دراسات ….
محمد عياش – كاتب سياسي
تتشابه البدايات لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني من حيث النشأة ، وللسلوك محطة كبيرة يجب التوقف عندها ، مع ملاحظة الاستعلاء والعنجهية.. وأكثر من ذلك الحالة الفردية التي تستند على «الشوفينية القبيحة» التي من خلالها رسمت إستراتيجية كل منهما ، وبالتالي فإن الحديث عن البدايات كما أشرنا ، يفضي لحتمية الزوال لكليهما باعتبار المشروعين تأسسا على خطأ .
التغلغل الصهيوني داخل الأرض الأمريكية ، لم يبدأ مع تاريخ انعقاد المؤتمر اليهودي العلني الأول في بال بسويسرا عام 1897 ، ولا بعد وعد بلفور عام 1917 ، ولا حتى بعد إجبار العالم من خلال منظمته الدولية على الاعتراف بالكيان الصهيوني فوق التراب العربي الفلسطيني عام 1948 ، طبعا ، التمدد اليهودي على الخريطة الأمريكية يعود إلى ما قبل هذا بكثير ، فهو يضرب بجذوره أعماق التاريخ الأمريكي ، لأنه يعود إلى عام 1636 ، أي إلى ما قبل 386 عاما ً ، أو قبل نهاية النصف الأول من القرن السابع عشر بأربعة عشر عاما ، الأمر الذي يعني ، أن الحديث عن الصهيونية في أمريكا ، قوة وتنظيمات وتأثيرا على مراكز القرار والتوجيه ، وتدخلا ً في السياسة والاقتصاد والتربية والتعليم ، وتواجدا حقيقيا في دنيا المصارف وجمع المعلومات واختلاقها ، ودورا مركزيا في الإعلام والثقافة وصناعة مستلزمات التسويق المعلوماتي والثقافي ، وتوجيها فعليا لآلية العبادة .
إن الحديث عن بدايات الولايات المتحدة ، وظهورها بعد الحرب العالمية الثانية ، له طابع اقتصادي بالدرجة الأولى وسياسي جاء مكملا ً لتبيت المستحدث الجديد ‘‘ الواسع الكبير ’’ أي الولايات المتحدة ، والتي أصبحت مركز اهتمام المرابين العالميين ، وأقصد بالتحديد ، اليهود وانشغالهم بتأسيس المصارف والبنوك ، وترحيل العقول التي تهتم بالمال والأعمال لتكون نواة حقيقية ودائمة في خدمة مشاريع الهيمنة والسيطرة على مقدرات العالم .
كانت المجازر وارتكابها ، كلمة السر عند هؤلاء اللصوص وقطاع الطرق لترهيب الهنود الحمر ، والتنكيل والفظاعة الإجرامية التي أجهزت على كامل الهنود في الولايات المتحدة ، حيث خاضوا آلاف المعارك ، ودخلوا في مفاوضات طويلة مع سكان الأرض الحقيقيين ، وبالنهاية كانت لصالح هؤلاء القتلة المدججين بسلاح العلم والاقتصاد ، وعلى رأسهم اليهود أصحاب الأفكار الهدامة ، والترويج لفكرة «العرق النقي الطاهر» الذي من مستلزمات وجوده قتل الآخر الضعيف المسالم ، الرافض لتسليم هؤلاء الأرض لهم ، إلا أن ومع مرور الزمن استطاعت بسط نفوذها على كامل الأراضي وإعلان ‘‘ الولايات المتحدة ’’ دولة معترف بها وبمباركة بريطانيا وفرنسا اللتان تعدان هذا التشكيل الجديد يخدم مصالحهم وطموحاتهم بالسيطرة ومصادرة الأراضي والقرارات لدى بقية دول العالم ، ومن هنا نقول أن أمريكا قامت على جماجم الهنود الحمر وبمؤازرة الحليفين بريطانيا وفرنسا والذي اتضح مع مرور الأيام بتقسيم العالم فيما بينهم .
الرئيس الأمريكي الرابع والثلاثين دوايت إيزنهاور قالها وبصريح العبارة : الولايات المتحدة تصنع الأعداء لكي تصنع القنابل ؛ إذا هي دولة إرهاب بامتياز عابرة للحدود ، تعتبر كل العالم تابعا ً لها ولمشروعها التوسعي عن طريق ميكانزمات أو آليات عدة .. واستخدامها للقنبلة الذرية على اليابان ونتائج آثارها ماثلة لليوم أدخلت العالم بهاجس اسمه أمريكا وإرادتها وإدارتها وطموحها بالتفرد.
