بعض ذكرياتي مع البابا شنودة : بقلم رئيس التحرير : وليد رباح

فن وثقافة …. رئيس التحرير
بقلم : وليد رباح – رئيس تحرير صوت العروبة
في بداية عهدي بالصحافة .. وكنت في الحادية والعشرين من عمري .. كلفني رئيس تحرير اخبار الاسبوع التي كانت تصدر في الاردن ويرأس تحريرها المرحوم عبد الحفيظ محمد .. الذهاب الى القاهرة ومقابلة طيب الذكر البابا شنودة . ولم يكن في حينها قد تقلد منصب بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر،. كان اسم نيافته عند ولادته نظير جيد روفائيل .. وتخلي البابا شنودة عن اسمه الحقيقي بعد ان رسم راهباً باسم انطونيوس السرياني وذلك في 18 يوليو 1954 وكان من اعز الاصدقاء للرئيس جمال عبد الاصر .كما كان صديقا للمطران مكاريوس الذي كان رئيسا لجزيرة قبرص .آنذاك .وذهبت اليه بعد جهد.. وكان في كنيسة بالعباسية .. فاستقبلني بالترحاب .. قلت له يا سيدي .. اريد ان اسألك سؤالا واحدا فقط .. وارجو ان تكون الاجابة مطولة لنشرها .. لان الكثير من الصهاينة الان يقولون بحقهم في فلسطين لانهم كانوا فيها وعادوا اليها .. كان نيافته لم يزل في منتصف العمر أو اقل .. وكانت الدنيا صباحا واعتقد ان الساعة كانت لا تتجاوز العاشرة فقال لي .. هل افطرت .. قلت له : ليس بعد يا سيدي .. فقال .. عندنا في الكنيسة ( عدسا وبصلا ) انه من عدس الصعيد.. لقمة منه تجعلك تواصل الطعام حتى وان كنت ممتلئا ..
تناولت مع مجموعة من القسس العدس والبصل في ركن من قاعة كبيرة .. وأشهد انني استمتعت بذلك الطعام البسيط .. واثناء الطعام كان يحادثني ولكنه لم يأكل حيث قال لي : قد سبقتك في الافطار .. ثم تدارك .. ما اسمك ؟ قلت : وليد رباح .. قال : بارك الرب اسمك ..
ذهبنا سويا الى غرفة جانبية ضيقة في الكنيسة .. وجلسنا سويا .. وبدأ حديثه قائلا :
عندما ذهب اليهود الى فلسطين محاربين .. كانوا قبل ذلك في مصر .. ومسألة التيه في صحراء سيناء حقيقية ايدتها الكتب السماوية .. قادهم يشوع بن نون .. واحتلوا جزءا من فلسطين هي مدينة اريحا . ثم تمددوا بعد ذلك .. كانت فلسطين تحت حكم الرومان اذ اخذوها عنوة من الكنعانيين الذين هم سكان فلسطين الاصليين .. والكنعانيون كانوا عربا .. اذن من هو الغازي ومن هو صاحب الارض ؟
اضاف البابا شنوده : في ذلك الوقت لم يكن الدين المسيحي قد ظهر بعد اذ لم يكن سيدنا يسوع قد ولد .. ولم يكن هناك الدين الاسلامي .. فقد ظهر بعد عقود .. وكان الدين اليهودي في بداياته بين مد وجزر .. وخلاف واختلاف .. وفي العرف ان كل ما كان قبل الاديان السماوية هو من التاريخ وليس من الاديان .
ثم من بعد ذلك يخبرنا التاريخ ما الذي جرى من احتلالهم لفلسطين ثم خروجهم منها وتلك مطولة ربما اخذت منا وقتا لساعات وربما اياما .. ثم اسهب في حديثه ..
وفجأة قال لي البابا شنودة .. هل اقامتك في مصر لايام .. قلت له : نعم .. قال .. اذن تستطيع ان تأتي ثانية ولتكن جلستنا في المرة القادمة طويلة .. قلت : كما ترى يا سيدي .. ثم تقابلنا ثانية وثالثة .. وكان محور الحديث السؤال الذي سألته ..
***
ليس فيما كتبته بيت القصيد .. ولكني قابلته بعد ذلك في امريكا بعد ما يقرب من أربعين عاما في جلسة ضمتنا به مع عدد من الصحافيين العرب في كنيسة بنيوجرسي او نيويورك لا اذكر .. وعندما قلت لنيافته اريد ان اسألك سؤالا .. وطرحت عليه نفس السؤال الذي طرحته قبلا .. فنظر الي طويلا وقال : أأنت وليد رباح .. ذهلت .. ابتسم وقال : كنا تقابلنا سابقا .. قلت نعم يا سيدي .. ثم اعاد الي نفس الاجابة ..
عندما خرجت من اللقاء مع نيافته .. كنت لا ازال مذهولا .. كيف يحفظ اسمي بعد اكثر من اربعين عاما ؟ انها الذاكرة التي ابدعت اجمل الكتب .. وابدع الشعر .. رحم الله البابا شنودة رحمة واسعة وادخله جنته ..
قد فقدنا عزيزا كبيرا وعظيما لا يأتي الزمان بمثله ..