الجريمة …..
بقلم : بكر السباتين ….
الإنسان في وطننا العربي أرخص ما نملك.. حدث في مملكة أمير المغبونين في المغرب.. مفرمة الحكومة تقطع أوصال كادح كل ذنبه أنه اقترض المال لشراء كمية من الأسماك كي يعيل أسرته الكبيرة؛ ليفاجأ بشرطة البلدية تباغته وتصادر الأسماك وتضعها في مفرمة شاحنة تدوير النفايات .. كانت بضاعته تعجن أمام عينيه الجاحظتين فتلتهم معها كل أحلامه، وكأن شريط حياته المليء بالمآسي يجره إلى مصيره الكارثي، فاندفع يرمي بنفسه خلفها لتأخذه مفرمة الحكومة إلى حتفه وسط صراخ ضابط الأمن الذي طلب أن تستمر الآلة بفرمه لأنه في نظره يستحق هذا المصير.. وبعد الحادثة الموجعة التهبت الشوارع بالمظاهرات العارمة مطالبة بمحاكمة المسؤولين عن الحادث الذي رصت تفاصيلة كميرات الفيديو..
فقد شيّع آلاف المغاربة، الأحد 30 أكتوبر/تشرين الأول 2016، جثمان بائع الأسماك المغربي محسن فكري، الذي لقي حتفه، يوم الجمعة الفائت، “مطحوناً” في شاحنة لتدوير النفايات بمدينة الحسيمة (منتصف الشريط الساحلي المتوسطي المغربي)، عندما حاول منع عناصر الأمن المغربي من مصادرة بضاعته “المخالفة للقانون”، حسب ما أُخبر به.
وانطلق موكب الجنازة من مدينة الحسيمة في الشمال الشرقي للمغرب، باتجاه مدينة أمزورن القريبة، مسقط رأس فكري. وسار فيه الآلاف ركوباً ومشياً على الأقدام، مرددين هتافات من قبيل “الشهيد حبيب الله”، وأخرى تطالب السلطات المغربية بـ”محاسبة من دفعوا لوقوع هذه المأساة”.
من هنا ينفجر السؤال في وجه الصمت العربي، وفي ظل منظومة قوانين فاسدة يتحكم بها الطغاة في عالمنا المغبون، هل هذا هو ثمن الإنسان العربي الذي يسعى لتلبية أسباب حياته الكريمة فتترصد له عن سابق إصرار، أشداق الموت !؟! وعلى خلفية هذا الحادث الرهيب هل يكتفي المغاربة فقط بقبول تعزية الملك ووعوده بإجراء بحث دقيق ومعمّق ومتابعة كل من ثبتت مسؤوليته في هذا الحادث مع التطبيق الصارم للقانون بحق الجميع، ليكونوا عبرة لكل من يخل أو يقصر خلال القيام بمهامه ومسؤولياته”!
القضية أكبر من كونها فردية تتعلق بجناية محدودة الأبعاد، لأن المطلوب هو تطهير العقلية العرفية المغربية إزاء المواطن المغربي المطحون في مفرمة حكومة تضم إلى صفوف أجهزتها الأمنية ضباط يهون عليهم الإنسان بينما أحدهم يصرخ في سائق الشاحنة ” أفرمه”!!!
لماذا لم يغلق أهل الضحية الخط في وجه الملك حينما اتصل بهم يعزيهم وكأنه خارج اللعبة! حتى ولو أنه أعطى تعليماته لمعاقبة المسؤولين الذين يثبت تورُّطهم في الواقعة بـ”صرامة”، ومشدداً على أن “الملك لا يريد لمثل هذه الحوادث أن تتكرر في البلاد” كنه يعلم بأنها سبقت بحادثة حرق المرأة المغربية لنفسها دفاعاً عن رزقها إزاء ما تعانيه من فقر مدقع في بلد المهرجانات الفنية الضخمة.
وتبدأ الأحزاب باستغلال الواقعة للرقص على حبال السياسة الميكافللية إذْ نددت من جهتها فيدرالية اليسار الديمقراطي (تضم أحزاباً يسارية معارضة) بشدة “التصرفات اللامسؤولة للسلطات المحلية التي أدت إلى وقوع هذا الحادث الشنيع”.
لكن الرأي العام المغربي والعالمي أشعل الفتيل في الهشيم ليمثل ضغطاً حقيقياً عل مؤسسة الحكم المغربية من خلال العالم الافتراضي، فقد حقق وسما “#طحن_مو” و”#كلنا_محسن” انتشاراً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وشددت التدوينات والتعليقات عليهما على ضرورة عدم الصمت عن مقتل فكري، مذكرين أيضاً بحالة وفاة شهيرة قبل أشهر قليلة للسيدة فتيحة، التي لاقت حتفها في حادث مشابه لكن حرقاً بالنار، هذا بينما تم الإعلان عن وقفات احتجاجية وتضامنية مع فكري، وضد “الحكرة” (أي القهر في اللهجة المغربية المحلية)، في كل من العاصمة الرباط ومدن فاس وتطوان.” عجبي”