بكر السباتين ألقى محاضرة بعنوان” مجزرة الدوايمة دروس وعبر” من – بكر السباتين

منوعات ….
من – بكر السباتين بنادي وادي السير الثقافي \ عمان
ألقى الروائي والباحث بكر السباتين يوم السبت الموافق 19 نوفمبر 2016 محاضرة بعنوان” مجزرة الدوايمة دروس وعبر” في الندوة الحوارية التي أقيمت بنادي وادي السير الثقافي
ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي لمجزرة الدوايمة ، التي تنظمها اللجنة الثقافية لمجلس عشائر الدوايمة تحت شعار ( طور الزاغ ). وأدار الندوة الشاعر والكاتب زياد هديب الذي قدم المحاضر، واستعرض رئيس اللجنة الثقافية الاستاذ إسماعيل الملاد فعاليات الأسبوع الثقافي لمجزرة الدوايمة مرحباً بالضيوف، وكانت الخاتمة بقصيدة ألقتها الشاعرة أفنان هديب، ودار في آخر الندوة حوار مفتوح مع الجمهور الذي امتلأت به القاعة .
واستهل السباتين محاضرته بالحديث عن أهم التفاصيل عن هذه المذبحة البشعة من خلال رواية الضحية واعترافات القاتل منوهاً إلى أن الضحية وهي مختبئة لا تستطيع الاستحواذ على التفاصيل مثلما تبينه رواية القاتل الذي يمتلك تفاصيل جريمته من خلال عين الصقر التي تكشف خارطة الحدث؛ لذلك – والكلام للمحاضر- فإن لاعترافات القتلة قيمة توثيقية لا يستهان بها.. معرجاً السباتين إلى رواية مختار القرية آنذاك الحاج حسن هديب الذي يحسب له الفضل في الكشف عن تفاصيل هذه المجزرة البشعة في العام 1985 للصحف الإسرائيلية بعد أن طواها النسيان منذ الثامنة والأربعين توافقاً مع ما تكشف من جديد من اعترافات راح يسجلها المؤرخون الجدد في الكيان المحتل.
وأشار السباتين إلى أن أحداثُ هذه المذبحة لم تغطَّ في حينها بسبب التعتيم الكامل الذي قام به الكيان المغتصب، أثناء هجوم عصاباته المنفلتة كالوحوش الضارية على الآمنين في القرى والمدن الفلسطينية، وكان ذلك جزءاً من إستراتيجيته في تهجير شعب بأكمله عن بلاده واقتلاعه من وطنه، ويعزي السباتين سبب ذلك إلى محاولة الصهاينة إنجاز المهمة سريعاً وإخفاء معالم الجريمة قبل رصد تفاصيلها وإحراج موقف الكيان الصهيوني أممياً، كونها حدثت أثناء الهدنة، والقانون الدولي لا يسمح بمثل هذه الأعمال وخاصة أن أهل القرية كانوا عزلاً وآمنين، والقرية لا يوجد فيها مخازن أسلحة ولا قواعد للجيوش العربية.. إضافة إلى الرؤية الخاصة بشأنها من قبل الفيلق العربي (الجيش الذي كان يسيطر على تلك المنطقة عام 1948) والذي خشي من أن يكون لها نفس التأثير السلبي على معنويات الفلاحين كما جرى في دير ياسين، والتي على إثرها تدفق اللاجئون إلى مدن الوسط في فلسطين هرباً من البطش الصهيوني، وكان للدوايمة آنذاك نصيباً في استقبال عدد منهم.
وهناك سبب آخر كما يفيد التقرير، يتعلق بعدم إحراج موقف الوفود العربية التي كانت مجتمعة في لوزان آنذاك ، بحيث اكتفوا بأن قدموا وصفاً موجزا لمذبحة الدوايمة بناءً على بيان قدمه مختار القرية الشيخ حسن محمود.
