ديمومة الإنتفاضة!

فلسطين (:::)
د. ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:::)
لا أميل نحو توصيف الصحوة الفلسطينية بالإنتفاضة او الهبة او الحراك،أو الغضب الشعبى ،  او غير ذلك من توصيفات ، هى أقرب إلى الحراك الجماهيرى الرافض للإحتلال،والساعى نحو بناء الدولة المدنية الديموقراطية، وتجاوزا قد نستخدم مفهوم الإنتفاضة ، والسؤال المهم هنا كيف نحافظ على ديمومتها؟ وما هى رؤيتها ؟,اهدافها ؟وآلياتها؟ قد تكون الإنتفاضة رسالة لإسرائيل انه لا يمكن ان تعيش كدولة على إستمراراحتلال الأراضى الفلسطينية، ورفض قيام الدولة ، وان سياسات القوة والأمن والتشدد لا يمكن ان تحقق الأمن والبقاء لها، رسالة ان عليها الإعتراف بوجود الشعب الفلسطينى ، وبحقه فى دولته. ورسالة للسلطة ولكل الفصائل الفلسطينية برفض الإنقسام اولا ، وبحتمية بناء نظام سياسى توافقى يشارك فية الجميع، ورسالة للعالم ان العدالة الدولية لن تتحقق إلا فى فلسطين، وان امن العالم وإستقراره مرهون بقيام الدولة الفلسطينية المدنية الديموقراطية ، وللعالم العربى كله ان القضية الفلسطينية تبقى أساس المشروع العروبى ، ورسالة لكل المسلمين ان القدس قضية المسلمين جميعا. ويبقى ان تؤكد هذه الإنتفاضة إذا أرادت الديمومة والإستمرارية ان تنأى بنفسها عن كل مظاهر العنف الجسدى, وهذه الإنتفاضة تختلف عن سابقاتها ، وتاتى فى ظل بيئات سياسية إقليمية ودولية غير حاضنه،ويسيطر عليها العنف والإرهاب، ولذلك ينبغى ان تكون لها رسالة وشعار واضح، يقوم على نبذ كل أشكال العنف، والإبتعاد عن كل الآليات والوسائل التى قد تجرها لدائرة العنف والإرهاب، وهذا من شانه ان يفقدها كل التاييد الدولى ، وهى فى أشد الحاجة له، وفى هذا السياق قد يقول قائل كيف ذلك؟وإسرائيل تمارس كل أشكال القوة والقتل والعنف.نعم ، لكن رسالة الإنتفاضة ان تكشف هذه الصورة من العنف وهى الكفيلة بخلق الدعم والتاييد لحق الشعب الفلسطينى فى نضاله السلمى ، وفى ممارسة العزلة والضغط على إسرائيل. وفى هذا السياق التقييم والمراجعة النقدية مطلوبة فى ضؤ المعطيات الإقليمية والدولية التى تشكل إطارا محددا لعمل الإنتفاضة الفلسطينية ، وفى إطار أن المواجهة المسلحة غير المتكافئة ستكون لها تداعيات سلبية كبيرة على واقع الحياة الفلسطينية ، وانه ليس من المصلحة الدفع فى إنهيار بنية السلطة فى هذه المرحلة ، بقدر ما يكون الهدف تفعيلها وتقويتها. وهذا يستوجب ان تكون رسالة الإنتفاضة الرئيسة نبذ كل اشكال العنف، والقتل، وان هذه الإنتفاضة ليست موجهة ضد الشعب اليهودى ، وان هدفها البحث عن صيغ بعيدة عن العنف، واإستعادة إمكانات التعايش والتسامح فى المدى البعيد، من خلال العمل على إنهاء الإحتلال ، وقيام الدولة الفلسطينية ، هى رسالة لإنهاء الإحتلال بنبذ العنف وكل اشكاله، ورسالة داخل إسرائيل ان ما يقوم به المستوطنون من إعتداءات ، وتحريض، من شانه أن يعمق من دور التشدد والتطرف فى الجانب الفلسطينى ، وان من شأن السياسات ألأمنية والقمعية والقتل،ان تؤدى إلى مزيد من القتل ، وهذه المعادلة نتيجتها صفرية للجانبين، وإن كان حجم الخسارة على الجانب الفلسطينى أكبر. ومنذ البداية لا بد لهذه الإنتفاضة من رؤية واضحة ، ومقبولة على كافة المستويات ،فالقضية الفلسطينية ليست قضية منعزلة ، مكوناتها الإقليمية والدولية مهمة جدا ، ولا يمكن تجاهلها،وأن ترتبط هذه الرؤية أساسا بالوضع الفلسطينى وبداخل إسرائيل، ومخاطبة البعد ألإنسانى ، والبعد القانونى والسياسى وحتى ألأمنى لإسرائيل، من منطلق ان التداخل السكانى بين الشعبين، والتداخل الجغرافى والمكانى يحتم على الطرفين البحث عن صيغ التعايش ، وليس البحث عن صيغ العنف والقتل، الذى من شانه ان يعمق من الكراهية والثأر والقتل، ولإنتقام، وهذه امور تتنافى مع المعطيانت السكانية والجغرافية وألأمنية المتبادلة .