سخرية كالبكاء ….
بقلم: وليد رباح – نيوجرسي …
من المضحكات المبكيات .. ان الكثير من العرب لا يعلمون بان القانون الامريكي المكتوب منه وغير المكتوب .. يجيز ان يموت الناس في مناطق الصراع في العالم بالالاف .. وان يموت اطفال العراق جوعا .. وان تحرق جثث الاطفال بالنابالم في فلسطين .. تشوه وجوه أطفال سوريا .. ولكنه لا يجيز ولا باي حال من الاحوال ان يموت خاروف امريكي الا عن طريق الذبح في المسلخ ..وبعد ان يضعوا تحت رقبته مخدة ناعمه . ويتلو عليه من يذبحه آيات من سفر (التسابيح) .. وشيئا من المدائح والاغاني الهابطة .. وزهرة اقحوان حمراء تلون بها قرونه ان كان له قرون .. اما ان لم يكن فبوضع شريط ملون حول رقبته حتى يرى الحياة بعد الموت زاهية الالوان .. ثم يبدأ البكاء على الخاروف الذي سيذبح .. وبعد الانتهاء من النحيب ومراسيم الطقوس المعتادة يذبح الخاروف بوجود ما يسمونه (الانسبكتر) الذي ترسله جمعية الرفق بالحيوان .. وبعد الذبح يضع ذلك الانسبكتر اذنه على قلب الخاروف .. ثم يدس تحت جلده آلة صغيرة تنبىء انه قد توفي ( الى رحمة الله) قبل ان يأمر بسلخ جلده واقامة الاحتفال على لحمه الطري .
****
حدثني أحد الاخوة العرب .. عند قدومه الى امريكا بانه امتهن ذبح الخراف في الوطن العربي
.. بحيث لايجيد مهنة سواها .. فقد عمل في مسالخ الوطن فترة طويلة .. بدءا من جهاز المخابرات الى الشرطة ولخبرته العريقة في سلخ جلود الناس رسا به الامر بعد التقاعد الى مسلخ للذبائح بكل انواعها .. وقال لي بان سكينه لا يخطىء ابدا .. فهو يضع رجله اليسرى على رقبة الخاروف ويدوس عليها بقوة حتى يكاد الخاروف يفطس بين يديه .. ثم يسبه في سره ويسب صنعته ومن علمه تلك الصنعة ويسب الدهر والايام والزمان .. تماما مثلما كان يفعل ايام وظيفته في المخابرات يوم كان رنين الخيزرانة في يده تسمعه من الطوابق العليا .. ثم يدوس اكثر على رقبة الخاروف حتى لا يتحرك من مكانه ويقترب من الموت .. ثم بعد ذلك يحن عليه بضربة سكين تفصل رأسه عن جسده في لحظات .. وتحيله (الخاروف) الى عالم العدم .. ولا ينسى في كل ذلك ان يسمي حتى يكون الذبح على الطريقة الاسلامية .
قال لي الاخ العربي : ذهبت الى مسلخ امريكي لكي أعمل عندهم و اريهم مواهبي .. ولم يكن احد قد
اخبرني كيف يعامل الخاروف الامريكي .. ولا الطقوس التي يمكن ان تقرأ كي يستحضرها .. واراد صاحب المسلخ ان يجربني فاحضر لي خاروفا صغيرا بريئا وطلب مني ان اجرب سكيني في رقبته ..
ولما كنت اجهل الطريقة الامريكية في معاملة (الخراف) فقد امسكته (الخاروف طبعا وليس صاحب المسلخ ) من رجليه ويديه ورميته ارضا وعاجلته بان وضعت رجلي اليسرى على رقبته .. رفس الخاروف برجليه اولا .. ثم اخرج فحيحا ثانيا .. ثم اغمض عينيه مستسلما ثالثا .. فصرخ بي صاحب المسلخ بصوت كالرعد : ايها المتوحش ؟ ماذا تفعل بالخاروف ؟ انت تقتله قبل ان تذبحه .. قلت له وما الفرق بين الذبح والقتل ؟ قال .. لو كان هنا ( الانسبكتر) لدفعنا غرامة قدرها خمسة الاف دولار .. ثم تابع الامريكي : لقد حضرت حرب فيتنام وحرب كوريا .. واسبقطنا مئات الاف الاطنان من الذقائف على رؤوس الناس .. ولكننا لم نكن نرى الذين يموتون ..ولم نصل الى مرحلة سواد القلب فنقتل حيوانا بالهمجية التي تفعلها .. ثم احمرت عيناه وصرخ في وجهي وقريبا من اذني : اذهب لا عمل لك عندي .. وافرجت عن الخاروف فاخذ صاحب المسلخ يمسد على رأسه ويرطن له بالكلمات التي يمكن ان تفيض منها دموع اقسى الطغاة .
