زفرةٌ معَ أبي العَتاهية – بقلم : علي الجنابي – بغداد – العراق …

فن وثقافة … دراسات …
بقلم : علي الجنابي – بغداد – العراق …
أبا العتاهية..
ألا لَيتَ زمانُك يَعُودُ يَوْماً, لأُخبرَكَ بما فعلَ الزمنُ العجيبُ..
فما عادَ يُقلقُنا رأسٌ خضيبُ, بل جادَ يفلقنا يأسٌ ونحيبُ..
أُخبرُكَ عن وطني (بغدادَ) وإذ كان يصبو مستنيراً إليها الحبيبُ,ويحبو مستشيراً إليها الغريبُ , ويخبو دونَ خُفيّها مستجيرا الخصمُ الكالحُ الكئيبُ.
أوَمُصَدِّقيّ إن أخبرتُكَ أنَّ اللقيطَ باتَ فيها عميداً صنديداً والربيبُ؟ والعبيطُ فيها هو السديدُ وهو الحميدُ لا الحسيبُ ولا اللبيبُ؟
أومؤمنٌ أنتَ ليَ إن قلتُ أنَّ الشمسَ فيها غوغاء ومغيب, وليلُها ضوضاء معيب, وخيلُها ثُغاء وألاعيبٌ وأكاذيب, وكيلُها وعثاء وغثاء رهيب؟
الشبلُ فيها إن تزحزحُ فلا دبيب! الكهلُ فيها إن تنحنحَ فلا طبيب! وأمٌّ في ركنٍ جاثمةٌ وثَكلى لا يُسلّيها إلّا أنينٌ ونحيبُ..

أيا أبا العتاهية..

أفي زمانِكَ والدةٌ غضّةٌ مرضعٌ زاكيةٌ, العويلُ نكتتُها,ويتغافلُها النجيبُ, والنحيبُ مُتعتُها,وهو كِفلُها الحسيبُ!
أما من عَودٍ لزمانِك ليَقصِفَ فيُنصِفَ مرضعاً ثكلىً أمسى نصيبُها أنيناً وبَعلُها هو النحيبُ؟
قد تقزَّمَ من بين يديَّ ومن خلفي وَقارُ المشيب ..
قد هزمَني رنينُ الثكلى وبثُّها والنحيبُ, فما عاد يلزمُني وَقارٌ ولا مشيبُ..
وقد حُقَّ البكاءُ إياكِ أيتها الثكلى النحيب, وقد عُقَّ الرّثاءُ إياكَ أيها الشعرُ الخَضِيبُ..
فَيا وكسةً في بغدادَ, وإذ تُحلَبُ ثمراتُها منَ ذوات كِمامةٍ, كما يُحلَبُ من البقرِ الحليبُ..
ويا نكسةً في بغدادَ, وإذ تُسلَبُ نظراتُها بكيدِ عِمامةٍ, كمَا يُسلَبُ الأسيرُ منَ السليبُ..
ويا ركسة في بغدادَ, وإذ تُصلَبُ عَبَراتُها بأيد قِمامةٍ, كمَا يُصلَبُ الكبيرُ على الصليبُ..
قد سَرَقوكَ يابغدادَ مسَرَّةً, فباتَ زمانُكِ هو الزمنُ العصيبُ, بل زمنُ مَضَرَّةٍ ومَعَّرَّةٍ كي يُحَقِّرَكِ فتاكَ, ولا يُوَقِّرُكِ إلّا أنا ورأسٌ مثلي مشيبُ.
مامن ناصرٍ ينصرُكَ سوى نظرةً من الرحمنِ إن أَهَلَّت فلا تَخيبُ..
نعمَ السميعُ هوَ, ولنعمَ هوَالمجيبُ.
ولامجيبَ سواهُ يُجيبُ

‫في الخميس، 28 يناير 2021 في 1:53 ص تمت كتابة ما يلي بواسطة علي الجنابي <‪alialjnabe62@gmail.com‬‏>:‬‬‬‬‬
مساؤكم بركات..
النصُّ:
أطَرَافُ حَدِيثٍ مع المَلائِكة
{لمَ -ياخلّ- يَنعُمُ ربُّنا اللهُ, بل وَيغدِقُ بسخاءٍ على اللُّكَّعِ والفُجّارِ, ويَنقمُ بل ويطرقُ علينا نحنُ الرُّكَّعُ لهُ والأخيار)؟
أوَقُلتَ: لِمَ!
أمَا لو كنتَ حقّاً من طينةِ الأبرارِ, لمَا سألتنيَ جهرةً دون إستحياءٍ أو إستتار..
تساؤلاً مَتَضَرِّماً من كبوةٍ أوإنحسارٍ, ومُتَبرِّماً من ربوةٍ صوبَ إنحدارٍ, ومُتَوَرِّماً في وجهٍ كَثُرَ فيهِ إصفرارٍ وندبٌ من أوزار!
أنصِتْ إذاً, يا ذا فكرٍ بائرٍ وحائرٍ بل إنّهُ خوّار, ولعلهُ سائرٌ نحو جهالةٍ وإستكبارٍ, وصائرٌ لإندثار:
في عَرصاتِ القيامةِ, وفي ظِلالِ الواحدِ القهار, ولا ظِلَّ يومئذٍ إلّا ظِلُّهُ العزيزُ الغفار, تَبَجَحَت نَفْسٌ لتاجرٍ كمثلِ ماعندكَ من نفسٍ بِشموخٍ وبإصرار, مُعلِنَةً للمَلائكِ بِمُبتَغاها:
– أرونيَ إِرثيَ من جَنّةٍ وَعدَ بها الرّحمنُ مَن لِلنّفسِ زَكّاها, فإنيَ لمجالسةِ رسولِهِ لَشَغُوفٌ, ولشَرابٍ غيرِ آسنٍ من سُقياها..
– أَوَ تَحِبُّ نفسُكَ رسولَ اللهِ -يا عبدَاً لله- وتُبغِضُ مَن لرسالتهِ أبغضها وعاداها؟
– أجل, فَداهُ وَلدي وَالنَفسُ, وَمامَلَكت مِن قِلاعٍ كانَ عَضُدي قد شَيّدَها وهو مَن بَناها..
– أفَأحَبَّتْ نَفسُكَ الرّحمنَ -يا عبداً للرحمنِ- كما أحَبَّتْ رسولَهُ, إذ كانت تُصَلَّي عليهِ حيناً في صُبحِها وحيناً في مَساها؟
– أجل, وأَجَلَّت جَلالَ عرشهِ, وَإستظلَّت عظيمَ سلطانهِ, وأهلَّتْ بتوحيدٍ وربوبيةٍ بنسكِها وبمقتضاها..
– حسنٌ ياعبداً للرحيم! فَأَفرضْ لنا إِمَارةَ حُبّكَ للرّحمن وأستعرضْ هنا بعضَ سِيماها؟
– أجَل, واللهُ هو أَعَلمُ وَأجَلُّ بمبتدأ النفسِ وبمنتهاها, فَلقد نبذتِ النفسُ ذاتَ يومٍ صفقةَ دنانيرَ كانتِ النفسُ تَهواها, وَسَمَت النفسُ فوقَ سفرةً مُتَفَكِّهةً فارهةً بنعيمِها وسَلواها,
ورَنَتِ النفسُ لرِحلةِ غُفرانٍ في عُمرةٍ في رَمضانَ بنِداها ونَداها, وحَنَتِ النفسُ على نداها, لتنجوَ من شحٍّ رغم غِناها, ولترجوَ طيبَ رحمةٍ فيها, كانتِ للنّفسِ مُرتجاها…
– وهل جَنَتْ نفسُكَ -ياعبداً للكريمِ- يومَها عفواً عمّا تَقَدّمَ من ذنبِها ومن سَوآها؟
– لا ريبَ, وإلّا لَهَوَتْ النفسُ في هولِ إِنكارٍ لوعدٍ من الرحمنِ سابقٍ لضيوفهِ, ولَعَوَتْ في غَيِّها وهَواها!
– وهل عَرَفْتَ -ياعَبداً للعزيزِ- ربَّكَ معرفةً كما رَنَتِ العقيدةُ بِرناها.
– لا ريب, وإلّا لَمَا عَبَدَتهُ عقوداً بِكَبدِها وبَلواها ! كَثُرَتْ تساؤلاتُكم وصداها, فَهَلّا أريتُمونيَ جنّتي وكَفاكُمُ مُسائَلة بعُتِيِّها وجفاها..