كان مشروع الكيان الصهيوني يمضي قدما ً وبسرية تامة إلى أن جاء وعد بلفور المشؤوم والإعلان عن النوايا بدعم اليهود الذين يحلمون بتأسيس دولة على أرض فلسطين باعتبارات شتى وشعارات واهية مستندة على الخرافات والأراجيف ، ومع انسحاب الانكليز من فلسطين كانت المؤامرة قد استكملت دائرتها ، لتكون بمثابة القاعدة المتقدمة لواشنطن في منطقة تشهد صراعات متأججة ، ومنافسة بغاية الخطورة للاكتشافات التي تمت فيما بعد ، وطبعا ً البدايات مشابهة لتلك التي سردناها عن واشنطن في أول المقال ، حيث أعلن المجرم مناحيم بيغن أن دولة الكيان الصهيوني لم تقم لولا المجازر التي ارتكبوها بحق أهلنا في فلسطين ، وإدخال الرعب ببقية الدول العربية ، وعلى ضوء هذه المعطيات ، نستطيع القول بأن العقلية اللصوصية المشتركة بين واشنطن والكيان الإرهابي ، قد مارست أسلوب أو نظرية هرم ‘‘ بونزي ’’ من ناحية التلاعب والاحتيال على القرارات الدولية ، وهرم بونزي يستند على الكذب والخداع .
إن سلسلة «بونزي أو حركية بونزي أو هرم بونزي» هو نظام يتصف بالشكل الهرمي ، وهو أصلا ً أسلوب احتيال من قبل كهنة البنوك والمال والأعمال والترويج للدعارة العالمية ، وعلى سبيل المثال أن اللغة المستخدمة لنشر السفالة والخلاعة في أمستردام ، فيها الكثير من اللغة العبرية ، وعلى هذا الشكل تشترك كل من واشنطن والكيان الصهيوني بهذه السلسلة الهرمية من الاحتيال والخداع والهولوكوست الواجهة الحقيقية للكيان الصهيوني الذي يبشر بمشروعه اليهودي ‘‘النقي’’ في فلسطين المحتلة ، بينما اكتفت واشنطن بإلصاق التهم على كل من يعارض شريكها وإستراتيجيتها بالمعادي للسامية .
من آثار هذه ‘‘السلسلة’’ ظهرت مؤخرا ً بالمؤتمر المنعقد في العاصمة البحرينية المنامة يوم 25 يونيو / حزيران 2019 على أساس ورشة عمل السلام من أجل الازدهار بهدف التشجيع على الاستثمار ، والتي شاركت فيه كل من السعودية ومصر والأردن والمغرب بغية عرض المنافع الاقتصادية التي يمكن أن يجلبها اتفاق السلام ! ، تحت ما يسمى الدعم الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط والإعلان عن اشتراك الكيان الغاصب فيه كأحد الأطراف المعترف فيه ، بعد عملية التطبيع الأخيرة التي يأمل الكيان أن تستمر وتصل بنهاية المطاف إلى الشراكة مع الدول المجاورة لفلسطين تحت غطاء الاقتصاد والازدهار ونبذ العنف !
في طبيعة الحال ، المنطقة لا تحتاج لمن يرشدها على طريق الاقتصاد ، بقدر ما تحتاج من التخلص من الكيان الصهيوني بالمطلق ، والانعتاق من التدخل الأمريكي المستمر في شؤون الدول العربية ، ومحاولة واشنطن تعميق الخلافات والاختلافات وممارسة دور الشرطي الوحيد .
شذاذ الآفاق صعاليك الليل والنهار ، لا يزالون بالحيل نفسها واختراع واجتراح النظريات المضلة والمخلة للغة العقل والمنطق ، وتحريض الكثير من الشخصيات اللامعة في عالم المال والاقتصاد وتدريبهم سيكولائيا ً ، لنشر الأفكار الخادعة وتبرير أفعالهم وأعمالهم ولهم في هذا المجال باع كبير ، وهم من يسيطر على أغلبية مجلس الأمن إذ تحجز واشنطن ولندن وباريس الأغلبية ضمانا ً لعدم التلاعب أو المساس بمصالحهم ومصالح الكيان الصهيوني الخارج عن القانون الدولي ، وعدم السماح لمساءلته أو استجوابه ، أو مجرد التفكير بمحاسبته على الجرائم والمخالفات التي يرتكبها كل يوم .
يقينا ً وتأكيدا ً أن البدايات للولايات المتحدة ، نفسها انسحبت على الكيان الصهيوني ، رغم تباعد السنين ، والنهاية حتماً بنفس الوقت . وقديما ً قالوا ما بني على خطأ مصيره السقوط والانهيار .. ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله .