تجربة فلسطينيي الداخل – بقلم : فؤاد عبد النور

آراء حرة …

بقلم : فؤاد عبد النور – حيفا –رام الله – برلين.
أثار اهتمامي مقالٌ للكاتب الفلسطيني المخضرم عماد شقور  في 8\7\2017 في القدس العربي اللندنية،  تعليقاً على مقالٍ لأيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة في إسرائيل  يدعو فيه إلى ضرورة إقامة معسكر ديموغرافي في إسرائيل لزيادة فعاليتنا، والتأثير لصالح قضايانا.
أهم ما جاء في تحليل شقور لهذه الدعوة هو تأكيد  أيمن الواقعي أن الأقلية العربية لا تستطيع لوحدها فرض تغيير السياسات الإسرائيلية، ولا تستطيع القوى الليبرالية الإسرائيلية ذلك دون التعاون مع الأقلية العربية التي صمدت في البلاد.
ويؤكد شقور أن الثقل السياسي الفلسطيني قد أنتقل من الخارج إلى الداخل. بهذا ينطبق المثل العربي القديم: ما يحرث الأرض إلا عجولها!
ويمتدح قول أيمن أنه لا يجب تحليل الواقع فقط، بل يتوجب تغييره.
****
سبق لي أن تعرفت على المحامي أيمن عودة في خلال ندوة للتعرف على النشطاء والمثقفين الفلسطينيين في برلين، وذلك في أعقاب دعوته من حزب اليسار الألماني لشرح وجهة نظر فلسطينيي الداخل لأعضاء البرلمان الألماني. واستغلت مؤسسة روزا لوكسمبورغ  تلك المناسبة لإعطاء أيمن ونحن تلك الفرصة لفهم  المشاكل التي اعترضت إقامة القائمة العربية المشتركة، وكيف حلت.
أعتبره أهم درس للفلسطينيين في الضفة والقطاع والمهجر,  أنه بالإمكان تحقيق التعاون بين مختلف الاتجاهات السياسية في سبيل تعديل الأمور للصالح الفلسطيني.
سبق أن عملت لمدة ست سنوات في بداية الانتفاضة الأولى على بحثين ميدانيين عن أوضاع الجليل  والمثلث  ( و القرى وأنصاف القرى التي سلمت لإسرائيل في اتفاقية رودس 1949 ). وعملت خلال السنوات الخمس الماضية على تحديث الطبعة الثانية من كتابي ” الجليل.. الأرض والإنسان “، وأدركت بشكل قوي كيف تطور نضال شعبنا في الداخل ضد الطغيان الصهيوني، بشكل لم يكن أحدٌ يتخيله. وبما أن طريقتي كانت الكتابة عن البلدة،  التي لا تزال قائمة أو  مهجر أهلوها في التطهير العرقي الذي نفذ في ال 48، وهدمت رأساً أو في السنوات التالية.  وكذلك مقابلة المهجرّين من تلك القرى الذين بقوا في البلاد   لمعرفة تجاربهم، ولكنهم  مازالوا في البلاد،  ولكن بدون حقوق تملك في قراهم السابقة، حسب قانون ” حاضر غائب ” .  وفُرضت أطواق عسكرية على تلك القرى لمنع الرجوع إليها،  أو زيارتها.  الإمكانية الوحيدة كانت في عيد قيام الدولة.. وبالتالي سعيت لمقابلة  المهجرين الفلسطينيين هنا في برلين،  خاصة وأني لم أستطيع التعرف على الكثير من سكان القرى التي  هجرت وبقيت  في الداخل ، وكنت أسأل من أتعرف عليه: من أين أنت؟ فيقول من لبنان. فأسأل ثانية: فلسطيني والا لبناني؟  فيجيب: لا فلسطيني.  فأضطر لسؤاله مع بعض الضيق: إذا لماذا تقول من لبنان ؟ فيشرح أنه ولد هناك،. وبالاستمرار في الأسئلة تجد أن أغلب الجيل الثاني والثالث من الفلسطينيين، لا يعرفون قراهم، وسمعوا القليل عنها ممن كان مستعداً للحديث عنها، وأسوأ من ذلك  أني  إن نجحت في طباعة المسودة الثالثة  باللغة العربية فإنهم  لن يستطيعوا  قراءتها، لضعف عربيتهم  في القراءة، أو عدمها بالمرة!
كيف بإمكاننا التمسك بالوطن دون معرفته؟  لهذا السبب أسعى بكل جدية لنشره بالعربية والألمانية، رغم صعوبة ذلك,  إذ بلغت صفحاته ما يزيد عن الألف,  ومواضيعه من حيفا إلى الحدود الشمابية لفلسطين الثلاثمئة.
***
حدث تحولٌ جدي بين  فلسطينيي الداخل بعد اتفاقيات أوسلو. رأوا أن المنظمة قد تخلت عنهم لإسرائيل، مثلما تخلت عن المخيمات الفلسطينية في الشتات، لمصلحة إتمام صفقة أوسلو. فتنادى النشطاء الفلسطينيون، خاصة من القرى المهجرة إلى التباحث، وأسسوا ” اللجنة القطرية للدفاع عن حقوق المهجرين ” ، وأخذت تقوم بنشاطات متعددة، متحدية القمع الصهيوني، بزيارة قراها المهدمة في مسيرات حاشدة، وتقيم معسكرات صيفية للاعتناء بما بقي من  دور العبادة فيها،، أو له علاقة بالأمور الدينية،  والمقابر، وغير ذلك.
