اراء حرة _(:::)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (:::)
كل يوم يمضي على انطلاقة ما اصطلح على تسميته في وقت من الأوقات بالربيع العربي ، يؤكد بأن هذا الربيع اللا ربيع أصبح وبالاً على القضية الفلسطينية ، كما تحول الى مسلسل من المآسي على الأقطار العربية التي هبت من داخلها رياح هذا الربيع ، والأقطار التي تضررت من وبأ هذا الربيع .
بالنسبة للقضية الفلسطينية فأن تبعات هذا الربيع ورياح السموم التي انبثقت عنه ، ساهم في تغييب القضية الفلسطينية من أذهان الشعوب العربية وانظمتها ، ومن أذهان غالبية الأوساط الدولية ، وبدلاً من أن يكون ربيعاً في قوته وعنفوانه ، يساهم في رفع منسوب هذه القضية التي تحولت الى أقدم قضية شعب يسعى لتحرير نفسه ، المفروض أن تكون الثورات العربية التي حدثت خاصة في مصر وتونس وليبيا واليمن ان تتحول الى روافع لهذه القضية ، لإشهارها وتدويلها ووضعها امام عتبات الأمم المتحدة وداخل اروقتها ، ووضعها أيضاً في كل درج من أدراج كبار السياسيين في العالم ، كما فعلت الحركة الصهيونية بموضوع الكارثة .
لكن حدث العكس فإن صوت القضية زاد خفتاتاً الى حد الاختفاء داخل قصور اصحاب الفخامة والجلالة العرب ، كما أن هذا الربيع ساهم في تقوية الحلف الذي سعت امريكا وبريطانيا لأقامته في الشرق الأوسط عشية غزو العراق سنة 2003 ، بعد الربيع المذكور تبلور هذا الحلف أكثر وزادت اخطاره ضد قضايا العرب التحريرية والقومية ، كما ان هذا الحلف نقل عدوانه وجرائمه واوصلها الى اليمن ، كي يشعل نيران القلاقل والفتن والحروب الأهلية في غالبية الأقطار العربية .
الدول التي تشارك في هذا الحلف تزداد كل يوم ، والتعاون بينها وبين اسرائيل يؤكد بأن الأخيرة تشكل وتحتل جانباً مركزياً في هذا الحلف ، الذي يضم الأردن والسعودية ودويلات الخليج والمغرب والسودان ومصر ، وعدداً كبيراً من الأحزاب اللبنانية وتركيا والجانب السياسي في الباكستان وكردستان العراق ، يجب على الفلسطينيين ان يدركوا ويعترفوا بأن قضيتهم اليوم تقف امام واقع جديد ، واقع احاطها بالترهل والاهمال والتراجع والجمود ، بهذا فأن النفق الذي تواجد به الفلسطينيون دائماً ازداد ظلمة وازداد عمقاً .
اعترف بهذه الحقيقة أيضاً وزير الدفاع الاسرائيلي السابق ” موشه أرنس ” في مقال نشرته صحيفته هآرتس في منتصف هذاالأسبوع قال :
لا يوجد اليوم أية قوة عربية تهدد اسرائيل ، باستثناء المقاومة اللبنانية ، اما تهديد المقاومة الفلسطينية المرابطة في قطاع غزة ، فهو مرتبط بموعد قرارنا ضربها او استفزازها ، واعترف بأن الصراع لم يعد صراعاً عربيا اسرائيليا ، انما هو صراع مع جزء من قيادة الشعب الفلسطيني ، فإسرائيل لم تعد تواجه حلفاً أو اجماعاً عربياً أو اسلامياً .
وكشف احياء ذكرى يوم القدس العالمي الذي اعلن عنه زعيم الثورة الايرانية الامام الخميني قبل ثلاثة عقود تقريباً ، كشف هذا اليوم الصورة الحقيقية لغالبية الأقطار العربية ، فغالبية هذه الأقطار لم تجرؤ على القيام بأية فعاليات تعبر من خلالها تضامنها مع القدس والأقصى وفلسطين عامة .
السبب معروف وهو لأن ايران هي التي وقفت ولا تزال تقوم بإحياء هذا اليوم بمظاهرات كبيرة في غالبية مدنها ، أما غالبية العواصم العربية باستثناء دمشق ، فلم تشهد أية احتجاج أو تظاهر له قيمته ، حتى عمان والمغرب الذي يتولى ملكها رئاسة لجنة الأقصى لم تجرؤان على التحرك تقديراً واحتراماً لمشاعر امريكا واسرائيل وملوك الخيانة في السعودية ، كذلك الأمر في مصر وبقية العواصم العربية ، حتى السلطة الفلسطينية لم نسمع عن مظاهرة في هذا اليوم ، لان شعار هذه السلطة اليوم قطع الاعناق ولا قطع الأرزاق، مع انه من المفروض ان تكون سباقة في تعاملها مع هذه المناسبة ، أما الأردن ، فإن ما يهمه من القدس وقضيتها ، ان يبقى الأقصى تحت ادارة الأوقاف الأردنية ، وحتى يبقى التواصل الحالي الفارغ من كل مضمون للتحرير مع الأقصى من وراء سلطة رام الله وبالتعاون مع اسرائيل .
