حدث في امريكا : حدثنيها عجوز بلغ الخامسة والتسعين عن مهاجر من بلادنا صاغها : وليد رباح

الجالية العربية ….
بقلم : وليد رباح – الولايات المتحدة الامريكية ….
حضر الى امريكا منذ مدة طويلة.. وكان قد سمع عنها فيما يتحدث الكاذبون ممن زاروها سابقا وجمعوا ثروة لا بأس بها فسأل لعابه كي يكون مثلهم. وفي غمرة البؤس الذي كان يعانيه خلعت زوجته سوارا يتيما كانت ترتديه واعطته له ثمنا لتذكرة الباخرة التي اقلته الى امريكا في وقت كان الطيران فيه عزيزا.
ترك الرجل زوجته ونصف دستة من الاولاد على امل ان يعمل ويجتهد ليؤمن لهم حياة ملؤها السعادة وطرد الفقر عن تلك العائلة وتحسين وضعها المأساوي الذي تعيش فيه. وعند وصوله الى البلد (الحلم) بحث عن عمل ولكنه لم يجد متذكرا (منساس) الحراثة الذي كان يستخدمه.. ولم يجد عملا مناسبا يوافق (مؤهلاته ) العظيمة التي بدأت منذ يفاعه في الجلوس على مقهى القرية اليتيم.. وانتهت بالجلوس على قارعة الطريق لكي يجمع (السبارس) . كان ابن البلد هذا من النوع الخامل الكسول.. واكثر ما كرهه في هذه الدنيا كلمة (العمل).. ولكن دعونا قبل كل شيء ان نخوض في سيرته الذاتية بعد وصوله مباشرة: فالحكي (وراء الناس) مهنة ابن البلد سواء كان صعلوكا يدور في شوارع المدن بحثا عن فريسة.. أو غير ذلك
كان كاذبا محترفا.. فالكذب بالنسبة له كالملح في الطعام ولا يستطيع الاستغناء عن الكذب ولو لجملة واحدة.. وقد حباه الله نعمة التمثيل والقدرة على الاقناع.. اقناع الاخرين ولو لمدة قصيرة.. قبل اكتشاف حقيقته.. فحلاوة اللسان وحسن المنطق والتمثيل البارع والصوت المنخفض.. تجعل المستمع اليه يصدق كل ما يقوله.. كان يحسن كل هذه الصفات مجتمعة ويبرع بها.. وهي بالنسبة له نعمة من الله حباه بها لكي يخدع عباد الله.. ونتيجة لحسن (عشرته) جمع مالا كثيرا.. لقد استغنى دون تعب او نصب ودون حرفة عن كل ما يقوم به (المناضلون) من اجل لقمة العيش..
وفي غمرة وجوده في اميركا.. نسي زوجته واولاده في القرية.. والقرية التي اتى منها قرية صغيرة يعرف كل فرد فيها وجوه القوم واحدا اثر الاخر.. فبعد مرور سنة او دون ذلك على غربة ابن البلد علم الناس الفقر والفاقة الذي تعانيه زوجته.. فقام اهل الخير بالعطف عليها وعلى اولادها فكانوا يمررون لها بعض الطعام وبعض اللباس ممن فاض عن حاجياتهم.. ولم يكن هذا يكفي فعملت زوجته (خادمة) في المدينة المجاورة..
نشأ اولاد ابن البلد في شوارع القرية وقد تركوا مدرستهم ليتفرغوا لبعض الاعمال الخدمية وممارسة مهنة السرقة.. وقد تفننوا وبرعوا بطرق السرقة مع صغر سنهم.. فوالدهم مشغول في اميركا يجري وراء شهواته واعمامهم في القرية مع فقرهم ولؤمهم لم يمدوا لهم يد المساعدة حتى وان كانت قليلة..
عاش ابن البلد في اميركا فترة طويلة مع امراة اميركية تمده بالطعام والمأوى, ويختزن ما (ينصب) به على الناس في جيبه.. ومقابل هذا الطعام والمأوى سلبت منه كرامته..
بعد سنين طويلة تذكر ابن البلد ان له زوجة واولاد في قريته البعيدة.. فقام بارسال اول خمسين دولار للعائلة .. وشهادة لله.. ان الرجل كان يرسل كل ستة اشهر او سبعة خمسين دولارا لزوجته.. ولم تكن هذه (الخمسين) تكفي سجاير لاولاده الذين كبروا واصبحوا يدخنون (السبارس) على قارعة الطريق..
وفي مساء احد الايام.. فوجئ اهل القرية بابن البلد يعود الى قريته بعد غياب دام حوالي خمسة عشرة عاما. يعود لاسابيع ثلاثة ثم يكر راجعا بحجة ان له مصالح في اميركا ولا يجوز ان يبتعد عنها.. وعاد ثانية بعد ان ترك العائلة تغص في الفقر ولم يتحرك قلبه الاسود (بحزمة) من الحنان يعطيها لاولاده وزوجته.. عاد ليمارس ما كان عليه من جديد.. وليعود الى زوجته الامريكية التي كان يتصل بها عبر (الترنك) من احدى المدن في بلده ليقول لها انه عائد بعد ان (طلق) ابنة الحلال التي كانت تقاسمه البؤس والحرمان..
في المطار طلبت زوجته الامريكية ان يريها قسيمة (طلاق) ابنة الحلال.. ولكنه لم يستطع تقديمها لانه كان كاذبا.. ورفضت ان يعيش معها الا اذا اثبت انه طلق زوجته الاولى.. لكن ابن البلد لم يعدم الوسيلة.. ففي غضون ايام كان قد تعرف الى احد المزورين ليستخرج له شهادة باللغة العربية لا تفهم الامريكية منها شيئا.. قام بترجمتها وتوثيقها زورا وبهتانا لكي يعطيها لزوجته الامريكية.. وهكذا حصل على اول وجبة عشاء شهية بعد ان قبع في المقاهي (احمر العينين) وهكذا تدور الدائرة
بعد سنين عديدة .. تمدد ( ابو العريف ) على حصير في بيته الذي استأجره من عجوز امريكية بتراب الفلوس .. وفي الصباح جاءه من يفرغ الزبالة من المنازل ودق الباب فلم يفتح له أحد .. وكرر ذلك عدة ايام .. واخيرا .. اشتم الجيران رائحة عطنة ..
كانت الشرطة هناك وهم يدخلون الى المنزل قسرا وقد وضعوا على افواههم الكمامات التي لم تستطع ابعادهم عن الرائحة النتنة ..