دراسات …..
محمد عياش – كاتب ومحلل سياسي …
سيطر الحدث الأفغاني على أحداث العالم ، والكل تقريباً بات منشغلاً بحيثياته ، وكأن مستقبل هذا البلد الفقير الذي لم ينته من احتلال حتى جاءه احتلال جديد ، متوقف عليه المجتمع الدولي ولزاماً على هذا المجتمع أن يطمأن على مآلات ومجريات الأحداث في هذه البقعة من العالم والتي سميت بـ ‘‘ مقبرة الغزاة ’’ ، وانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية ، جاء ليحفز الكتاب والسياسيين والباحثين عن مغزى هذا الإجراء وتصنيفه بشقين ، تكتيكي ونهائي .
عللت الإدارة الأمريكية بلسان رئيسها جو بايدن ، أن الحكومة الأفغانية والجيش ليسا على استعداد لمواجهة حركة طالبان ، وبالتالي فإن واشنطن ترفض أن تدفع فاتورة باهظة الثمن سواء على الصعيد الاقتصادي أو البشري . هذا بعد احتلال دام عشرين عاماً بحجة محاربة تنظيم القاعدة الإرهابي وصلته المباشرة بأحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001 .
إن الحقيقة وراء الانسحاب الأمريكي ، العملية الفاشلة التي أمر بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما أمر بإلقاء الجيش الأمريكي ما تسمى ‘‘ أم القنابل ’’ من طراز جي بي يو – 43 / بي مستهدفة موقعا ً لتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية ننغرهار عام 2017 . وذلك بعد أن اجتمع مع مستشاريه العسكريين ظناً منه توجيه ضربة قوية وقاضية بنفس الوقت ، أو الإيحاء بأن الإدارة الجديدة مختلفة تماماً عن سابقتها لجرهم إلى طاولة المفاوضات مستسلمون منهزمون .
بعد النتائج المخيبة لهذه العملية الغير مسبوقة في هذا البلد ، بدأ الحديث عن تقليل عدد الجنود ، والتفكير لاحقا ً بالانسحاب بعد أن فشلت بالتقرب من الشعب الأفغاني بالرغم من المشاريع والأموال التي دُفعت ، وجولات التفاوض مع الحركة في العاصمة القطرية كانت تدل على هذا التوجه في الإستراتيجية الأمريكية ، وليس صحيحاً أن الانسحاب سيجعل واشنطن تتفرغ للصين وروسيا .
على كل حال حركة طالبان تسيطر على البلاد من جهاتها الأربع ، ولا تزال تنتظر خروج آخر جندي أمريكي ، ليتضح بعد السلوك الذي تسير عليه . والعالم ينتظر أيضاً مشروطا ً كعادته وأسئلته المعهودة للسير وفق الرؤية الثابتة للمجتمع الدولي .
إن العامل الآيكولوجي ( المناخ والبيئة ) الدولي يرفض الحكم باسم الدين الإسلامي الراديكالي ، وبالتالي هناك مصاعب وربما مستحيلات كثيرة تواجه حركة طالبان مع قادم الأيام ، إلا إذا طرأ تغيير استراتيجي بمفهوم الحركة الطالبانية باتجاه التساوق والسير وفق الأسرة الدولية ، والاعتراف بالقانون الدولي والتبعية بالتالي لأوامر الولايات المتحدة بتشكيل حكومة من جميع الشرائح الأفغانية بدون إقصاء ، ومحاربة التنظيمات الإرهابية كتنظيم القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات التي لها اسم ضمن القائمة الأمريكية السوداء .
المخاوف الغربية نابعة من عودة ما يسمى الراديكالية الإسلامية المتشددة ، وبالتالي لزاماً عليها منع قيام دولة أو إمارة إسلامية تحكم بموجب الشريعة الإسلامية ، لأنها حتما ً لن تحصل على الشرعية الدولية ، وستضاف إلى الدول المعزولة كـ كوبا وكوريا الشمالية … لن نستبق الأحداث ؛ على اعتبار المسلمات الغربية واضحة ولا تحتاج لشرح أو مفاوضات ، يعني بوضوح على حركة طالبان أن تسير وفق الرؤية الغربية موافقتها.
إن الإشارات الأولية الآتية من طالبان تشير إلى الخيار المتشدد ، وفق بعض التصريحات من المسؤولين لديها عن طبيعة الحكم ، وبالتالي سنشهد عداء عالمي مفتوح تقوده واشنطن من عقوبات وحصار وربما هجمات من الجو ، مع إيجاد فصيل معارض بدأ يتضح شيئا فشيئاً من ولاية بنجشير بقيادة نجل أحمد مسعود للقيام بالحروب الداخلية .
أعتقد جازماً أن واشنطن لن تترك أفغانستان ، ولن تسمح بتشكيل حكومة إسلامية ، وستركز جهودها لإيجاد البديل المناسب بالوكالة عنها ، حيث يعتقد بعض السياسيين أن إيران ربما تدخل على خط العداء مع أفغانستان على اعتبار مساعدة الأمريكان بالتخلص من الطالبان في الفترة السابقة ، وقابلية إيران لمساعدة الشيعة ، لأن الانتصار الأفغاني سيجعلها أكثر ارتجالية ، وفرحة الانسحاب سيضلل المصلحة العامة ، وواشنطن وحلفاؤها جاهزون للتحرك الجماعي بعد شيطنة الحركة واعتبارها مارقة مثلها مثل أي دولة لم ترض أن تسير بركب القارب الأمريكي .
أفضل السبل للتخلص من المخاوف الغربية ، أن تتبنى الحركة مشروعاً وطنيا ً بعيداً عن الإقصاء .. يتبعه مشروع بناء ثقة بين أبناء الوطن وتغليب المصلحة العليا ، وتقديم برنامج شامل للبناء والتعمير وطي سنوات الحرب وفتح آفاق العمل أمام الشعب بالمشاريع والبحوث العلمية للنهوض بهذا البلد الفقير إلى مصاف الدول الصاعدة .. أما ما يسمى طبيعة الحكم ، لابد للحركة أن تكون أكثر واقعية وبراغماتية وقراءة المزاج الدولي ، الذي يعد العامل الآيكولوجي باعتباره الأوكسجين للاستمرار مع العالم طبعاً من دون التخلي عن الدين وتعاليمه السمحة .