السلام الإسرائيلي مع الخرطوم كارثة في ثوب قشيب.. بقلم : بكر السباتين

دراسات ….
وأسئلة أخرى – بقلم : بكر السباتين – الاردن …
تسارع”إسرائيل” الخطى نحو تطبيع رسمي للعلاقات مع الخرطوم؛ لتعمق استراتيجيتها الإفريقية بوضع موطئ قدم لها على البحر الأحمر، وتواصل جهودها لدى إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لدعم الخرطوم وشطبها من لائحة الإرهاب؛ كي تدخل الاتفاقية الملغومة بالمحاذير، حيز الأمان.
ويستغل الكيان الإسرائيلي بتطبيع العلاقات مع الخرطوم، في ظل حكم المجلس العسكري، حالة عدم الاستقرار السياسي التي يشهدها السودان لاقتناص الفرص السانحة، والإيهام بالفائدة التي سيحظى بها السودان من خلال الوعود غير المضمونة ومقابل ما قيل بأنه لا يتجاوز المئة مليون دولار ستدخل خزينة البلاد ظاهرياً بالإضافة إلى وعود لا يُرْتَهَنُ عليها.
فبعد أن صار التطبيع واقعاً، بدأت المعركة بين الأطراف السياسية السودانية في الداخل، بطرح أسئلة مفصلية حول مكاسب الخطوة وخسائرها، وحول ما إذا كان الخطاب الذي صدره مسؤولو الحكومة الانتقالية، بطرفيها العسكري والمدني للشارع السوداني، حول فوائد التطبيع كان يمثل الحقيقة الكاملة، أم أنه كان خطاباً مخادعاً. وقد انقسم الشارع السوداني إلى فريقين، أولهما من يعارض التطبيع بشدة، ويرى أنه لن يكون حلاُ لمشكلات السودان، ويعتبر هذا الفريق أن هذا المعسكر الذي دفع باتجاه التطبيع، صدّر للسودانيين خطاباً مغلوطا ومبالغاً فيه، عن تردي الوضع الاقتصادي في السودان، وعن أن الحلَّ الناجعَ يكمن في التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. مؤكداً أن الحكومة الانتقالية التي تحكم السودان حالياً، لا تملك الصلاحيات للدخول في اتفاقيات استراتيجية كهذه الاتفاقية المحفوفة بالمخاطر الاقتصادية والأخلاقية، والمخالفة للمبادئ التي حُمِّلَ السودانُ إزرُها منذ مؤتمر الخرطوم الذي انعقد في ديسمبر عام 1967 (بعد هزيمة حزيران التي أجْهَزَ خلالها الاحتلالُ الإسرائيلي على بقية فلسطين)، وأن المستفيد الأول من اتفاقية السلام مع تل أبيب فقط هم الجنرالات، الذين يحتاجون إلى غطاء خارجي.
أما على النقيض من ذلك فيقف فريق آخر، يرى أن التطبيع مع “إسرائيل” سيحقق مصلحة السودان، الاقتصادية من خلال شطب السودان من قائمة الإرهاب، وسَتُفْتَحُ أمامَه، من جراء ذلك، طريقُ التعاونِ مع المجتمع الدولي، الذي لا يتم إلا من خلال التطبيع مع “إسرائيل” بضغط أمريكي. وفي المحصلة فإن الفريقين يتفقان على أن السودان حُشر في الزاوية من قِبل أمريكا وحلفائها التقليديين (مصر، السعودية، الإمارات). وكان المخاض عسيراً حتى يُرْغَمُ السودانيون على القبول بمبدأ التطبيع مع العدو التقليدي الذي يحتل فلسطين.. وهي ذريعة تحاول الحكومة السودانية إقناع الشعب بقبولها رغم مرارتها، وإزاء ذلك انقسم الشارع السوداني إلى فريقين ما بين مؤيد ورافض.
تل أبيب من جانبها تراهن على احتضان السودان الذي كان من -وجهة النظر الإسرائيلية- محطة مهمة لتنظيم القاعدة وهدفاً اقتصادياً تركياً، ومستودعاً للأسلحة الإيرانية، ومساراً لوجستياً لنقل الأسلحة إلى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وإلى ليبيا التي تشهد بهذه المرحلة تعزيز النفوذ التركي والاستثمارات بشكل متزايد.
