فلسطين ….
شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة ….
لا أريد كسر زجاجة عطر الانسانية ، لكن حين يريدون رش العطر المزيف على قامة الصبي الذي مازال يعاني من الحروق أحمد الدوابشة ، نشعر أن درجة حرارة النفاق قد ارتفع لهيبها ولم يعد هناك مكاناً لمد انابيب الصدق ، لأن التلوث السياسي قد سيطر على الأجواء .
سافر الصبي أحمد الدوابشه للقاء اللاعب الشهير نجم ريال مدريد ( كريستيانو رينالدو ) لفتة رائعة وانسانية ، وتحقيق حلم لصبي يعشق الكرة ، ولا نعرف كيف أصبح “كريستيانو رينالدو” مثله الأعلى وبطله الخارق وهو في هذا السن ، ولكن نعرف أن التطبيل والتزمير في وسائل الاعلام اسرائيلية والفلسطينية حول هذا السفر والمكرمة الاخلاقية الاسرائيلية التي سمحت وسهلت لسفر الصبي ، تحول جميعه الى مصيدة لمصيبة طفل عانق اليتم المحشو بالغدر ، واحتضن الصورة البشعة لموت دمر بيته وسرق منه الأم والأب والشقيق ، وها هم يدفنون قضيته المؤلمة تحت بريق السفر ، في الوقت الذي لا نعرف الى أين وصلت التحقيقات الأمنية في هذه القضية ؟ ولا نعرف لماذا لا تشارك السلطة الفلسطينية في معرفة المزيد عن الذين قاموا بهذه الفعلة ؟ ولماذا لا تمارس الضغط على الاسرائيليين ، حتى لا يبقى دم الفلسطيني مباحاً دون رادع أو عقاب ، وحتى يشعر الفلسطيني أن هناك من يحمي ظهره ، وفي أضعف الايمان أن هناك من يحقق ويسعى لكشف الحقائق بعد مقتله .
أحمد الدوابشه هو الباقي من اسرة ماتت حرقا ، بعد ان اشعل المستوطنون بيته ، حيث كان والده ووالدته وشقيقه ضحايا للراقصين حول نار الكره والحقد ، ولولا رحمة الأقدار لكان أيضاً في قائمة الحرق .
صور الصبي المسافر الى حلمه ” كريستيانو رينالدو ” لا تستطيع تغطية الصور القادمة من الغد ، من المستقبل ، لا تستطيع ملامسة الواقع الذي يشير الى أن الصبي سيبقى مطارداً من قبل جيوش الخوف والذعر ، ستكون أحلامه المشتعلة بصراخ وبكاء ودموع ورحيل عائلته ، أكبر من طفولته التي وجدت نفسها داخل الثرثرة الاعلامية ، حتى تحولت غرفته في المستشفى الى مطار ينطلقون منها الى الانسانية والتضامن واحتضان الصغير الذي واجه مصيره بابتسامات تائهة محيرة وغامضة .
بعد عودته من رحلته الطفولية ولقاء حلمه ” كريستيانو ” سيبقى وحيداً ، سيبقى أسير حزنه وكلما كبر سيكبر معه غضبه ، ستبقى الذكريات تلسعه وتدميه وتحيطه بالقهر.
رويداً رويداً ستذوب صورة أحمد الدوابشه من الاعلام ، سينهال عليه تراب البعد ..ولكن سيبقى الذين حملوا النار مثل الزئبق ، عبثاً لن يمسكون بهم ، ما داموا يحظون برضى عيدان الكبريت والكاز .
عامود النور طلال أبو غزالة
أن يطلق اسم فلسطيني على عامود نور في العاصمة الفرنسية باريس من الأمور التي تفرح وتثير الاستغراب ، حيث الفلسطيني يعيش على حد سيف الانقسام ، وخرس الدولة المفقودة ، وغموض المستقبل ودهاليز السلطة واحتضار الاحلام ، ومشاكل اللجوء والاسرى وقبضة الاحتلال التي تسيطر على كل شيء ، على الأرض وعلى الفضاء وما بينهما ، واذا حاول الفلسطيني الاعتراض يكون رصاص الاتهام .
لكن العاصمة الفرنسية باريس تتيح للفلسطيني أن يخرج من قوقعة الموت المرتب حسب قانون الاحتلال ، ها هي تطلق اسم الفلسطيني طلال أبو غزالة على عامود النور المزروع على مدخل دار اوبرا جارنية في باريس .
دار الأوبرا الشهيرة التي بنيت عام 1865 تعتز بأسماء الذين يهتمون ويقدرون الموسيقى ، وهي تطلق أسماء هؤلاء على أعمدة النور التي تضيء هذه الدار ، واليوم أطلق اسم ابن يافا طلال أبو غزالة على أحد الأعمدة ، أي لنا سفيرا مضيئاً في ليل باريس.
طلال أبو غزالة من مواليد يافا عام 1938 في عام 1948 لجأ مع عائلته الى لبنان ، وهو أول طالب فلسطيني نال منحة جامعية من قبل الامم المتحدة ، والتحق بالجامعة الامريكية في بيروت ، عام 1972 أسس أول شركة للخدمات في مجال الاستثمارات ، الخدمات القانونية ، تدريب مهني ، وغيرها من الخدمات التكنولوجية ، ومن هنا انطلقت امبراطوريته الضخمة التي تضم 185 مكتباً في جميع انحاء العالم ومئات الموظفين .
في عام 2009 عينت منظمة الامم المتحدة طلال ابو غزالة رئيساً للائتلاف العالمي لتقنية المعلومات والاتصالات والتنمية التابع للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية خلفا لرئيس شركة انتل .
في هذا الزمن نفتش عن وجه يمنح دقات قلوبنا صدى الاعتزاز ، وفي عتمة الليل نجد عامود النور مكتوباً عليه طلال أبو غزالة . واضاءة عامود نور خير من لعن ظلام الفساد.