البرنامج «الديمقراطي».. والتغيير المنشود! – بقلم : جيمس زغبي

اراء حرة ….
بقلم : جيمس زغبي – واشنطن ….
تبدو اللجنة الرباعية المعنية بصياغة برنامج الحزب الديمقراطي الأميركي بمثابة ممارسة عملية أكثر منها مداولات سياسية، وعندما يجلس قادة الحزب لمناقشة ما سيضعونه وما سيتخلون عنه في برنامجهم السياسي، يركزون بدرجة أقل على ما من شأنه أن يشكل سياسة قوية. وبدلاً من ذلك يأخذون في الحسبان السياسات التي تنطوي على مواقف يريدونها في وثيقتهم، متسائلين: هل ستقلق جماهير الناخبين المهمة؟ وهل ستسفر عن تأثيرات سلبية؟ وهل ستثير حفيظة المانحين؟ وفي ضوء ذلك، ينتابني شعور قوي بشأن ما حققناه في برنامج الحزب الديمقراطي خلال العام الجاري. أقول ذلك، ليس فقط لأنني أفخر بكوني عضواً في الفريق المكون من خمسة أعضاء الذي اختاره السيناتور «بيرني ساندرز» للعمل في لجنة صياغة البرنامج، ولكن أيضاً بصفتي أول أميركي عربي يضطلع بهذه المهمة.
وقد كُتبت أشياء كثيرة بشأن النقاط التي خسرناها، أو كيف أن البرنامج لم يتسع لكافة الجوانب المرجوة، ولكن ما ينبغي ألا ننكره هو أن برنامج الحزب «الديمقراطي» يتضمن الآن بعضاً من مواقفنا ويتبنى مجموعة من أهدافنا. وكل ذلك اعتراف واضح بقوة الحركة التقدمية التي صقلتها حملة «بيرني ساندرز» والدور الذي لعبه الأميركيون العرب في هذه الجهود. وتتضمن الوثيقة: دعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وتحديد هدف 15 دولاراً كحد أدنى للأجر في الساعة، وتوسيع نطاق برنامج الضمان الاجتماعي، واعترافاً بالحاجة إلى إتاحة تأمين صحي للجميع، ودعوة لإلغاء «لجان العمل السياسي العليا» والتغلب على قضية «المواطنون المتحدون» التي فتحت الباب أمام تحكم المال السياسي في الانتخابات الأميركية، وضرورة تحديد سعر لانبعاثات الكربون بهدف التعامل مع التغير المناخي. وقد أشار «بيرني ساندرز» إلى أن المنتج النهائي «هو أكثر البرامج تقدمية في تاريخ الحزب الديمقراطي»، وطالب بتعزيز الجهود لضمان تحويل الأهداف التي تم إقرارها في البرنامج إلى قوانين بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.
ومن النقاط التي لم تحظ بتغطية إعلامية، وحري بنا ملاحظتها وتسليط الضوء عليها، تلك «الانتصارات الصغيرة» الكثيرة التي حصدناها أثناء مداولات البرنامج. وعلى رغم أنها كانت محدودة، إلا أنها كانت أيضاً مهمة، كتغييرات الصياغة أو الإضافات التي اقترحناها وأقرها الجميع في نهاية المطاف.
وعلى سبيل المثال، تمكنا من إضافة جمل تشجب تفاقم «الإسلاموفوبيا»، واستطعنا التأكد من عدم وجود أية بنود تمسّ الإسلام بسوء. وأكدنا أولوية حماية الحريات المدنية، ووسعنا مفهوم «التنميط العنصري» ليشمل «الدين والعرق والأصل الوطني.
وفي الفصل الخاص بـ«إصلاح نظام الهجرة في الولايات المتحدة»، تبنينا بصورة مشتركة صياغة حملة هيلاري كلينتون التي تقر بأن «الهجرة ليست مشكلة علينا حلها»، وإنما هي «ملمح محدد في الشخصية الأميركية وتاريخنا المشترك». وطالبنا أيضاً بإصلاح «نظام المحاصصة الحالي الذي يمثل تمييزاً ضد فئة معينة من المهاجرين»، ورفضنا محاولات فرض اختبار ديني لحرمان مهاجرين أو لاجئين من دخول الولايات المتحدة.
ويقترح البرنامج أيضاً طريقة للمضي قدماً في هزيمة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» وإنهاء الحروب في سوريا والعراق من دون تورط القوات الأميركية في صراعات مطولة في الشرق الأوسط. ويؤكد البرنامج ضرورة وجود «حكم أكثر شمولاً في العراق وسوريا يحترم حقوق جميع المواطنين». ويدعو إلى توفير مزيد من الدعم والمساعدات الأمنية لدولتي لبنان والأردن، اللتين تستضيفان أعداداً هائلة من اللاجئين، ويقر بأهمية الحفاظ على تعاون أمني قوي مع دول الخليج.
وعلى صعيد اللاجئين، يؤيد البرنامج بوضوح «دعوة الرئيس باراك أوباما إلى عقد قمة دولية للتعامل مع هذه الأزمة، بحيث تتحمل كل دولة مسؤوليتها في مواجهة هذا التحدي الإنساني»، ويتعهد بـ«البحث عن سبل لمساعدة الأبرياء الذين يفرون من الاضطها.
وبالطبع، كانت هناك خيبة أمل كبيرة لأننا فشلنا في تغيير الصياغة الخاصة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأردنا أن ينص برنامجنا بوضوح على ضرورة إنهاء الاحتلال وبناء المستوطنات، ووجوب الاعتراف بمعاناة الفلسطينيين، والتخلص من الصياغات المتحاملة على حركة «المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» والعبارات المتعلقة بالقدس. وأكدنا أنه من المحمود الدعوة إلى إقامة دولتين، ولكن رفض الإشارة إلى أن أكبر عقبتين أمام تحقيق ذلك الهدف هما الاحتلال والمستوطنات يشكك في الالتزام تجاه تحقيق حل الدولتين. وشددنا على أن فهمنا للصياغة المقترحة بشأن «حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» يعني حرمان الفلسطينيين من حق الاحتجاج السلمي ضد الاحتلال، كما أن الصياغة الخاصة بالقدس متناقضة لأنها من جانب تنص على أن «قضية القدس من الأمور الخاصة بمفاوضات الوضع النهائي»، ثم تنص على «أنها يجب أن تظل عاصمة لإسرائيل، مدينة غير مقسمة ومفتوحة أمام الناس من كافة الديانات!»!
ولكن نظراً للتفوق العددي على فريق «ساندرز»، لم نستطع الفوز بكل شيء، غير أنه من خلال نقاشنا المطول بشأن هذه القضايا، وهو انتصار في حد ذاته، تمكنا من تحقيق بعض المكاسب، إذ يدعو البرنامج، الذي بات يتحدث عن حقوق الفلسطينيين، إلى ضرورة نيلهم «الاستقلال والسيادة والكرامة»، وإلى ضرورة أن «يحكم الفلسطينيون أنفسهم في دولتهم القابلة للحياة بسلام وكرامة.