فن وثقافة (:::)
طلال قديح* (:::)
مع هذا الواقع الأليم، والحال المتردية يوماً بعد يوم، نتيجة الفوضى العارمة التي تعصف بمعظم أقطار العالم العربي، فأضرت بالبلاد والعباد، وقوضت دعائم البناء والإعمار، وأشغلت الناس بمستجدات وأفكار طارئة لا يمكن أن تأتي بخير- مع هذا فإننا أحوج ما نكون إلى ثقافة الحب تملأ نفوسنا وتضيء طريقنا نحو حياة آمنة مطمئنة يسودها الأمن والسلام.
هل يمكننا أن نتخيل حياة خالية من الحب، كيف تكون؟ وما آثارها؟ ، وما انعكاساتها؟.. لا شك أنها لا تطاق، وهي جحيم يكتوي بلهيبها الجميع ، لا فرق هنا بين الصالح والطالح ، أو الخيّر والشرير،أو الخراب والإعمار..وهنا تستوي الأنوار والظلم، التي يحتار فيها العقلاء والحكماء، ويكثر البلهاء، ويستأسد الضعفاء.
الحب عماد الحياة، به تطيب وتحلو، وبه تؤتي أُكلها ، وتجود بأطيب ثمارها..وتجمع الكل يتفيأون ظلالها، بفرح ومرح، وسعادة وهناء.
وعلى مستوى الأسرة، فهي الأحوج إلى حب ينتظم أفرادها جميعاً، يتغلغل في نفوسهم ويطبع سلوكهم، ويلون علاقاتهم جميعاً، أباً وأماً، أخاً وأختاً، ابناً وبنتاً، جيرانا ومعارف وأصدقاء..
وعلى مستوى المجتمع، يجب أن تسود ثقافة الحب والعيش المشترك بين الجميع مهما تنوعت مشاربهم وتباينت آراؤهم واختلفت رؤاهم وتعددت ثقافاتهم، أنطلاقاً من مبدأ أن الجميع في قارب واحد في بحر واحد، فإما النجاة معاً وإما الغرق معاً .
مع الحب تتلاشى الأنانية وحب الذات وتسود الألفة والترابط والتلاحم، فيتسابق الجميع ولاء وخدمة للوطن.
مع الحب، ينتفي الحقد والكراهية وتوأد القلاقل والفتن ، وتطهر القلوب من الغل والحسد، ويكون المجتمع فاضلا متوادا متحابا، يعطي بسخاء وبلا كلل.
ومقارنة بين الأمس واليوم ..كيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟ ..كنا متحابين متوادين،تجمعنا لقاءات الأفراح والأتراح، في المساء والصباح، يتفقد بعضنا بعضا في حالة التأخر أو الغياب، انطلاقاً من واجب القربى والانتماء.
أما اليوم مع تعقيدات الحياة، وكثرة الملهيات، وتداخل الأفكار، فقد تغير كل شيء، وانقلبت الأمور رأساً على عقب، فلم يعد الأبيض أبيض ، ولا الأسود أسود، فكل واحد ينظرنظرة توافق هواه وميوله ومصالحه بلا اعتبار للحقيقة والواقع.
ومن هنا بات عالمنا المعاصر يغلي بالفتن ، وتعصف به المحن، فتسود الفرقة والاختلاف، وتغلب العداوة والخصام، وأصبح الواحد يتنكر لكل شيء، ويدير ظهره لكل ماتوارثناه عن الأجداد والآباء من شيم لحمتها النخوة والإباء.
كل ما تعانيه مجتمعاتنا العربية اليوم ، سببه البعد عن الماضي وما كان يزخر به من قيم عظيمة ومكارم سامية تميز ذاك الجيل العظيم.
آن الأوان أن نعود فنجعل الحب الصادق الرابط الأقوى الذي يجمعنا ويؤلف بين قلوبنا لنتخلص من كل السلبيات ، ونعبر بأمان نحو حياة تفيض بالحب وتزخر بالعطاء، ونُرضي بذلك الأجداد والآباء والأهل والمعارف والأصدقاء.
ما أحوجنا إلى دوحة الحب الخضراء، نتفيأ ظلالها الوارفة ونقطف من ثمارها اليانعة، وتطربنا تغريدات طيورها فتنسينا تعب الأيام وتدفعنا للأمام لنعيش في سلام ووئام..لذا فلا حياة بلا حب، ولا حب بلا حياة.
* كاتب ومفكر عربي 21/2/2015م