ويعتقد المعلق السياسي في القناة 12 العبرية، أمنون أبروموفيتش، أنه خلافا لتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين، فإن للعلاقات وللتحالف ما بين “إسرائيل” والسودان معاني جوهرية وأهمية تاريخية في سياق العداء التاريخي للعالم العربي تجاه بلاده؛ وقال في وقت سابق، “كان لدينا سلام عملي مع الإمارات منذ 1994، والآن أصبح رسمياً” وكأنه يوحي بأنه سلام لا يتجاوز نطاقه الإعلامي المضلل.. وقال ذلك لكي يؤكد على أهمية اتفاقية السلام مع الخرطوم من ناحية استراتيجية.
إذن، وفي سياق متصل، تعتبر الصفقة الإسرائيلية الشهية مع السودان معاهدة سلام بين خصمين تاريخيين، ما يجعلها خطيئة سودانية بحق القضية الفلسطينية، من شأنها أن تمرغ النظام السوداني في وحلها! وتسبب ضرراً كبيراً لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة المحاصرة إسرائيلياً وعربياً، والتي لا تجد لنفسها منفذاً حيوياً إلا من جهة سيناء، فيما يعتبر السودان داعماً لوجستياً، ومستودعاً كبيراً للأسلحة الإيرانية التي سَيُعْبَرُ بها عبر الأنفاق الحدودية بين سيناء وغزة، ما يمنح فصائل المقاومة القدرة على المناورة والصمود، وتغيير قواعد الاشتباك وتحقيق الردع الصاروخي مع العدو الإسرائيلي.
فتاريخياً يرتبط السودان بمؤتمر الخرطوم الرمزي الذي أعلن في الأول من سبتمبر 1967 والذي وضع الخرطوم في دائرة الالتزام الأخلاقي بمقرراته، وفحواها أنه لا سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ولا اعتراف بها ولا مفاوضات، وقد وصف الصحفي الإسرائيلي، آمنون، اتفاقية السلام الإسرائيلية مع الخرطوم” قائلاً: بأن “السودان تحول من العمود الفقري اللوجستي للإرهاب إلى شريك بالتحالف مع إسرائيل”.. أما ووفق الرؤية الفلسطينية فأن السودان انزلق إلى محور التطبيع المهين مع الاحتلال الإسرائيلي هادماً بذلك جسر الدعم اللوجستي للمقاومة الفلسطينية، والتي دون شك ستجد الممرات البديلة؛ لأن سيناء لا يملكها إلا من يعرف تضاريسها.
إذن يعترف الإسرائيليون بأن أهمية السودان بالنسبة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، تكمن في محاصرة حماس وتطويق الحدود السودانية مع مصر إلكترونياً.
ناهيك عن كون السودان على علاقة طيبة مع تركيا،التي تزود السودان بالطاقة الكهربائية، في مدينة”بورتسودان” شرقي السودان منذ مايو 2018، بواسطة شركة “كارباورشيب”التركية.. وهذا يعني بأن العلاقة مع “إسرائيل” قد توفر للسودان البديل الأثيوبي بالنسبة للتَزَوُّدْ بالطاقة الكهربائية؛ لقطع الطريق على تركيا، وخاصة أن “إسرائيل” وحليفتيها، السعودية والإمارات، يساهمون في مشروع سد النهضة الذي يستهدف (لو أمعن السودانيون النظر) ضرب مصر والسودان في العمق.
بالإضافة إلى تلك العلاقة الوثيقة التي تجمع السودان بإيران حيث تتذرع “إسرائيل” بردع خطرها على الخليج العربي لتمرير صفقة القرن واجتياح المنطقة العربية من خلال التطبيع.. وقد أرسلت إيران عدة مرات بوارج بحرية وسفن شحن إلى ميناء بورتسودان على شواطئ البحر الأحمر نظراً لأهمية هذا الميناء بالنسبة لل”عدو الإيراني البديل”، بعد تحول “العدو الإسرائيلي التقليدي” إلى حليف إستراتيجي وضامن لأمن الخليج العربي، والذي شرع منذ زمن، في بسط نفوذه غير المباشر، أو من خلال الحليف الإماراتي، على المواقع الاستراتيجية البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر، وسوقطرة.
وفي تقديري أن الحكومة الانتقالية وضعت مصير السودان في مأزق، إلا أن الرهان في المحصلة يناط بالشعب السوداني ومدى قدرته على التغيير من خلال التصدي للحكومات الفاسدة ومشاريعها المدمرة لمستقبل البلاد.