجوع داعيا الناس الى عدم شراء امتار من الجنة من الناسك الاول بحجة انه اشترى النار ولم يبق غير الجنه .. ولذا فان الناس جميعا سوف يدخلون الجنة سواء اشتروا امتارا ام لم يشتروا .. لم يبق غير الجنة اذن ؟ هكذا تساءل الناس ..
وفي غضون اشهر قليلة بارت تجارة الناسك الاول .. فقد توقف الناس عن الشراء .. اصبحت الجنة في متناول الجميع .. واخذت ثروة الناسك تتناقص .. ولم يكن له من وسيلة لاعادة ابتزاز الناس الا بالرجوع الى الناسك الثاني لشراء النار منه ثانية .. وعندما قابله دار الحوار التالي :
الناسك الاول :لقد عدلت عن بيع النار لك .. اريد ان اشتريها ثانية .. فهل تسمح ببيعها .
الناسك الثاني :ولماذا ابيعها وهي ثروة مكتنزة .. دعها لسنوات فانها ستعطيني سعرا مناسبا لا يعادله سعر الجنه
الناسك الاول :اني على استعداد لدفع الثمن الذي تطلبه ..
الناسك الثاني: حسن .. اطلب ضعف ما دفعته لك ..
الناسك الاول : ولكن هذا كثير
الناسك الثاني :اذن .. ساحتفظ بها حتى يرتفع السعر أكثر .
ولما كان الحل الوحيد للناسك الاول هو ان يشتريها فقد وافق على الشراء وتعود الى ملكيته مرة اخرى .
وفي غضون ذلك .. كان الناس قد اكتشفوا كذب ودجل الناسك الاول .. ولعبة الناسك الثاني .. فلم يعد احد منهم يشتري امتار الجنة .. ولم تعد النار في افكار احد منهم ..
ويقال .. وعلم ذلك عند النساك والمبتدعين والمحتالين في آخرهذا الزمان .. ان الفساد قد استشري بعد ذلك .. وان البركة قد قلت .. وان السرقات قد كثرت .. وظل الحال على ما هو عليه حتى جاء ( المستثمرون ) الاجانب فاشتروا النفوس قبل ان يشتروا الارض .. فاصبحوا يبيعوننا الهواء مغلفا في اكياس بلاستيكية جميلة المنظر .. وغدا الحكام يسرقون شعوبهم مثلما يشربون الماء سهولة ويسرا .. واصبح الناس وامسوا يترحمون على ايام الناسك الاول والثاني. هذا وعلم ذلك عند ذوي الخبره .. وانا لله وانا اليه راجعون ..