كلمة : رئيس التحرير
بقلم : وليد رباح
لست ممن يرجمون بالغيب .. ولكن الظواهر التي بدا عليها العراق بعد محنته مع داعش .. وما قبل ذلك .. اجتياحه من قبل القوات الامريكية والحليفة على يد الرئيس الامريكي الاسبق بوش .. قد اعادته الى عصر الجاهلية .. عصر التناحر والتقاتل على الكرسي .. بحيث غدا اسوأ مكان يمكن ان يعيش فيه الانسان .. رغم الخطابات العنترية التي تصمه بانه قادم على حياة جديدة بعد هزيمة داعش .. ولكن هذا الكلام مجرد هراء .. فنحن نرى النتائج قد بدأت واصبحت الدول المجاورة تحاول قضم اجزاء منه .. تلك الدول التي لم تكن تجرأ على فعل ذلك في عهد صدام حسين .. الذي رغم ما يقال عنه او ما صنعه .. كان عهدا فيه العراقي يسير في الارض مرحا واختيالا وحياة كان العرب يحسدونه عليها .
ونحن هنا لا نحسن مظاهر الذين ذهبوا سواء كان صدام حسين ام غيره ممن كانوا يحكمون الوطن العربي.. ولكننا نرى النتائج بام اعيننا .. فقد كان استراتيجية الرئيس الامريكي عندما اعتدى على العراق بمثل تلك الصورة التي رأيناها وخبرناها .. حماية لاسرائيل اولا .. ولتقسيم العراق ثانيا .. وقد نجح الرئيس الاسبق بوش في هذا الامر .. واصبح العراق مرتعا للطائفية البغيضة التي اعادته الى ما قبل التاريخ . هذا اولا .. اما ثانيا فقد ابعدته سنين طويلة عن اصوله العربية .. وكانت النتائج ان الكثير من الحكام العرب قد حذو حذو العراق فيما هو عليه الان .
لقد كانت الاستراتيجية الامريكية وقتها عند العدوان وبعده .. ان يقسم العراق الى ثلاث دول عاجزة متناحرة .. اولاهما للشيعه .. وثانيهما للاكراد.. وثالثها للسنة .. هذا عوضا عن دول مسخ اخرى تتناسب مع الاقليات التي تعيش في العراق منذ الاف السنين من زيدية وتركمان ومندائيين وعبدة شيطان وغير ذلك .. فكل سوف يطالب بدويلة يحكمون فيها ارضا لا تتسع الا لمثل حارة او شارع في الوطن العربي .. ولا ينكر احد ان الاكراد قد لاقوا الامرين ايام حكم الرئيس صدام حسين .. اما السنة والشيعة .. فقد كانوا يعيشون في محبة ورضا يتزوجون من بعض ولم تكن تعرف ان هذا سني وذاك شيعي .. الا بعد ان اصبح العراق اثرا بعد عين .. وتلك ليست نظرة متشائمة بقدر ما هي حقيقة واقعة نأسف لها ونتأثر .. لان العراق كان موئلا للعرب جميعا .. يعملون فيه .. يتقاسمون الرغيف مع العراقيين .. يعملون بجد وجهد ونشاط لكي ترتفع رايات العراق عاليا ..
لقد اصبح العراق موئلا لكره بعضه البعض .. كما تخلى عن العرب وتخلى العرب عنه .. وكل انشغل بنفسه خيفة التقسيم الذي نراه في العراق .. حتى ان حربه الجارية مع داعش وهجرة السكان من الامكنة التي التنظيم المسخ يسيطر عليها.. لم نسمع او نرى دولة عربية واحدة قامت بمساعدة اولئك السكان ولو بحفنة من الطحين او معلبات ( فاسدة) توزعها عادة على الفقراء من سكانها .. لانها تستهلك عمر الانسان ..
اما ( الديمقراطية ) المزيفة التي نراها من مجلس او برلمان او تجمع يحكمه هذا او ذاك .. فانها مجالس طائفية .. تستأثر فيها كل طائفة على الكثرة العددية .. وهي تعيدنا الى ايام ابي جهل وامثاله .. عندما كانوا يتسابقون في خدمة الحرم نفعا لانفسهم ولطوائفهم .. وهو ما يجري للحرم في هذه الايام .. فالسعودية تستفيد من الحجيج باكثر ما تنتجه وتبيعه من البترول .. ومن هنا فانهم يتشدقون بحماية الحرم والاماكن المقدسة الاسلامية .
نخلص من كل ذلك الى نتيجة مذهلة .. ان كلا من الطوائف المتناحرة .. تسعى للحكم والاستئثار به .. فهذا يؤيد ايران .. وذاك يؤيد اسرائيل .. وثالث يريد دولة حتى وان كانت مساحتها مثل نملة .. يريد ان يحكم ويستأثر بالحكم .. والنتيجة في كل ذلك تدمير العراق واخراجه من موقعه ليس السياسي فحسب .. بل من حسه الانساني الذي كان سائدا فيما سبق .
وان كنا ننسى .. فاننا لا ننسى ان التهجير القسري للسكان قادم .. فالاكراد لن يقبلوا بالعرب في دولتهم التي ستقام لانهم يريدونها طائفية .. والشيعة لن يقبلوا بالسنة ان يعيشوا بين ظهرانيهم .. والسنة ايضا كذلك .. اذن ماذا يتبقى من العراق .. هلاميات تسمى دول .. ومن الغريب ان كل طرف من الاطراف المتناحره يريد الكعكة له وحده ..
كما نخلص الى نتيجة مأساوية .. العرب لم يصبحوا عربا .. فقد انقسمت الدول العربية ايضا الى دول هلامية كل يريد ان يستأثر بالحكم .. داعش تريدها دولة اسلامية .. مصر انشغلت بمشاكلها الداخلية .. سوريا سوف تصبح مثل العراق دولا متناحرة لا تقوى على حماية نفسها .. ليبيا تقسمت بالفعل .. اليمن سوف يقسم ايضا .. اما البواقي .. فانهم عملاء لهذا وذاك من دول الغرب وامريكا .. ولبنان سوف يقسم ايضا رغم ان المصائب التي حلت به عجزت عن تقسيمه ..والنتيجة .. صفر .. زائد صفر .. وكلهم يسمون انفسهم عربا .. اذن فاين العرب منهم ؟
نسوق هذا والالم يعتصرنا .. ونحن ندعو الله ان يستفيق اولئك من غفواتهم .. والا .. فهم سوف يذوبون في التاريخ كما ذابت قبلهم امم شتى .. وانا لله وانا اليه راجعون .