غير اني لم اتعلم الدرس جيدا .. فصور لي الشيطان يوما ان اذهب الى سوق الخراف لكي اشتري
خاروفا حيا فاذبحه في البيت عندما يأتي العيد .. وليفرح الاولاد باللحم الطري و (الاوزي) الندي .. ووضعت الخاروف في طابق البيت الارضي حيث ( البيسمنت) حتى جاء العيد .. وعند الذبح أخطأت زوجتي فناولتني سكينا لا يذبح عصفورا .. فحززت بها رقبة الخاروف بعد ان وضعت رجلي على رقبته .. غير ان السكين قطع بعضا من الجلد فقط ولم ينفذ الى الرقبة حيث اللحم .. فانتفض الخاروف واقفا ونظر الى نظرة استنكار كأنه يقول لي ( طز على هيك جزار) وهرب من الطابق الارضي الى الشارع وهو يشخب دما .. وصرخت بزوجتي واولادي ان يلحقوا الخاروف ويمسكوا به .. غير ان الخاروف كان بسرعة صاروخ سكود .. فلم يستطع احد امساكه .. وتجمع الناس حول الخاروف واخذوا بالصراخ والعويل ..بعضهم اتصل فورا بالبوليس .. والبعض الاخر اشار اليّ وقال : يبدو ان شكل هذا الرجل عربيا .. قال آخر : اغلب الظن ان ملامحه شرق اوسطية … ولن انسى منظر امرأة احضرت الكتاب المقدس من البيت على عجل .. واخذت تقرأ فيه لاستجلاب الرحمة للخاروف المسكين .وكان هناك رجل قبع في زاوية جدار بيت واخذ يرتجف هلعا .
وما هي الا دقائق حتى طوق البوليس المنطقة .. واغلق الشارع من جهتيه .. وهجم على بيتي وقال
لي الشرطي بعد ان سحب مسدسه : انت مقبوض عليك .. طبعا قالها بالانجليزية .. ثم اردفها بالعبارات التقليديه : يمكنك ان لا تتكلم او تجيب على الاسئلة حتى يحضر محاميك .. ودون ان يمكنني حتى من الاجابة وضع القيد في يدي بعد ان ادار وجهي وبطحني ارضا ولم يمكني حتى من قول كلمه ..
أخذت زوجتي بالصراخ والعويل .. وتبعها أولادي يصرخون .. غير ان طفلي الصغير سأل الشرطي بلغة انكليزية سليمه ( اين ذهب الخاروف يا عمو ؟ ) فقال له الشرطي بكل لطف وأدب ( ارسلنا الخاروف للعلاج عند اقرب دكتور .. ولسوف نسمح لك بزيارته عندما يتعافى)
***
لا اريد ان اطيل عليكم .. فقد ارسلت الى مخفر الشرطة مقيدا ووجدت امامي عاصفة من الاسئلة العدائية .. بعضهم قال لي انت تابع لتنظيم القاعده .. آخر قال لي انت داعشي .. والبعض الاخر اتهمني بالارهاب .. وثالث هز هراوته في وجهي وقال : سوف نقضي عليكم باذن الرب .. أما الفتاة التي كانت تجلس في مركز الشرطة بتهمة تعاطي المخدرات فقد قالت : ما هذه الاخلاق السافلة ؟ رئيس المخفر الذي تمنيت ان يكون عاقلا قال لي ويده فوق مسدسه.. انت محظوظ .. لأنني لم اكن هناك ..( يعني انه لم يقبض عليّ شخصيا ولو كان ذلك لاذاقني من العذاب ضعفين) ثم اخذوا ينظرون الى كأنني قاتل ومجرم وسفاح محترف .. وفي ساعة او دون ذلك .. ارسلوني الى المحكمة لاقابل القاضي واحكي له القصة كيف حدثت .. وطلبوا اليّ ان امثل ( الجريمة) امامهم : قال القاضي بعد ان سمع الحكاية ورأى بعينيه ما فعلت : هل تعترف انك ارتكبت جرما يعاقب عليه القانون : قلت نعم : قال : هل انت مذنب ؟ قلت نعم قال : بما انك اعترفت بجرمك فقد حكمتك بغرامة قدرها الف وخمسماية دولار تدفعها حالا .. وان لم تدفعها فانت محبوس لمدة شهرين .
.. .. يقول الاخ العربي : ولما كانت الفلسفة في عائلتنا متوارثه .. ولما كانت الحرب فيب سوريا والعراق وليبيا متأججة فقد تفلسفت وقلت له : يا سيدي القاضي .. ان الالاف يموتون الان في العراق .. وفي غيرها وتلقي عليهم الطائرات الامريكية حممها بحجة محاربة الارهاب .. وتلتهب الارض بفعل القذائف والصواريخ العابرة وغير العابرة .. لماذا لا تحاكم الجنود الذي يقتلون الناس هناك .. وقال القاضي على الفور ( الف وخمسماية دولار وشهران من السجن تقضيها في الحبس المنفرد ولا كفالة لك ) وسكت .. وقادتني الشرطة ثانية الى المخفر ..
مرت الايام .. وخرجت من السجن .. واخذ الجيران بعد ان امضيت عقوبتي ينظرون الى كأنني
متوحش وتحاشاني الناس فلم يحدثني احد .. حتى البقالة القريبة من بيتنا كان صاحبها ينظر الى شزرا عندما كنت اود شراء شىء ما .. ولولا ان القانون يمنعه الا ان يبيعني ما ارغب لالقى بي على قارعة الطريق في كل مرة ادخل فيها الى محله .
وظل الحال كذلك إلى أن هاجرت من الولاية واقمت في ولاية أخرى .. بعد ان نبهت على أولادي أن
ينسوا قضية الخاروف فلا يذكرونها لاحد . غير ان الصغير لم يمتثل للأوامر فحدث معي ما حدث في ( ولاية الخاروف) فانتقلت إلى ولاية أخرى .. وظللت أتنقل حتى قدمت إلى هذه الولاية .. ويعلم الله إلى أين المستقر . والى أين المصير .