وأشار السباتين إلى أن المجزرة جاءت أيضاً استكمالاً لمخططها المرسوم مسبقاً لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين، وتتابعاً لسلسة المذابح التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية والعصابات الصهيونية بحق سكان القرى الفلسطينية وكانت النتيجة مذهلة وتحققت رؤية بن غوريون القائلة ” بإنه من العدل أن يرحل العرب عن دولتنا”
وقد استشرع هذا الكيان لنفسه كل الوسائل المحرمة دولياً، ليس في الدوايمة أو دير ياسين فقط، بل في سعسع وأبو شوشة وغيرها حتى وصل عدد المذابح الجماعية التي ارتكبها اليهود عام 1948 الى 34 مذبحة… تحت ستار من الكتمان والتحفظ، وهو ذاته ما جرى لقرية الدوايمة التي حصلت فيها مذبحة حصدت أحلام أهلها وذرتهم كالغبار في المنافي دون مراعاة للقيم الإنسانية، وكأن الضحية أقل قيمة من الحشرات.
لقد جاء في تقرير اللجنة الفنية التابعة للأمم المتحدة ( لجنة التوفيق لفلسطين) بأنه لا يعرف سوى القليل عن المجزرة الوحشية التي تعرض لها الفلاحون العرب في قرية الدوايمة في 28/أكتوبر/48. القرية التي تقع على بعد بضعة كيلومترات غرب الخليل.
وجاء في التقرير أيضاً بأن عدد سكانها آنذاك بلغ الستة آلاف نسمة.
وكان عدد كبير من اللاجئين العرب الذين فروا من شمال فلسطين قد لجئوا إليها قبل المذبحة.
ويضيف السباتين بأن الجانب الصهيوني لم ينكر جريمته النكراء، فقد اعترف بعض المنفذين للجريمة ممن صحت ضمائرهم للصحفية الإسرائيلية (يوئيلا هارشفي )، المحررة في صحيفة حدشوت الإسرائيلية في إطار تحقيق صحفي موسع نشر عام الرابعة والثمانين، اعترفوا فيه بجرائمهم التي يندى لها الجبين ما بين القتل والحرق والاغتصاب.. وإرغام النساء على خدمة الجنود بمهانة وابتذال، لقد تبجح أحد الجنود متفاخراً برعونة واستهتار بأنه قتل امرأة وطفلها الرضيع بين يديها بعد أن خدمتهم عدة أيام.
“لقد تمت المجزرة بأوامر من الحكومة الإسرائيلية و أن فقرات كاملة حذفت من محضر اجتماع لجنة حزب الـ”مابام” عن فظائع ارتكبت في قرية “الدوايمة” و أن الجنود قاموا بذبح المئات من سكان القرية لإجبار البقية على المغادرة”.
وفي شهادته حول المجزرة قال “إسرائيل جاليلي” قائد فرع العمليات في الجيش الإسرائيلي في حرب عام 1948م وأحد قادة حزب الـ”مابام” الإسرائيلي إنه شاهد “مناظر مروعة من قتل الأسرى و اغتصاب النساء وغير ذلك من أفعال مشينة”.
وعن الجرائم الصهيونية في فلسطين بوجه عام نقتبس شهادات بعض المؤرخين والحاخامات ومن بينها ما قاله “أهارون كوهين” وهو أحد أعضاء تيار المؤرخين الجدد في الكيان الإسرائيلي المحتل:
“تم ذبح سكان قرى بأكملها وقطعت أصابع وآذان النساء لانتزاع القطع الذهبية منها”.
أما الحاخام الصهيوني “يوئيل بن نون” فيقول عن هذا الصدد:
“إن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بالفلسطينيين أكثر مما ألحقه العالم بنا”.