ولم يكتفوا بذلك، بل أقام مهجروا إقرت وبرعم معسكرات إقامة دائمة  في قراهم المهدمة، ورفضوا الجلاء عنها رغم إبلاغات البوليس المتعددة، ويعتبر تحديهم هذا أنجح ما أنجز تنفيذا لحق العودة لفلسطيني ابلاد.
و في أمسيةٍ ثقافيةٍ  نظمتها مؤسسات من المجتمع المدني في الداخل الفلسطيني, احتفاءً  بمشروع ” عدنا 2013  لقرية معلول المهجّر أهلها ( حسب تعبير د. شكري عراف ) . وقد نظمت هذه الأمسية  لعرض مشاريع تصوريةٍ  للعودة إلى خمس قرىً هُجّر أهلها خلال نكبة 1948, وهي : إقرت, صفورية, اللجون, معلول, وميعار . وقد عملت على التخطيط لها, وأنجزتها خمس مجموعات شبابية من الجيل الثالث بعد النكبة, لعائلات من تلك القرى.
و تحدثت الناشطة  “عدنا قبطي “, مشرفة مجموعة معلول, وألقت كلمةً  باسم شباب معلول,  القرية المضيفة للأُمسية, جاء فيها:
” أي مكانٍ يفقد  قيمته بلا إنسانه.  اليوم تعود معلول للحياة باستضافتها لهذا الجمهور الذي جاء مؤكداً على حق العودة, وعلى التمسك بالأرض والتاريخ, والهوية, والمكان.” وأضافت: ” أنا وكثيرين من شباب معلول, لم أولد في قرية آبائي وأجدادي, وما زلت محرومةً من حقي بالعودة إليها والإقامة فيها, ولكن حُـبّي لها وتمسّكي بها, الذي توارثناه جيلاً بعد جيل, يجعلني على يقين بقدرتنا على صناعة المستحيل, والقناعة بأن العودة ممكنةٌ وليست مجرد حلمٍ.  العودة أمرٌ ممكنٌ جداً, وهي على عكس ما أراده لنا مؤسسو الدولة الصهيونية. إن رحل الكبار,  فإن الصغار لن ينسوا أبدا !”
***
نرجع إلى المحامي أيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة في الكنيست. بالتأكيد انتخابه لقيادة الشيوعيين في إسرائيل ساعد في تذليل العقبات التي اعترضت تكون هذه القائمة. من الممكن أن مهنته ساعدته في النظر للأمور بشكل واقعي، أي لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وله كل الحق، والآخر ليس له شيئاً. إن نجح فعلا في تكوين جبهة مشتركة مع الليبراليين الإسرائليين فإنه يكون قد حقق أعظم إنجاز للقضية الفلسطينية الآن. الإسرائيليون لا يختلفون عن غيرهم من الشعوب، لهم مشاكلهم من الفساد في حكوماتهم، ومع الشركات الاحتكارية التي تمتص دمائهم، ومع ارتفاع أجور السكن، ومع أمور أخرى كثيرة. لمَ  لا نبارك مثل هذا الجهد، ونحن نرى تعاظم القوى الإسرائيلية  المؤيدة للحل مع الفلسطينيين، والتي كان من الممكن لها أن تكون أقوى بكثير لولا الانتاضة الدموية الثانية التي أرجعت الإسرائيلي إلىتحصنه في قلعته ، واأقنعته  بأن الفلسطيني لن يتغير، وأنه لا إمكانية لوجود حل للقضية الفلسطينية، وأدى ذلك لتصاعد قوة اليمين، وتربع  شارون و نتنياهوا، وغيرهما على رقابنا جميعاً.
ألا بفيدنا فحص أخطاءنا نحن، والاعتراف بمسؤوليتنا عنها، وبالتالي أجيالنا والأجيال التي ستلحق بنا تدفع  الآن ثمن هذه الأخطاء؟
لم لا نُـقدر ونشجع ونبارك حركات السلام الإسرائيلية، والجمعيات الفاضحة لتصرفات الجنود في المناطق المحتلة، والجمعية التي تقود المسيرات إلى القرى المهدمة، وتضع لافتات باسم القرى الأصلية، متحدية المؤسسة الصهيونية، التي تحاول  محو ذكرى الفلسطينيين من هذه القرى، وارتباطهم بها؟
لم لا ندرك بعد أن ليس كل يهودي صهيونياً؟
لم لا نقدر دعم يهود الشتات للحق الفلسطيني، وانضمامهم  لمقاطعة إنتاج المستوطنات، قناعةً منهم  بأن الفلسطينيين قد ظلموا، وآن الأوان للاعتراف بذلك، وإقامة شيء يشبه  لجنة  التحقيق والمصالحة  التي أقيمت في جنوب أفريقيا. لقد عادت وتيرة الاحتجاجات في إسرائيل للتصاعد، مركزةً على تلكؤ المدعى العام في تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء نتنياهو. وهزيمة بيريس أمام  القادم الجديد  لحزب العمل، فيما يشبه صعود الرئيس الفرنسي،  تؤكد أن الأمل  في  التغيير موجود، مهما بدا الوضع ميئوساً منه.
فلنكن مستعدين للتغيير، والمساهمة فيه.