الجالية العربية
بقلم : وليد رباح – نيوجرسي
*****
مع الاعتذار للكاتب الكبير المرحوم نجيب محفوظ .. وليعذرني عن بعد سماواته العليا اني بعد البحث والتنبيش .. وجدت خمارة في امريكا لا يرتادها الا العرب سميتها خمارة القط المتوحش .. على غرار خمارة القط الاسود التي كتبها المبدع الراحل .. ولقد عثرت عليها بالصدفه .. ذلك انني لا اتعاطى المشروبات حتى وان كانت زجاجة من الماء .. لان جسدي يحوي من الماء القراح ما يكفي لكي يشرب منه عطاش الوطن العربي بكاملهم .. فحمدا لله على عطائه ..
أقول عثرت عليها بالصدفة في الصيف الماضي .. فقد اصابني ما يمكن ان يكون عثيانا عندما كنت اسوق سيارتي .. فانتحيت جانبا من الطريق ولملمت شعاث نفسي لدقائق امام مقود سيارتي .. وفجأة لفت نظري يافظه مكتوب عليها خمارة جورج السادس .. مرسوم على اليافطة رسما للملك جورج ولا اعرف ان كان سادسا ام سابعا .. وفي ركن من اليافطة رسم لقط له انياب كأنها انياب اسد .. فقررت ان اتناول علبة من الببسي او زجاجة من العصير لكي يذهب الغثيان .. ولقد خمنت اني مصاب بالسكر وان انخفاضه قد جعل الغثيان يصيبني مع اني اشرب يوميا مع الشاي والقهوة ( طنا ) من السكر .. فان لم اجد قهوة او شايا اضطررت لفتح راحة يدي ثم اتناول (رشفة) من السكر كي انتعش .. ومع كل ذلك فانني دائما انظر الى نتيجة فحص السكر فارى العداد لا يتجاوز المائة .. فاعلم انني سليم الجسد من هذا المرض اللعين .. رغم بلوغي ارذل العمر
دلفت الى داخل الخمارة .. وليعذرني شيوخ هذا الزمان .. فقد رأيت على فضائية عالم ازهري يقول : انه لم يرد نص صريح في القرآن الكريم عن تحريم الخمر .. وفسرها جنابه بان اجتناب الخمر يعني كراهته .. وهكذا اقنعت نفسي بناء على تلك الفتوى او عدم التحريم لكي ادخل تلك الخمارة مع اني لم ارتد خمارة في حياتي .. ولا اريد ان ابرىء نفسي .. فقد راودتني زمنا ان اتذوق ذلك الشراب لكي ارى كيف يذهب العقل ولكني لم افعل .. ليس لاني نظيف العقل الجسد .. فقد ارتكبت من الموبقات في حياتي ما يجعلني احمل على ظهري ذنونا استغفر الله منها .. وهكذا ( اعيد) دلفت الى الخماره .
مذ ولجت الى الخمارة لفت نظري رسومات جميلة عن معارك جورج السادس .. والى جانبه القط .. اضافة لحمل الملك الرمح والترس والسيف وشنبات يقف عليها الصقر .. وفي معظم الرسوم التي تأملتها عند دخولي كان هنالك القط يفرد هامته تارة وفي رسم آخر يجري وفي ثالث يداعب افعى ورابعة يهش له الملك سرورا .. وفي رسم آخر يافطة مكتوبة بالانكليزية ترجمتها فاذا بها ( قليل من الخمر ينعش قلب الانسان )
في ركن من الخمارة جلست مجموعة من الشباب يبدو ان السكر قد جعلهم ينطقون بكلمات سمعتها نابية .. كانوا يتحدثون بالعربية .. لهجات مختلفة اعرفها تماما نتيجة تجوالي في ذاك الوطن الذي يسمونه عربيا .. وخطر لي عندها مثل مصري يقول .. ما الذي جمع الشامي على المغربي .. فقلت لنفسي .. لم يجمع الدين ولا العروبة او القومية عربا بمثل تلك الالفة التي اراها .. وان الذي جمعها سويا هو الكاس والطاس .. وسرحت .. لماذا لا يسكر الوطن العربي بكاملة لكي نتحد سويا .. وضحكت نفسي من نفسي .
جلست على منضدة متسعة وحيدا .. وقد صممت ان اتكلم بالانكليزية حتى لا يكتشف عرب الخمارة اني عربي مثلهم .. جاءني النادل مبتسما وقال : ويسكي ام نبيذ ام بيره .. اضاف .. كل شىء متوفر هنا .. حتى ان اردت ان تأتي اليك الساقية لكي ترى ( طلباتك ) فهي على استعداد لذلك .. قلت له : ارى الساقية اولا .. غاب لحظات فاذا شقراء دعجاء يتمثايل جسدها مثل افعى الكوبرا تأتيني مبتسمه .. قالت .. طلباتك .. قلت .. زجاجة من الببسي او العصير .. قالت ضاحكه .. هل تريدها كبيرة ام صغيره .. سمينة ام رفيعة القوام .. قلت .. هل هنالك ببسي ثخينة واخرى رفيعه .. قالت .. عندنا كل طلباتك .. قلت مبتسما وقد خلتها تتمازح .. علبة ببسي عاديه .. لا ثخينة ولا رفيعه .. فاذا باحداهن جاءت تتمايل في جسدها مثل قنبلة ذرية وقالت بدلال .. هل نذهب الى الطابق العلوي .. قلت : وهل يشرب الناس الببسي في الطوابق العليا .. قالت : هل انت غريب هنا .. أهذه اول مرة تأتي الينا .. قلت : نعم يا سيدتي .. ثم تداركت .. هل تحققين معي .. غادرت المكان بعدم تباطؤ .. ثم تفتح غبائي ان تلك الخمارة ايضا تحوي مكانا ( اعزكم الله) للفرفشه ..
كان العرب ينظرون الي بشىء من الغرابة .. احدهم قال بالعربية : ما اغباه .. ثان قال : في البلاد كنت اربي حمارا يفهم اكثر منه .. اما الثالث فقال : ان ظل على غبائه فسوف اعطيه (بقرتي) في الطابق الثاني ..
لم يظهر على ( سحنتي) اي نوع من الفهم لما يقولون حتى لا يكتشفوا امري .. وقام احدهم من مكانه واتجه الي وخاطبني بانكليزية مثل اللغة الصينية ما معناه : خمارة جورج السادس للويسكي وليس للببسي .. قلت بانكليزية مكسرة ايضا .. حسنا .. سأرى خمارة اخرى .. قال : لا خمارات في هذا الحي سوى هذه .. قلت له بالعربية .. جمعنا الله واياكم ( في الجنه ) .. كان لتلك الجملة وقع الثلج عندما يدخل الى قميص احدهم ويلامس لحمه ايام الشتاء .. غادرت فاذا بثلاثة منهم يلحقونني الى الخارج .. يا رجل .. لم لا تقول انك عربي لكي ننصحك بحسن الاختيار .. قلت : ان الغثيان الذي اصابني خير مما تدعونني اليه .. وتذكرت سيدنا يوسف وقصته مع زليخه .