دراسات …..
بقلم : باسم محمد حبيب – جريدة الصباح العراقية …
قد لا أغالي إذا قلت أن الملك شولكي ( 2094 – 2047 ق.م ) الذي هو ثاني ملوك سلالة أور الثالثة وأبن الملك أور نمو مؤسس هذه السلالة ، هو أعظم من حكم العراق منذ أقدم العصور وإلى الآن ، فضلا عن أنه
ربما يعد أيضا من أعظم عدة ملوك حكموا العالم ، وذلك لضخامة الأنجازات التي حققها خلال مدة حكمه الطويلة التي قاربت النصف قرن ، إذ يمكننا أن نوجز منجزاته بالآتي :
1- توطيد سلطة سلالته وتوسيع نفوذها في محيط بلاد الرافدين ، فبعد نجاح أبيه في تأسيس سلالة جديدة في أور والسيطرة على معظم المدن السومرية ، قام شولكي بتوسيع رقعة حكم السلالة ليشمل مناطق واسعة في محيط بلاد الرافدين ، مسيطرا على كل من ماري في شرق سوريا وعيلام في جنوب غرب إيران وأرض الكوتيين وجنوب أسيا الصغرى ، مؤسسا واحدة من أقدم الدول الكبرى ، إذ تأتي في التسلسل الزمني من حيث القدم بعد كل من إمبراطورية الوركاء قبل عصر السلالات والأمبراطورية الأكدية ، فكانت بحق أكبر دولة سومرية من حيث المساحة ، وأكبرها من حيث الإمكانات ، وأعظمها من حيث النفوذ السياسي والأقتصادي .
2- إقامة نظام حكم متين ، إذ يعود الفضل لـ الملك شولكي في إقامة أحد أقدم الأنظمة المركزية في بلاد الرافدين ، إذ قسم مملكته إلى عشرين مقاطعة ترتبط مباشرة بالعاصمة أور ، على كل منها أمير يلقب بـ ( أنسي ) يكون مسؤولا أمام الملك عن كل ما يدور في مقاطعته بإستثناء الجوانب العسكرية التي أعطيت مسؤوليتها إلى القائد العسكري في المقاطعة ، الذي هو الآخر مسؤول أمام الملك مباشرة وهو مستقل إستقلالا كاملا عن حاكم المقاطعة الذي تقتصر مسؤولياته على الشؤون غير العسكرية كالجوانب الإدارية والأقتصادية والقضائية وما إلى ذلك .
3- إقامته لنظام قضائي مركزي ، إذ يعد شولكي من أقدم الملوك الذين أهتموا بالجوانب القضائية ، وهذا ما يتضح من القانون الذي ينسبه البعض لأبيه أور – نمو فيما يعده آخرون من تشريعه هو ، وعلى الرغم من أننا لا نعلم على وجه اليقين إن كان هذا القانون قانونا لجميع الإمبراطورية أم هو خاص بمدينة أور فقط ، إلا أن من المحتمل أن يكون قانونا مطبقا في مدن عدة خاصة السومرية ، وربما عد أيضا القانون الذي يجري التقيد به عند الاختلاف بشأن القضايا المثيرة للجدل .
4- جعل الدولة المالك الأكبر لوسائل الإنتاج ، إذ نجحت دولة سلالة أور الثالثة في بناء أقتصاد تشكل الدولة أحد أكبر مالكي وسائل الإنتاج فيه ، ما يجعله أقرب ما يكون إلى الأقتصاد التعاوني منه إلى الأقتصاد الحر ، فأصبح للدولة مزارع خاصة بها في كل مقاطعة من المقاطعات يديرها وكيل ينوب عن الملك أو حاكم المقاطعة ، وأصبحت تملك حظائر لتربية الحيوانات وورش للحرف فضلا عن أسطول للنقل النهري والبحري وقوافل من الحمير تنقل تجارتها البرية ، إذ كان لدولة شولكي صلات تجارية مع الهند وشرق إيران وشرق أفريقيا ومصر وغيرها .
5- أهتم شولكي بالجوانب الحضارية ، فهو يعد من أعظم البناة الذين عرفتهم بلاد الرافدين ، إذ ينسب له بناء وترميم معظم معابد الآلهة في المدن السومرية وبلاد عيلام وأربيل ( أربا أئيلو ) وغيرها ، فضلا عن بناء وترميم عدد من الزقورات ومنها زقورة أور التي يعتقد أنها أكملت في عهده لتعد واحدة من أعظم الصروح المعمارية في العالم ، إذ هي مازالت قائمة على الرغم من مرور أربعة ألاف سنة على بنائها ، كما أوجدت دولة أور في زمنه وظائف عدة لم يكن لها وجود من قبل ، وبات القصر الملكي يتكون من مئات الموظفين لكل منهم وظيفة محددة منهم الفنيين والمهندسين والموسيقيين والنحاتين وغيرهم ، والجدير بالذكر أن شولكي نفسه عرف بإتقانه للغناء والعزف على عدة ألات موسيقية فضلا عن معرفته بالكتابة ، إذ يعتقد أنه كان يعد من الأدباء المؤلفين للنصوص الدينية والأدبية .
هذا غيض من فيض ما حققه هذا الملك العظيم لبلده ، فهل يمكن لمن يحكم هذا البلد اليوم ان يحذو حذوه ويسير على خطاه ؟ أم أن مثل هذا الأمر صعب عليهم ، والحقيقة أن الأمر صعب فعلا ، لأن ملكا كهذا لم يتكرر كثيرا ليس على مستوى العراق وحسب بل والعالم أيضا ، لكن أتمنى من كل مسؤول أن يقرأ تاريخه عسى أن يكون بمقدوره فعل بعض مما فعله هذا الملك لهذه البلاد حتى باتت في عهده أعظم بلدان العالم وفي شتى المجالات .