الزعيم الهندي الأحمر تِكومْسِه والكرامة العربية – بقلم : بكر السباتين

فن وثقافة ….
بقلم : بكر السباتين …
التاريخ الأمريكي لا يحفل كثيراً بصراخ الضحية المتمثلة بالهنود الحمر لأن الرجل الأبيض المستبد هو الذي كتب التاريخ المزيف، وادّعى الديمقراطية لنفسه بكل مثلها المزيفة التي صدّرت إلى العالم من أجل أن توظف لصالح المستعمر.. لكن صوت الضحية سيكون مسموعاً في عالم يسوده الظلم وتتحكم به سياسة التجني على المغبونين، لأن منطق التفوق العسكري سيحول الضحية إلى متسول يستجدي الكرامة ويتواءم في رؤيته للحرية وفق ديمقراطية المحتل المستبد.. من هنا فالقنديل لا ترى شعلته إلا في بهيم الليل. ولعل نكبة فلسطين وتداعياتها الشرق أوسطية خير دليل على ذلك.. حينما يتحول العدو الصهيوني إلى حاضن لذات الديمقراطية المشوهة فيما يدوس بدباباته العمياء كرامة الشعب الفلسطيني المحتل الذي طرد من أرضه ليتوه في غياهب المنافي لاجئاً مشرداً.
في سياق ذلك سنستعيد ما قاله ذلك الصوت الذي ما فتئ يزلزل أركان كل ذلك الأمريكي للتاريخ والذي كان الدرس المستفاد من قبل المنظمة الصهيونية التي أعلن عنها في بال بسويسرا عام 1891، فقد كانت مجرد خطبة عصماء تفجرت في قلب زعيم هندي في مطلع القرن الثامن عشر، حين تلمس ما يتوعد بلاده من أخطار قادمة من وراء المحيط الأطلسي، ربما كانت نبوءة؛ لكنها باتت تتكرر في سياق السياسة الأمريكية على صعيد العالم، وهي نتيجة شخّصها أيضاً المفكر الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد في كتابه الأشهر( الاستشراق) حيث وضح في طياته تلك الرغبات الاستعمارية الكامنة وراء التغلغل الثقافي الغربي من خلال المستشرقين الذين انتشروا في الشرق العربي دون إثارتهم لأية ريبة ؛ لتجيء كتوطئة للاستعمار الإحلالي على الأرض. فماذا قال الخطيب الهندي الأحمر، وما العبرة من استعادة تلك الخطبة في وقتنا الراهن، في وقت تراكمت فيه الخطب الرنانة التي تحولت إلى معوق ومصدر للطاقة السلبية لغياب عنصر الإلهام من مضامينها! وقد مضى على تلك الكلمات الخالدة قرنين من الزمان! كانت خطبة للزعيم الثائر، نبي المقاومة للشعوب والأمم الهندية «تِكومْسِه» في أيلول / سبتمبر عام 1811 التي شكلت خطة العمل المقترحة للتصدي للغزاة، بكل ما تتطلبه من وحدة الصف ووحدة الهدف. يقول الزعيم:« ليس أمامنا سوى أن نقاوم أو ننتظر الإبادة… إذا اتحدنا جميعاً فإننا سنصبح أقوى من (الغزاة) البيض، أما إذا تفرقنا فإننا لن نستطيع مقاومتهم بل إنهم سيهزموننا ويسرقون أوطاننا ونتناثر كأوراق الخريف في الريح العاتية». كانت نبوءة خالدة، لكنها تحققت على ارض الواقع بفعل عوامل عديدة، في مقدمتها العامل الذاتي: طبيعة الروح السلمية في معتقدات ومكونات تلك الشعوب التي بنت حضارة، فاجأت غزاتها المتوحشين.
وبالفعل ما أحوجنا إلى صرخة كهذه في الوقت الذي خسرنا فيه قيمنا الأخلاقية (دينية وفكرية)، وتم غرس الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي “فلسطين”، ونهشت الكرامة العربية بقسوة.. وتبنت الحكومات التي جاءت كمخرجات لاتفاقية “سايكس بيكو” الاستعمارية المقنعة لتتبنى رؤية المنتصر المحتل فيما يتعلق بمفهوم الحقوق والمطالبة بها، وانقلبت المعايير لتتحول الواقعية السياسية إلى مبدأ لتقديم التنازلات، وباتت المقاومة إرهاباً والصمود تهور والخيانة وجهة نظر والتطبيع مع العدو فرصة للسلام، فيما أصبح ينظر إلى العدو الصهيوني المحتل لفلسطين عام ثمانية وأربعين كشريك اقتصادي وحليف استراتيجي وضامن لأمننا العربي.. وأسفاه.. من هنا جاءت فكرة استعادة خطاب زعيم هندي سطر الدرس الأول في التصدي للعدو على قاعدة بناء الذات والاستعداد للمواجه، وهو درس لم يتعلم منه العرب.. نعم ينبغي أن نتعلم هذا الدرس من جديد.. فهل بقي في عقولنا المستلبة متسع لنستعيد قيمنا الوطنية التي دسنا عليها بموجب اتفاقيات سلمية عربية ولدت ميتة!!