فلسطين (:::)
طلال قديح * كاتب فلسطيني من السعودية (:::)
الذكريات تتوالى ، فلا يكاد يمر يوم إلا وفيه ذكرى أليمة، تهيّج فينا المشاعر ، وتحرّك العواطف، وتشحن النفوس ألما وحسرة وتشبعها ندماً وغماً تتصاعد معه الآهات تلو الآهات.. ولكن هيهات ، هيهات..فكل ما فات فات..ولا مجال للذكريات إن لم تدفعنا للعمل بكل قوة ونشاط فنتجاوز العراقيل والمعوقات، للانطلاق قدماً نحو حاضر أفضل ومستقبل أعظم.
وكأنما كتب علينا-نحن العرب- أن نصحو متأخرين، وبعد فوات الأوان، لنبكي ونندب حظنا العاثر، ونذرف الدمع مدراراً..ولكن ذلك لا يجدي شيئاً .
إن هذه الذكرى هي من أشد الذكريات إيلاماً لأبناء فلسطين بل للعرب بل للمسلمين بل لكل أحرار العالم لأنها طالت المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومهوى أفئدة المسلمين.
سبعة وأربعون عاماً مرت على هذه الجريمة النكراء التي أقدمت عليها إسرائيل، متحدية العالم الإسلامي، متجاوزة كل الخطوط الحمراء، لكنها أمنت العقاب فأساءت الأدب..؟؟
ويروى أن جولدمائير رئيسة وزراء أسرائيل آنذاك، لم تنم ليلة وقوع الحريق، فقد كانت تتوقع أن تطبق الجيوش العربية على القدس وتحررها من الاحتلال، لكن شيئا من هذا لم يحدث، فتنفست الصعداء وقالت قولتها المشهورة: إنها أمة نائمة ولن تستيقظ؟
أرادت إسرائيل أن تغير حقائق التاريخ، وأن تزيل كل معلم يدل على حق المسلمين في القدس ولو كان المسجد الأقصى الذي تدعي أنه بني على أنقاض الهيكل المزعوم. وما كانت لتجرؤ على ذلك لولا تقاعس العرب والمسلمين وتفرقهم.
لقد كان الحريق مخططا له بعناية، ولم يكن عملا فرديا كما يدعون، فكل القرائن تؤيد هذا القول وتدعمه ومنها أن قوات الاحتلال منعت سيارات الإطفاء من الوصول للأقصى، فضلا عن أنها قطعت المياه عن أهل القدس لتمنع أي نجدة للإطفاء ولو بوسائل بدائية.
ومع ذلك هرع المقدسيون، رجالا وأطفالا ونساء، بما توافر لهم من إمكانات- صوب الأقصى مهللين مكبرين، وبذلوا جهوداً جبارة لإطفاء الحريق الذي أتى أولا على منبر صلاح الدين، وهو ما له دلالة على حقدهم الأعمى المتجذر فيهم عبر التاريخ، ولا يتغير أبداً.
لحقت أضرار كبيرة بالمسجد وأتت على الكثير من المقتنيات والآثار التاريخية فيه.. وكالعادة فقد اشتكى العرب إلى مجلس الأمن الذي أدان الحادث بالإجماع، لكنه لم يذهب أبعد من ذلك، كعادنه في كل القرارات المتعلقة بفلسطين.
والآن وبعد سبعة وأربعين عاما لم يتغير شيء، بل ازدادت إسرائيل بطشاً بلا اعتبار- كعادتها- ولا وزن للمجتمع الدولي الذي كان السبب الرئيس في وجودها.
وها هي اليوم تحرق وتدمر وتأسر وتقتل كيفما يحلو لها، خصوصا وأن العالم العربي يموج بكثير من التحديات التي جعلت كل بلد لديه من الهموم ما يكفيه فلا يلتفت لأخيه.
وتمر هذه الذكرى شأنها شأن الكثير من الذكريات، وكلها موجعة، إلا أننا ألفنا هذا الأمر، والذي لا يخرج عن الشجب والاستنكار والتهديد والوعيد، لا أكثر؟؟..
وليتنا نتعظ بما قاله الشاعرمحمد غنيم ، مخاطبا أمتنا العربية:
أبناء يعرب لا حياة لأمة بالذكريات بل الحياة مساع
فثبوا إلى العلياء وثب مغامر لا واجف قلبا ولا مرتاع
لا تطلبوا بالضعف حقاً ضائعاً ما للضعيف الحول من أشياع
فهلًا وظفنا ماضينا ننبذ السلبيات، وننمي الإيجابيات، بناء وعطاء.. وهلّا عشنا عصرنا وواكبنا النهضة العالمية، وعملنا بجد وإخلاص وثقة بالنفس أننا قادرون على الوصول إلى أعلى مراتب المجد والسؤدد، فلدينا العلماء والمال والأرض والماء والموقع الاستراتيجي الهام، وسائر أسباب النهضة والتقدم.
ولله الأمر من قبل ومن بعد..والله الموفق.
*كاتب ومفكر عربي
22/8/2015م