ألأساس فى هذه الرؤية أن ألأرض واحده ، ويصعب تجزأتها، وحتى التفكير فى حل الدولتين يكون فى سياق التكامل بينهما وليس الإستقلال. ولضمان ديمومة ألإنتفاضة الأهداف ينبغى ان تكون واضحة وقابلة للتطبيق والتنفيذ ،وقد تكون اهداف مرحلية ، بمعنى تبنى منهاج التدرج فى تحقيق الأهداف، بما يتوافق وكل مرحلة. الهدف الأساس هو إنهاء الإحتلال ، وقيام الدولة الفلسطينية ، وهذا الحق مكفول للشعب الفلسطينى ، وقطع مرحلة متقدمة  بالحصول على دولة مراقب، وبرفع العلم رغم رمزيته السياسية . والتأكيد هنا ان من بين أهداف الإنتفاضة دعم الخيارات الدولية الداعمة للحق الفلسطينى ، وهنا أهمية التوافق بين الرؤية وألأهداف وألآليات. ليس من الصعب اللجؤ لكافة الآليات العنفية ، لكن مردودها السلبى قد يكون كبيرا، ليس من الصعب الإستشهاد،وألإنتحار ، وليس من الصعب إستخدام السكين ، والرصاص، وغير ذلك، اعتقد ان كل هذه الوسائل قد تتعارض مع الرؤية والأهداف الحقيقية لهذه الإنتفاضة إذا اردنا لها ألإستمرارية والديمومة ، وهما شرطان ضروريان لتحقيق الهدف بإنهاء افحتلال، وقيام الدولة .فالسكين سلاح مثلا ذو حدين، ولا اريد ان اناقش ان هذا شكل من أشكال الدافاع امام السلاح القاتل الذى تستخدمه إسرائيل، لكن هذا السلاح فى هذا التوقيت قد لا يكون الأمثل، وقد يتعارض وهدف الديمومة ، فمن ناحية الربط بينه وبين سكين داعش وصورة الذبح، وهذا من شأنه ان يفقد الإنتفاضة اى دعم وتأييد، ومن  ناحيةأخرى الطعن محصلته القتل ولو تصورنا كم عدد الضحايا والشباب الذين يمكن ان نفقدهم ، او اليس هؤلاء الشباب قوة ينبغى الحفاظ عليها. الوسيلة والالة مهمة ، الحجر له دلالات قدسية ولا يرتبط مثلا بالعنف والدم والإرهاب الكاميرا ، والفيديو دخلا كوسائل مؤثرة. الوسائل كثيرة ، وهذا ما ينبغى ان يبتكر ويبتدع,  ليس من مصلحتنا المواجهة العسكرية ، ولا ينبغى إعطاء إسرائيل هذه الورقة الرابحة فى يدها . الأشكال كثيرة والصور متعددة على المستوى الداخلى والخارجى وحتى على مستوى إسرائيل، إستمرارالتمسك بالأرض والتشبث بها عنصر قوة ، بقاء سكان القدس وتقويتهم ومساعدتهم ودعمهم شكل آخر، ألإستمرار فى عمل المؤسسات الأكاديمية  والإنتاجية شكل آخر، مقاطعىة  السلع الإسرائيلية شكل آخر، التواصل مع مؤسسات المجتمع المدنى الدولية صورة اخرى من الإنتفاضة ، خلق قوى داخل إسرئيل رافضة صورة مهمة ، بقاء وتفعيل دور الأقلية العربية فى داخل إسرائيل من اهم ألأشكال ، وهى وسيلة مهمة فى خلق القوى الرافضة فى داخل إسرائيل. وألأمر يحتاج على قدر من التنسيق والتواصل مع صانعى القرار السياسى ، وربط أهداف وآليات الإنتفاضة بالخيارات الدولية الفلسطينية ضرور فى هذه المرحلة الدقيقة فى تاريخ الشعب الفلسطينى . هى مرحلة الإبداع فى إدارة الصراع بما يضمن لنا إنهاء الإحتلال وقيام الدولة ، الرؤية والهداف والآليات متلازمة ثلاثية ضرورية لكنها فى حاججة لبيئة حاضنة فى كل مستويات القضية الفلسطينية.
دكتور ناجى صادق شراب
DRNAGISH@GMAIL.COM