دراسات …..
محمد عياش – كاتب ومحلل سياسي ….
قال الجنرال الفرنسي المعروف شارل ديغول : من أراد التحدث بالسياسة ، عليه أن يحمل معه أطلس ، أي خريطة العالم . فالمعنى المراد من هذا القول ، أي معرفة العالم بعاداته وتقاليده ، وضرورة تحديد الدول بالمكان والزمان .. أما اليوم فقد عُفي المرء من حمل الخريطة ، والفضل يعود للموبايل وتطبيقاته الذكية .
نشر الكاتب البرازيلي الشهير (باولو كويلو) قصة قصيرة يقول فيها :
كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكفّ عن مضايقته، وحين تعب الأب من ابنه، قام بقطع ورقة في الجريدة كانت تحوي خريطة العالم، ومزقها إلى قطع صغيرة، وقدمها لابنه، وطلب منه إعادة تجميع الخريطة، ثم عاد لقراءة الجريدة ظناً منه أن الطفل سيبقى مشغولاً بقية اليوم،
إلا إنه لم تمر خمس عشرة دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة،
فتساءل الأب مذهولاً :
هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا.. ؟!
رد الطفل قائلاً : لا .. لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم .
يُحكى أن تشيرشل رأى شاهد قبر مكتوب عليه: «هنا يرقد السياسي العظيم والرجل الشريف فلان الفلاني» فقال: «كُنت أعرف أن إنكلترا تُعاني نقصاً في المدافن، لكنني لم أتخيل للحظة أن الأزمة قد استفحلت إلى حد دفن السياسي العظيم والرجل الشريف في نفس القبر!!» بعبارة أخرى، لا يمكن أن يلتقي الشرف مع السياسة .
الشيخ محمد متولي شعراوي مصيباً عندما قال: «أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة وألا يصل أهل الدين إلى السياسة«
رئيس الوزراء البريطاني الشهير طوني بلير الذي رفع ذات يوم شعار «ممارسة السياسة بوازع أخلاقي .«
آلاف النظريات والكتب في تعريف السياسة ، وكلها تعبر بطرق مختلفة ، وقد تصيب بعضها وتخطئ ، إلا أن هذا المصطلح يتطلب من الجميع البحث في كنهه ، وتقديم أفضل التعريفات عنه أو تقريب المقبول منه ورفض ما يشوهه .
إن النظرة الماركسية للسياسة ، كانت بمثابة الأقرب من حيث ارتباطه بالاقتصاد حين وصفته بالتعبير المكثف عن الاقتصاد .
وبعض الكتاب والشُراح اعتبروا السياسة هي ممارسة السلطة وفرض الأوامر والتعليمات على المجتمع المدني ، وبهذا الصدد يقول غرامشي : يتلاشى المجتمع السياسي في المجتمع المدني ، في حين الكاتب جينكس يجادل بأن أصل الدولة أو المجتمع السياسي يرجع إلى الحرب .
بينما الفرنسي فولتير يعتبر السياسة هي معرفة المصطلحات عندما قال : إذا أردت أن تتحدث معي فعليك أن تحدد مصطلحاتك ، مع اعتراف نابليون بأن السياسة قدرنا ، بعكس ما قال لينين عن السياسة بوصفها العلاقة بين الطبقات وهي الاشتراك في شؤون الدولة وتوجيه وتحديد أشكال ومهام ومضمون نشاط الدولة .
اعتبر علم الانسيكلوبيديا أن السياسة لعبة قذرة ، وفن السيطرة والمساومة والتسوية ، وضرب من ضروب الفن ، واعتبار السياسي جامع نفايات .
ربما بهذه القصة البسيطة نستطيع أن نختصر السياسة وأصلها ، يقال بأن رجل راكب على حصان ، فرأه صديقه بالطريق فقال له ، هل أستطيع أن أركب معك على حصانك ، فرد الرجل على الرحب والسعة ، فركبا معا ً ، وفي المرة الثانية وأثناء عودته لمنزله فرأه نفس الرجل فقال له هل أستطيع أن أذهب معك على حصاننا ، فاندهش الرجل وقال له المعذرة ، لأن المرة المقبلة ستقول على حصاني .
يبقى المعنى الحقيقي للسياسة ، بالممارسة والعلاقات الدولية التي تقتضي اجتراح النظريات والتحليلات وفق المصلحة العليا للبلاد ، لذا نجد العالم يذهب لتكتلات كبيرة وخطيرة ، فالولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وهي تحاول أن تقود محور يتطابق مع مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني ..
رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير ، الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة بتدمير العراق الشقيق ، والذي اعترف بالحرف الواحد بأن العراق حتى لو لم يملك أسلحة دمار شامل فالحرب عليه قائمة لا تراجع ، عن أي أخلاق وأي سياسة عليه أن يمارسها بوازع أخلاقي ، لماذا لا يساق هو والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن إلى محكمة العدل الدولية للقصاص منهم ، في حين يتحضر الرئيس السوداني السابق عمر البشير لتسليمه للمحكمة .
آخر الكلام وباختصار غير مخل ، العالم يحكمه الفوضى ، فوضى القوة والهيمنة والسيطرة على ممتلكات الغير ، بالآليات الجاهزة سواءً عن طريق مجلس الأمن ، أو خارج المجلس عندما تجد هذه الدول مصلحتها لا تتطلب العودة إلى المجلس كما فعلوا بالعراق وإعادته إلى العصور الترياسية .