منوعات …
بقلم : وليد رباح – نيوجرسي …
في الوطن العربي تنتشر عادة الرشوة بفحش وربما وصل الى مرحلة مكشوفة.
ورغم ان الرشوة تتفاوت نسبة وجودها بين دولة واخرى في هذا العالم، حسب حالتها الاقتصادية، فإنها في الوطن العربي تتخذ طابعا وضيعا بحيث تتحول الى كدية او شحادة، ولنضرب امثلة على ذلك.
فأنت تستطيع رشوة شرطي عربي بساندويتش شاورما، ولكنك لا تستطيع رشوة شرطي فرنسي مثلا الا بعشاء دسم مع تذكرة لدخول المسرح، وتستطيع ان ترشو وزيرا عربيا بسيارة جديدة، ولكنك مضطر لرشوة الوزير الامريكي بعقد تجاري قيمته فوق الملايين العشرة، وتستطيع ان ترشو رجل الجمرك عند العرب بمسجل كاسيت، ولكن رجل الجمرك الالماني مثلا لا يرضى الا بحاوية مملوءة بالمسجلات، ومن هذا المنطق تخرج بنتيجة محددة، ان طموحات المرتشي العربي لا تتعدى حدود الانتفاع في سبيل العيش، ولكن طموحات المرتشي الاجنبي تصل الى حد التجارة.
ورغم ان الرشوة في الدول الاوروبية والمتقدمة مستورة وليست مكشوفة، ورغم انها قليلة ايضا، فإنها في الوطن العربي مكشوفة ويشترك فيها اكثر من شخص واحد. فعلى سبيل المثال، انك تجدها في المطارات العربية كلها عملية مشاركة ضخمة تمتد من الحمال الى رئيس الجمرك، ومن الشرطي الى الضابط الاعلى الذي هو مسؤول عن امن المطار، والحصة الكبرى طبعا للرتبة الكبيرة، اما الحصص الصغرى فهي للذين ينفذون (قانون الرشوة) غير المكتوب. ولا يعقل في كل الاحوال ان تكون الدولة مغمضة العينين عما يجري، بل ان عينيها مفتوحة على سعتهما، ولكنها تشجع الرشوة لكي تسمح لنفسها ايضا بالسرقة، فالسارق دوما عندما يرى الدولة تغمض عينيها فإنه مضطر لكي يغمض عينيه ايضا. وبالتالي يصبح الشعب كله تحت رحمة اناس لصوص اتخذوا من الرشوة والسرقات واللصوصية زادا لهم. ومن هنا يصبح الشعب مصدرا مهما للابتزاز.
وانى توجهت في الوطن العربي فإن اوراقك لا يمكن ان تسير سيرا طبيعيا دون ان ترشوا هذا وتتملق ذاك، وفي بعض البلاد العربية تضطر لان تدور على قدميك اياما طويلة بينما تكون بحاجة الى توقيع احد الموظفين الصغار الذي لا يساوي فلسا بعملة بلده، ولكن معاملتك لا يمكن ان تيسير سيرها الطبيعي الا اذا مهرها جنابه بتوقيعه السامي، فإذا ما كنت لا تمتلك شيئا ومن عامة الشعب فإنك تنتظر ساعات واياما واسابيع بل سنين لكي تكتشف بنفسك ان الاوراق لا يمكن ان تسير الا اذا استدنت او اقترضت من احد الناس لتسديد ثمن الرشوة التي يطلبها الموظف.
ومن هنا يأتي المحافظة على الروتين في الدوائر الحكومية، اذ تعرف الدولة ان طول المسافة التي ينهي بها المواطن معاملته تجعل من الموظفين مبتزين للناس، وبهذا تستفيد الطبقة الوظيفية من افراد الشعب بأكثر من الراتب الحقيقي الذي يتقاضاه الموظف من الدولة، وهذا هو السر الذي يجعل الدولة في الاقطار العربية لا تعطي الموظف راتب يكفيه وعائلته، انها تعلم علم اليقين انه يغطي احتياجاته من السرقة والرشوة ومن امور اخرى غير قانونية تغض الدولة الطرف عنها.
وقصة عم حسنين اشهر من ان تعرف، فعم حسنين يستقبلك عند الطائرة وقد جر امامه عربته ويطلب منك ان تعطيه ارقام حقائبك. ثم تستقبلها بعد نصف ساعة او دون ذلك خارج المطار عند موقف السيارات، وما ذلك الا لان عم حسنين قد وضع كافة افراد الشرطة في جيبه الصغير، كما وضع ايضا رجال الجمارك في جيبه الاكثر صغرا. وقس على ذلك قصة ابو العبد في مطار عمان، وابو لؤي في مطار دمشق، اما ابو الياس فإنه يخرق اذنيك بكلماته المعسولة في مطار بيروت وتجد نفسك وقد نفحته بما لذ وطاب من انواع الهدايا والنقود التي يسيل لها لعابه.
ولا يقتصر الامر على الدول التي نسميها دولا فقيرة، ولكن الدول الخليجية ايضا ومن ضمنها السعودية تشترك في هذا الامر، اذ تجد في كل مطار احد المتنفذين الصغار الذين يلهفون النقود بحي تستطيع ادخال دبابة بما تحويه من ذخيرة عبر المطار ولا يوقفك رجال الجمارك او رجال الشرطة.
لقد اصبحت الرشوة في الوطن العربي عادة واسلوبا للكدية والشحادة. كما اصبحت العادة مرضا يعشش في ثنايا عقول المسؤولين عن الحدود العربية خاصة. والدوائر الحكومية والمتنفذة بشكل عام، وغدا المواطن يقبع تحت رحمة اولئك اللصوص الذين يبتزون عرقه وتعبه ودراهمه حتى الموت.