ما تبقى من اهتمام الأردن في القضية الفلسطينية ، قلقة من تواجد عناصر سلفية داخل الدولة الفلسطينية ، خاصة من حركة حماس والجهاد ، فيما اذا قامت هذه الدولة في الضفة الغربية ، وقد اعترفت سلطات الاحتلال بأنها تتفهم القلق الاردني من وجود مثل هذه العناصر في منطقة الغور . اذا ليس صدفة وجود تعاون وثيق بين اجهزة الأمن في اسرائيل وداخل السلطة الوطنية ، لملاحقة ومطاردة عناصر المقاومة من حماس والجهاد الاسلامي ، في نفس الوقت فإن السلطات تتعاون مع اسرائيل ومع امريكا وقطر وتركيا والسعودية في تجهيز التكفيريين لتدمير ما تبقى من سوريا الشعب والوطن ، لأن الجريمة التي ارتكبتها سوريا هي مواقفتها على احتضان المقاومة واستمرارها في دعم المقاومة اللبنانية ، هل مثل هذا النظام يفكر بفلسطين وشعبها هذا مثال لدولة عربية واحدة ، كان من المفروض ان تدعم المقاومة في كل زمان ومكان ، لأن ثلثي شعبها هم من ضحايا النكبة .
اما السعودية ودول الخليج ، فان موقفها من فلسطين وشعبها ينطبق عليهم المثل الذي يقول ” صار رباط عجلي رجلي – زوجي ) والمثل القائل ” مصائب قوم عند قوم فوائد ” فإسرائيل ليست وحدها استفادت من تشتيت الشعب الفلسطيني ، اسرائيل استولت على اراضي هؤلاء المنكوبين ، أما الأقطار العربية فقد استثمرت ميزات وقدرات ابناء الشعب الفلسطيني ، هل كان الاردن له مقومات الدولة قبل استقباله الألوف من الفلسطينيين ؟؟ استثمرت الأقطار العربية قدرات شباب شارع الملوك في حيفا ، وشارع النزهة واسكندر عوض والمنشية في يافا ، وشباب عكا الحضارة وصفد والمجدل والرملة واللد والقدس ورام الله ونابلس والخليل ، لقد انتزعتهم النكبة من فوق مقاعد الدراسة ، كما انتزعت العمال المهنيين من ورشهم ولحق بهم تجار فلسطين والصحفيين ، وعمال بيارات يافا وقرى السهل الساحلي من بيوتهم ، كما انتزعت آلاف المعلمين والمثقفين من مدارسهم ومعاهدهم .
كان المستفيد الوحيد من مصائب هذا القوم هي الأقطار العربية ، لقد خلقوا من الاردن دولة تواكب الحضارة ، اقاموا المدارس في القرى الضائعة باعتراف الاردنيين ، لقد نجح هذا الشعب المنكوب في خلق وصنع شعباً آخر ، اليوم يوجد في الاردن عشرات المعاهد الاكاديمية والجامعات يديرها جميعها عقول فلسطينية .
اما مشيخات الخليج والسعودية فحدث ولا حرج ، لقد وجد الفلسطينيون الذين وصلوا الى هذه المناطق اشباهاً من البشر ، فقدموا لهم العلاج النفسي والطبي ، كما انهم خففوا من شبه الأمية التي كانت متجذرة ، لكل مدرس أو عامل فلسطيني في هذه المناطق وله قصة أو قصص في تعاملهم مع هؤلاء الغلاظ الاجلاف ، منهم من كان يرفض ارتداء الاحذية والملابس القطنية ، لقد دخل هؤلاء الاطباء والمثقفون الى قصور الأمراء لمحو الأمية داخلها ، حاربوا طرق العلاج بالسحر والشعوذة ، واقاموا لهم الحدائق ، اسهم الفلسطينيون في تحرير ابناء الشعب الليبي من كوابيس التخلف والأمية ، كما ساهموا بعودة العروبة وتعريب المناهج التدريسية واللغة الى الشعب الجزائري ، غالبية الأقطار العربية استثمرت طاقات الفلسطينيين وقدراتهم وميزتهم وهناك اعترافات ومذكرات لكويتيين وسعوديين واردنيين يشكرون فيه الفلسطينيين الذين ساهموا في بناء دولهم خاصة في قضية التعليم وبناء أجيال متعلمة ، لكنها اليوم هذه الدول تتنكر لهم وتتحالف مع اسرائيل ضدهم