– ليسَ قبلَ إن تتركَ لِسانَكَ -ياعبداً للعليمِ- أن يَصِفَ لنا صِلتَكَ بالرحمنِ ولاتَنهرْهُ إن هوَ علينا تَلاها وجلّاها؟
– نعم, أعظمُ صلة! فقد كان ربّي مُستجيباً لي إن دَعوتهُ في عَشيةٍ أو في ضُحاها…
– لَعلَّ ذلكَ -يا عبداً للقدوسِ- أستدراجٌ لا إجابةٌ لدعوتِكَ ومَرماها؟ فما كانَت عَطايا الوَهّابِ علامةً لمغفرتهِ ومداها؟ أمَا مِن إمارةٍ غيرها وسِوَاها, تُبديها لنا بِمغزاها؟
– أجل, رغمَ أنكم حَجَزتُمونيَ عن جَنّتي: قد عَرفتُهُ مِن أَلَقِ آياتهِ ومِن عبق شَذاها..
– أمَا والآن فقد جئتَ بالحَقِّ -ياعبداً للمُهيمنِ- فَهَلّا حَدَّثتَنا عن أنَسٍ من رنا كلماتهِ, وقبَسٍ من سَنا سَناها؟
– كيفَ ذاك؟ إن كنتُم في شَكٍّ, فأسألوا أُجِبكمُ تحتَ ظِلالِ هُداها!
– قد أحسنتَ إذ ألزمتَنا حُجَّةً -ياعبداً للعليمِ- جَليةً بِفحواها, فَعَمَّ تَسَائَلَت مُتونُ “النَّبَإِ الْعَظِيمِ” في مثناها؟ وما مَعانيَ (دِهَاقًا,غَسَّاقًا, ثَجَّاجًا), إذ كانت نفسُكَ تتلوها وتَتَغَنّاها؟
– أمّا (النَّبَإِ الْعَظِيم) فالقيامةُ, وأمّا مفرداتُها, فلا يلزمُ لأكونَ عالماً بالبلاغةِ وبرحيبِ سماها وآفاق فضاها!
– بيد أنّكَ كنتَ عالماً بلُبِّ النساءِ وقَصٍّ لخُطاها, وبحُبِِّ البنينَ وقناطيرَ من ذهبِ ورَصٍّ لحرثِ ومابناها. كيفَ لكَ أن تَعرفَ ربَّكَ إذ أنتَ تَستعجِمُ كلماتَهُ وتستحجمُ مُرتجاها ؟ ولكن لاحرجَ, حَدثنا إذاً عن عمومِ سورةِ “الشعراءَ” أو إن شِئتَ عن أختِها “الشورى” وزلالِ مَجرها؟
-أمّا ذاكَ فنعم, فأمّا الأولى فقد أظهَرَتِ إرتحالَ الشعراءِ في أوديةِ غَيِّهمُ ومآلِ رَدَاها, وأمّا أختُها فقد أزهَرَت إمتثالَ شِرعةِ الشورى بين نفوسنا حينَ نَجواها.
– ماكانَ رَدُّكَ هذا -ياعبداً للقهارِ- إلّا ذرةُ تأويلٍ لجزءِ آيةٍ في رحابِ كلِّ سورةِ وأسوارِ بَهاها! أفَأسمَعَكَ جارُكَ هذا الجوابَ , أم تراكَ أوَّلَتهُ نفسُكَ من خيالِ في رُباها؟ لا ضير, ودَعنا نَتَحَدثُ -ياعبداً للقويِّ- عن تكليفٍ غير, عن خسارةِ (الأقصى) وعن مُقتضهاها : أولى قِبلتَيكَ, وكيفَ كانت هواجسُ نفسِكَ حينئذٍ ومُحتواها؟
– لاذنبَ لنا إذ كنّا مُستضعفينَ, وإذ كانَت (بندقيةُ) مَلَأِ زعيمِنا صوبَ أكتافِنا فاغرةً فاها؟
-أوَحَقّاً كَنَسَت (بندقيةٌ) فأخنَسَت أمّةٌ مُتَرامٍ أطرافها خَشيةَ حاشيةِ زعيمٍ جائرٍ, وخائرٌ إن صَدَقَت أنفسُكم نواياها؟
– حسبُكم! يا ملائكَ الرحمن! وكفاكم كشفاً للنفس وسوآها!
أعيدوني ونفسيَ الى الدنيا بفجورها وتقواها, كي تستفهِمَ من قُرآنِها وإلى حيث هنالكَ قِبلتاها, وكي تَسيحَ في مَلكوتِ ربٍّ مجيدٍ من جديد , وتَستريحَ في ربوعِ قُرآنهِ ببصرٍ من حديد, فَتَتَفكَّرَ بآلائهِ بفكرٍ مُتَأملٍ وسديدٍ ,فلعلَّها تعرفُ فتَلزَمُ ربَّها بخافقٍ زاهدٍ وسعيد, ولصِلةٍ معهُ مفقودةٍ تستعيد وتستزيد, وكي تزيحَ زيفَ حُبِّها لرسولهِ الرؤوف الحميد, فتَنصُرُ رسالتَهُ نصراً تليداً, بلا مظاهراتٍ بل عند كلِّ صعيد, وكيلا تتبجحَ بحضرةِ الشكورِ الرشيدِ, بسفاهةٍ عن إيمانها وحسناها.
-قد سَبَقَ القولُ ألّا رجعةَ إليها -ياعبداً للمليك- فَلْتَرتَقِبْ نفسُكُ الآن لِحُكمِ المَليكِ في بلواها, ولْتَنظُرْ كيفَ سيكونُ مَثواها أو كيفَ سيكونُ هو مَأواها, ولات حين مناصٍ إن تأففت في شكواها.

‫في السبت، 23 يناير 2021 في 4:21 م تمت كتابة ما يلي بواسطة علي الجنابي <‪alialjnabe62@gmail.com‬‏>:‬‬‬‬‬
مساء البركات..

كيلا تَخلُوَ الأكمامُ مِن ثَمَراتِها
(من أرض الواقع)
كانَ جَاري ذات يومٍ, و خِلّيّ هوَ, وتَوقاً بالشوقِ وبَعدَ غِيابٍ زارَني.
جَاوَرَني بِمَقطَنٍ مِن سِنِينَ, أَجَرتَهُ آنَئِذٍ مِرارَاً وَأَجَارَني.
سَنَدُهُ في النَوَائِبِ كُنتُ وعندَ المَصَائِبَ كانَ عَضُدي الذي أَعَانَني.
وَفِيَّاً كُنتُ لِوِدِّهِ وَكانَ صَفِيَّاً لِخِلَّتي وما خَانَني.
أمينَاً كُنتُ لِعَهدِهِ وَكانَ يَرُدُّ عَني بِظُهرِ الغَيبِ وَصَانَني.
كِيسُنا واحِدٌ فلا أستَدينُ منهُ ولا هوَ أعَارَني.
بِئرُنا وَاحِدٌ أبُوحُ له بِمُثقَلاتِ سِرِّي, وبِرَصِيدِ إِسرارِهِ هو أَسَارَني.
يُسبِلُ جِفنَيّهِ تَبَسُماً إن أَغضَبتُهُ, وَما أغضَبَني يَوماً وما أستَثَارَني.
يُسدِلُ كَفيِّهِ ضَاحِكاً إن شَتَمتُهُ, وَما رَدَّني بِمِثلِها أَبَداً أو أدَانَني.
وَلو شاءَ كَفُّهُ لَفَعَلَها وَحَلَّقَ فَوق رأسي و أَغَارَني,
فَكَفُّهُ قاصِفٌ وبِخَطفٍ عاصفٍ منه عن يَمينِهِ إلى شِمالِهِ لأ دارَني,
لكنَّهُ ما هَمَزَني ومَا لَمَزَني يَوما وما شانَني.
خِلّي هذا قد أزَّهُ حَبلُ المَوَدَّةِ, فَتَلفَنَ يَلتَمِسُ إذنَ إستِجابةٍ إن زارَني،
رَدَّ عليهِ تَوقي بِمَسَرَّةٍ وبشَوقٌ إليهِ ضَانَني:
حَلَلتَ أَهلاً ونَزلتَ سَهلاً يا عِطراً من أولينَ, ويا لسَعدي أن التَقيك،
سُقياكَ نَبضُ خافقٍ وحَنانٌ مِنّي هوَ الوِسادةُ لك والأريك.
ظِلالي وشُجُونُها قد بَهَتَا وما فَضفَضَا بَعدَكَ لشَريكٍ.
تِلالي وبُطونُها وَوَردَةُ حَديقَتي قد غَرِقَا شجناً تُناديك.
وَدِلالي وَوٌقودُها وعُيونُ الجَمرِ قد بَرِقا حَفاوَةً فِيك.
يَالَهُ مِن نَبأٍ !عَجِّل بِه وتَحَرّر مِن شِراكِكَ ومن ماسِكيك . فأتَى الخِلُّ..
فتَجاذَبنا حَثيثاً من فَورِنا طَرَفَ حَديثٍ عَقيِمٍ أليِمٍ، وتَركنا ذِكرَياتِ لنا بَهيجةٍ بلا مَليك. قالَ الخِلُّ؛
كيفَ أنا وبَغدادَ وما مَرَّ هاهُنا مِن عِجافِ سِنين؟ بَلغَت قُلُوبُنا حَناجِرَها وسَأَمَ منّا حتى موجُ ألأنين ، أتَراني -يا خِلّ- رَاحلاً غَرباً ومُفارِقاً للطُهّرِ, وَنَقاءِ الحَرفِ, وَ(حجي مقدادَ) الطيّبِ المَتين, وَمُعانِقاً لِلنُكرِ, وجَفاءِ العُرفِ, وآذان غُربَةٍ سَجينٍ, أم تَراني مُفارِقُ لذيذ شَتائِمِكَ, وأيّامِ الصِبا والحَنينِ؟! وَجَبَ عليَّ إذاً أن أقلي رَمَضانَ ونواقيسَهُ, و(مُقدادَ) وقواميسَهُ, وعُرجُونَ نَخلَتي ونواميسَه وكلَّ زيتونٍ وتِين ! إنّي -يا صاحبي- سَئِمتُ العَنكبوتَ وشِراكَهُ, وسَئِمتُ دَوّامَةَ فَلَكٍ مِن فِتَنٍ بطَنينٍ. قد قُضِيَ الأمرُ-يا صَاح- هاهنا في بغدادَ وانتَصَرَ الثَّعلبُ المَهينُ, وأَمسَينا كُرَةً تَتَقاذَفُها صَولَجاناتُ السَلاطينِ.
تَنَهَدتُ, ثُمَّ شَدَدَتُ الأزرَ, فَرَدَدتُ :
أَفصِح : أَوَجِئتَ مُودِّعاً أَم أتَيتَ لِتَستَخيرَ فَتَستَبينَ؟ وإنّما مِثلكَ في حُلمٍ لا يَقرَبُهُ عَمَهٌ وما هوَ بِجهالتِهِ سَجينٌ, أفَبَعدما أَلبَسَكَ النَّاسُ هاهنا تاجَ خَبيرِ هَندسَةٍ مُبينٍ ؟ فإسمَع يا صاح :
إن تَذَكَرتُ الوُدَّ بَيننا لَوَّحتُ لك؛
(أَنِ إرحَل بأمانٍ مِنَ اللهِ حَصينٍ).
وإن تَدَبَرتُ الجِدَّ حَولَنا صَرَّحتُ لك؛
(أَوَ تَذَرُ بَغدادَ إرثاً لِخَفّاشٍ مَقلوبٍ هَجين؟).
أوَسَتحمِلُ معكَ نَزاهةً وعِلماً في كُبرى المَشاريعِ ثَمينٍ؟
لكَ ما عَزَمتَ – أُخَيَّ – بَعدَ تَنظيرٍ منكَ يُعينُ وتَبريرٍ يَقينٍ, فما مِثلُكَ في حاجةٍ لتَبصيرٍ رَزينٍ وتَنويرٍ رَصينٍ ! وأعلم أنَّ هَجرَكَ سَيَجرَحُ بغدادَ على ما فيها مِن جِراحٍ واَنينٍ, وسَتَدمَعُ دجلة لِفِراقِ رَسَمَاتِك أيُّها الوَغدُ والبغلُ السَمينُ, وبَسَمَاتٍ لبُنَيَّتكَ (مَروةَ) مُعطرةٍ بِعطرِ الياسمين وقَسَماتِ وقّادةٍ وهّاجةٍ لأَخَوَيها البَنين .
” لَعَلَّ خِلّيَ ما جَاءَني مُوَدِعَاً,فقلبيَ الضعيفُ لايحتملُ ولن يستكين؟”
لَعَلّ ذلكَ لن يَكون:
كيلا تَخلُوَ أكمامَ بغدادَ مِن ثَمَرَاتِها أو مِمّا تَبَقى من ثمرٍ.
لكِ اللهُ بَغدادَ.
علي الجنابي- بغداد
alialjnabe62@gmail.com