ضحايا مجزرة “الدوايمة”: تقديرات عامة*
إن عدد شهداء مذبحة الدوايمة يتباين وفق تقديرات العرب و”الأمم المتحدة” وجيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه ما بين 700 إلى 1000 مواطن عربي عدا الذين كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ أمتعتهم و طعامهم بعد أيام من حصول المجزرة وعلى أية حال فإن الحصيلة النهائية- وهي حصيلة تقريبية- يمكن توضيحها كالتالي:
أول يومين من المجزرة 29 و 30 أكتوبر 1948م سقط “580” شهيدا منهم 75 شخصاً معظمهم من كبار السن قتلوا في مسجد الزاوية.
أيضاً في نفس الشهر سقط ما يقارب 110 شهداء قتلوا جميعاً وهم يحاولون التسلل إلى القرية لأخذ متاعهم وطعامهم.(منهم جدي رحمه الله).
وهناك أيضاً ثمانية جرحى، إذ كان عددهم قليلاً لأن الجنود اليهود حاولوا ألا يتركوا أحياءً بينهم.
أما عن الأسرى فعددهم تسعة، منهم ثلاثة أسرى كانوا يقبعون في السجون الصهيونية.
وأضاف سباتين في سياق محاضرته التي تفاعل معها الحضور بوعي واهتمام إلى أن القانون الدولي يدين هذه الجريمة النكراء حيث قام الجنود الصهاينة بارتكاب مجموعة من الممارسات التي تصنف قانونياً على أنها “جرائم حرب” أو “جرائم ضد الإنسانية” طبقا للعهد الدولي لحقوق الإنسان واتفاقيات “جنيف” الأربع لعام 1949م وبخاصة الاتفاقية الرابعة المتعلقة بوضع المدنيين وحمايتهم أثناء الحرب.
ويرى المحاضر بأن التذكير بالمجزرة لم يعد كافياً بينما لا بد من التزود بالطاقة الإيجابية من نتائجها من خلال تهيئة الأجيال القادمة لمواصلة النضال حتى تتاح لهم الظروف المناسبة للتحرر من نيره.. أما الإجراء الآني فيتمثل بمقاومة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ومقاطعة البضائع القادمة من لدنه.. كنوع من ممارسة النضال الفلسطيني وهذا أقل تقدير.
وعقب الندوة دار حوار بين المحاضر والجمهور.. وقبل إنهائها بادر مدير الندوة زياد هديب إلى الرد على سؤال أحد الحاضرين حول الموقف التفاوضي حول القرى التي ضمها الكيان الصهيوني خلال الهدنة عام 1948 قائلا : إن المشروع الصهيوني ذو طابع استيطاني إحلالي وما كان ليقف _ انسجاما مع مشروعه _ لولا جملة من الظروف الموضوعية المرتبطة بنتائج الحرب العالمية الثانية. من هنا يظهر جليا أن هذه القرى- ومن ضمنها الدوايمة- لا تحقق أهدافها المرحلية في العودة والتعويض . وهي غير مدرجة على أوراق أوسلو وما تبعها من إجراءات. الدولة الفلسطينية مرحلة تؤهل لعودة الحقوق التاريخية للفلسطينيين في أرضهم كاملة . ولعل هذا يفضي إلى إعادة النظر في مجمل التجربة النضالية للشعب الفلسطيني بحثا عن أدوات أكثر تأثيرا وأقل ضجيجا مما يحدث الآن على الأرض.
وفي الخاتمة ألقت الشاعرة أفنان هديب قصيدة بهذه المناسبة قالت في مطلعها:
” المجزرة ”
وتداعياتٌ لم تكُنْ
هذا نِتاجُ المجزرةْ ….
هاهيْ ظِلالُ الرَّاحلينَ تُعيدُ رسمَ حروفِها
في جوفِ أسفارِ الخلودِ
لإنْ بَدَتْ صَفَحاتُها بِدَمِ الرُّواةِ مُسطَّرةْ ….

إلى أن قالت:
” هذا نِتاجُ المجزرةْ ….
عجزٌ ,,
ورفضٌ ,,
وانتِصارٌ كامِنٌ وسطَ الهزيمةِ
ساءني
أنِّي فَنَيْتُ العُمرَ ـ سهوًا ـ لم أَرَهْ .”.