كتابات ومواد دينية ….
بقلم : د . عبد الوهاب القرش – مصر …
(لا تقدرون أن تخدموا الله والمال. لذلك أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون، أليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس) من أقوال السيد المسيح؛
منذ الثلث الأخير من القرن العشرين وحتى الآن؛ يلوح في الأفق مصطلح (الصحـوة الإسلاميـة)! وحمل رايته: بعض “الطيبين”! فملئوا الدنيا صخباً وضجيجاً، وراحوا يبشِّرون به تارة، ويتاجرون به تارة أخرى، وينذِرون به الغرب الكافر!
ومن تجليات المشهد، ومن أعراض المرض؛ أُقيم مهرجان (المصطلحات) التي يأتي الإسلام وصفاً مخصصا لها، ولصيقاً بها؛ مثل: الإقتصاد الإسلامي، والإعلام الإسلامي، والعمارة الإسلامية، والتربية الإسلامية، والبنوك الإسلامية، والصرافة الإسلامية، والمعارض الإسلامية، والفنادق الإسلامية، والأحزاب الإسلامية، والصحافة الإسلامية، والفضائيات الإسلامية، والمخابز الإسلامية، ومزارع الدواجن الإسلامية، وشركة الأخشاب الإسلامية، وغيرها من المصطلحات الجوفاء التي تكشف عن حالة الهستيريا التي أصابت المجتمع البائس الحزين!
في تلك الحقبة أيضاً؛ كثرت الزوايا ومُكبِّرات الصوت في الحواري المظلمة، وأسفل العمارات، وخلف الورش، وداخل محطات البنزين!
وكثر دعاة السلفية، وكثر المتفيهقون والتكفيريون، وانتشرت فتاوى الحجاب والنقاب، وتقصير الثياب، ورأي الإسلام في الكولونيا، وحكم الإسلام في لبس البدلة، وحكم التسبيح بالمسبحة، وهل يجوز شراء الصحف والمجلات، وحكم اقتناء أجهزة التلفاز والفيديو، وهل تجوز الصلاة خلف حليق اللحية، والموقف من السفر للدول الأجنبية، ودخول البرلمان، والعمل بالبنوك والسياحة والآثار، وخروج المرأة للصلاة، وهلم جرا.
أيضاً؛ امتلأت الطرقات والأرصفة بالمطبوعات التافهة، ذات الأفكار المتهافتة، مثل: النقاب فريضة إسلامية، تذكير الأحباب بفرضية النقاب، الحجاب والسفور، رسالة إلى الأخت المسلمة، التحذير من الخلوة، حكم الإسلام في الغناء، الزواج والأفراح الإسلامية، العقيقة والولائم، القول الوافي في عدم إباحة التصوير الفوتوغرافي، الفرقة الناجية، عقيدة أهل السُنة والجماعة، حكم الاحتفال بالمولد النبوي، بدع الصوفية، زوال إسرائيل، سقوط أمريكا، نهاية الغرب الصليبي …. وغيرها الكثير من كناسة المطبوعات؛ التي تكشف عناوينها عن أزمة التفكير المنغلق، وتهافت أصحابه، والهوَّة السحيقة التي سقط فيها هؤلاء (المرضى) فلا صريخ لهم ولا هم يُنقَذُون!
والسـؤال هنا: هل أصحاب هذا الفكر دعاة أم أنهم أدعياء؟ وهل هم مثقفين واعين أم مجرد سماسرة وزبالين الفكر؟ وهل توجد صحوة حقيقية أم أنها شعارات براقة، وأحلام وردية تراود أولئك التائهين الغافلين، المخدَّرين بالأوهام؟
لقد أثبتت الأيام؛ أن صحوتهم لم تكن صحوة عقل ولا شعور، ولا صحوة عمل ولا سلوك، ولا صحوة التزام بآداب الإسلام. بل كانت مجرد أوهام وخيالات!
على النقيض فصحوتهم هي صحوة طواقي وجلاليب، وخمارات وعباءات، وعطور وبخور سوداني، ورواج لكتابات خادعة، وشركات وهمية، وميلاد فرق مأجورة، وظهور جماعات محظورة؛ تخفي وراءها أيدلوجيات مشبوهة!
الحق أقـول: إن الأمة ليست في حاجة إلى أحزاب وفرق ومذاهب وجماعات، وليست في حاجة إلى شعارات براقة، وعبارات رنانة! بل في حاجة إلى طاقات هائلة تعوض النقص العلمي، والنقص التكنولوجي، والعجز الفكري، والفراغ الروحي والأخلاقي!
أجـل! إن الأمة في حاجة إلى من يتعبَّد لله تعالى بالعمل والإنتاج، ويعتقد أن العمل عبادة وفريضة وجهاد في سبيل الله، وإتقانه مما يحبه الله عز وجل: “إنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أنْ يتقنه”، “إنَّ الله كتب الإحسان (أيْ الإتقان) في كل شيء”.
لا جَرَمَ أن الأمة في حاجة إلى صحوة حقيقية؛ صحوة في الأخلاق والسلوك والمعاملات، صحوة تؤمن بجوهر الدين، وتربي الإنسان الحقيقي.
إنها الصحوة التي تؤمن بأن “الدِّين المعاملة” وأن “المسلم من سلِمَ الناسُ من لسانه ويده”!
إنها الصحوة التي تطهِّر المجتمعات من تجار الشعارات، والمراهنين على تمزيق أمتهم!
إنها الصحوة التي تسوق سماسرة هذا الفكر المنغلق إلى المصحَّات النفسية؛ لتأديبهم، وتأهيلهم .. قبل صرخة يوم النشور .. ذلك يوم التغابن!