حلو و مر – بقلم : عثمان بالنائلة

القصة ….
بقلم : عثمان بالنائلة – تونس ….
اِستلقى التوهامي على الكرتون مرتديا معطفه البني البالي ذا الزر الوحيد منتعلا حذاءه الضاحك. كان الشارع شبه خال من المارة في يوم أحد اِشتد الزمهرير فيه. و قد اِعتاد سكان العاصمة هذا القر في أواخر شهر جانفي من كل سنة. اِقترب أحمد طفل صغير لم يتجاوز السادسة من عمره من التوهامي. كان ينتحب و يرتجف من شدة البرد. قال للمتشرد بصوت متقطع خائف: “صباح الخير يا عمي. أنا تائه و بردان.”. نهض التوهامي. و اِحتضن الطفل قائلا: “لا تبتئس و لا تبكي يا بني. ستعود إن شاء الله سالما إلى البيت.”. ثم نزع معطفه. و دثر به أحمد. و قال: “هل هكذا أفضل؟ هل تحس الآن بالدفئ؟”. فأومأ أحمد برأسه أي نعم بعد أن كفكف دموعه. اِرتسمت على شفتي الرجل اِبتسامة عطوفة صادقة. و سأل الطفل قائلا: “ما اِسمك؟”. فأجابه مخاطبه قائلا: “اِسمي أحمد.”. فقال التوهامي مستوضحا: “أين تقيم يا أحمد؟ و كيف أضعت طريقك إلى البيت؟”. فقال الطفل بنبرة ملؤها الأسى: “أنا أسكن بحي باب سويقة. اِعتاد أبي أن يصطحبني معه يوم الأحد إلى السوق. لكنه ذهب اليوم وحده دون أن يأخذني معه. فاِنتهزت فرصة اِنشغال أمي بأعباء البيت. و خرجت من المنزل قصد اللحاق بأبي. فتهت.”. رثى التهامي لحال الطفل. و قال ملاطفا أحمد: “لا تحزن يا أحمد فعمك التوهامي موجود. سنذهب معا إلى باب سويقة. و ستنعم مجددا بدفىء منزلك و رعاية والديك.”. ربت الرجل على كتفي أحمد برفق. و أضاف قائلا: “هل أنت جائع يا بني؟ هل ترغب في شيء؟”. فاِرتبك الطفل. و قال بصوت خجول خافت: “أرغب في الشكولاطة.”. ضحك التوهامي. ثم اِنتابته نوبة سعال حادة. مد يده إلى أحمد برفق قائلا: “هيا سنذهب إلى الحانوت لشراء الشكولاطة.”. فتهللت أسارير الطفل. و أمسك بيد المتشرد. و صلا إلى محل بيع المواد الغذائية. و طلب التوهامي من صاحبه لوح شكولاطة. فنظر مخاطبه إليه شزرا. و طلب منه ثمنها. فأعطاه التوهامي ما يملك من قطع نقدية. عدها البائع. ثم قال متبرما: “لا يكفي. تنقص مائة و خمسون مليما.”. بدا الاِضطراب على وجه مخاطبه. و قال بنبرة مستعطفة متوسلة: “و الله لا أملك غير هذه النقود. أرجوك أن تعطف يا سيدي على هذا الطفل الصغير و تدخل السرور على قلبه و تلبي طلبه. و سيعوضك الله خيرا كثيرا حتى تطيب نفسك.”. ألقى صاحب المحل نظرة متفحصة على أحمد الذي كان منشغلا بالنظر إلى علب الياغورت المعروضة أمامه. تردد قليلا. ثم جلب الشكولاطة. و أعطاها للطفل.
وصل التوهامي و أحمد إلى باب سويقة. و جابا بعض أزقته. توقف الطفل فجأة ضاحكا. و قال: “أنا أعرف هذا النهج. منزلنا موجود في آخره. و ذاك عمي محمد جارنا و صديق أبي.”. و صاح مناديا الرجل: “عمي محمد! عمي محمد!”. أقبل الرجل مسرعا. نظر إلى المتشرد باِشمئزاز و ريبة. ظن أنه قد قام باِختطاف أحمد و أن الطفل يستغيث. فأمسك بتلابيبه. و أسقطه أرضا. و أوسعه ضربا و ركلا. فبكى أحمد. أمسك محمد بيد الصبي بغلظة. و جره بينما كان الطفل يصيح بصوت تغلبه العبرات قائلا: “عمي التوهامي.. عمي التوهامي.”. و سقطت من يده القطعة الباقية من الشكولاطة