دراسات (::)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (::::)
مع مضي كل يوم يزداد جرح الشعب الفلسطيني نزيفاً ، ففي الشتات يأس وضياع وتهجير متجدد وحرمان وفقدان للذاكرة وتراجع في وميض شعلة العودة ، الفلسطيني اينما يحل يبقى محاصراً ، فهو متهم دائماً ، لأنه من وجهة نظر الأنظمة العربية مجرد ملف أمني ، وزارات الداخلية العربية هي وحدها من يتعامل معه ، بدلاً من وزارات الخارجية ، كأن الأمر ترجمة لشعار سري تتبناه الدول العربية من المحيط الى الخليج ، شعارها المزيف الذي ترفعه نحب فلسطين والفلسطينيين ، لكن الحقيقة غير ذلك ، فمعاملة الأنظمة العربية زادت من غربتهم ، وحاصرت روح الكفاح في نفوسهم ، كما أنها وضعت حداً لانتظارهم فوق حقائب العودة ، لأن غالبية الأنظمة سقطت داخل شباك الصهيونية وسبقتهم لاحتضان تل ابيب ، وأقامت معها جسوراً من التحالفات العلنية والسرية .
العلاقات بين اسرائيل وكل من مصر والاردن والمغرب وقطر والسعودية وشراذم 14 آذار في لبنان ومع البحرين والامارات ، أكثر متانة وجدية وتعاوناً من العلاقة مع القيادات الفلسطينية بمختلف اسمائها ، فالتعاون مع اسرائيل العلني والسري منه يكاد أن يكون كاملاً ، في المجالات الأمنية والسياسية والمخابراتية ، ناهيك عن العلاقات الاقتصادية والإعلامية ، وغيرها ، كما أن اطرافاً فلسطينية تتعاون مع اسرائيل نكاية بالأطراف الأخرى ، وقد اعترف مراسل صحيفة ” يديعوت أحرنوت ” الذي سمح له بحضور اجتماع طارىء بين أجهزة الأمن الفلسطينية ، وضباط كبار في جيش الاحتلال عقد في مدينة بيت لحم ، هذا المراسل دهش عندما سمع أحد كبار الضباط الفلسطينيين وهو يهاجم ويحرض على رجال المقاومة من حركة حماس والجهاد الاسلامي ، واعترف بأن دهشته ازدادت عندما أعلن الضابط الفلسطيني بأن حماس والجهاد هما أعداء السلطة الوطنية قبل أن يكونوا اعداءً لإسرائيل .
وحتى نقطع الشك باليقين ها هو سفير اسرائيل في القاهرة يتصدر صفوف الضيوف في حفل زواج نجل المنشق والمتعاون ” محمد دحلان ” وبالتأكيد بأن هذا السفير سوف يتصدر كعادته صفوف المدعوين الذين سوف يشاركون بحفل افتتاح الفرع الجديد لقناة السويس الذي سيقام في السادس من هذا الشهر ، لأن نظام السيسي لا يجرؤ على تجاهل ضرورة مشاركة اسرائيل في مثل هذا الاحتفال ، خوفاً من امريكا ، ولماذا لا يشارك الوفد الاسرائيلي ما دامت السفن الاسرائيلية المدنية منها والحربية تمر من قناة السويس براحة تامة ، وما دام نفط حقول أبو ارديس يصلها دون أي عقبات ومشاكل .
هذا وغيره من الدسائس والتراجعات والهزائم أفقد غالبية أبناء الشعب الفلسطيني كل رهان أو دعم في بورصات العودة وقيام دولته المستقلة على تراب وطنه ، خسر هذه الرهانات بعد أن رأى الجيوش التي وعدته بالعودة تقاتل بعضها البعض ، كما ارتد سلاح هذه الجيوش لقتال قوى تكفيرية تم تسخيرها من قبل امريكا وحلفائها ، ومن قبل أنظمة الحكم الرجعية ، أقدمت هذه القوى على غزو الاقطار العربية تحت راية الدين ، كما فعل الفرنجة عندما هاجموا الشرق تحت راية الدين ، لكن في الحالتين كان الدين ضحية من ضحايا أهدافهم .
بعد هبوب هذه العواصف التكفيرية ، صدقها الجهلة والمفلسون فنتج عن ذلك استبدال الاسلام الحقيقي بأكثر من لون واحد من الاسلام ، فلامريكا اسلامها ، وللسعودية اسلامها ، وللإخوان اسلامهم ، ولكل فصيل من فصائل القوى التكفيرية اسلامه وعلمه الاسلامي وشعاره وامرائه ورجال الدين الذين يفتون له .
أما فلسطينيو الداخل ، القصد الخاضعين لإمارتي غزة ورام الله ، فحالهم لا يقل تعاسة عن حال اخوانهم في الشتات ، فإذا كان فلسطينيو الشتات مهددون بعدم توفر لقمة العيش ، فإن اخوانهم في الضفة والقطاع مهددون بأملاكهم وارواحهم واستمرار وجودهم ، في نفس الوقت فهم يخضعون لسلطتين قل ما نجد مثلهما في العالم من حيث توفر الأليات والقوة التنفيذية والتشريعية ، القاسم المشترك بينهما أن قوى خارجية واجنبية تحرك شراعهما ، ولا يملكان أية قوة انتاجية ، هل يمكن أن تتوفر حياة طبيعية لأي اطار سياسي عسكري شعبي ، إذا كانت الانفاق هي البديل للميناء الجوي والبحري ، وكذلك الأمر بالنسبة لإطار المقابل ، كيف له أن يستمر في حياته دون وجود أية رئة يتنفس فيها خارج الضفة الغربية ، الرئات التي يتنفس منها قادة السلطة الوطنية في رام الله والمواطنين ، جميعها اصطناعية ، اسرائيل تقوم بتشغيلها متى ارادت .
لقد عبر رئيس السلطة محمود عباس في الكلمة التي القاها أمام وفد يمثل حزب ” ميرتس ” في رام الله عن حال السلطة وعن حال الفلسطينيين ، وقد اعترف بعدم توفر الأمان لكل الفلسطينيين في وطنهم بسبب الاحتلال .
كما اعترف بحالة اليأس والعجز التي يعيشها هو شعبه ، خاصة عندما قال : ماذا أقول للناس ؟؟ الى أين أذهب ؟؟ الى من أشكو ؟؟ حقيقة أن هذه التساؤلات مرفوضة ، من حق كل فلسطيني أن يسأل نفسه ! هل هذه اسئلة ومواقف قادة ثوريين ؟ أو ورثة ثورة اعتبرت من الثورات الكبيرة التي عرفها العالم ؟ عندما يستمع سجناء الحرية وجيل الانتفاضة الأولى والثانية وأبناء الشهداء الى هذا الاستسلام وهذا الموقف الضعيف المترهل ؟؟ كيف ستكون نظرتهم للتضحيات التي قدمت ؟ وهل سيمزقون رايات الكفاح ؟؟
من حق كل فلسطيني ان يتساءل هل كان كاسترو او جيفارا او عبد الناصر او عرفات او ابو جهاد او احمد بن بيلا وهواري بو مدين او الجنرال جياف او ماوتسي تونغ وعز الدين القسام وآخرون ، هل كانوا جميعا سيتحدثون امام وفد احتلالي بهذه اللغة الباكية ؟ ان شعبنا جدير بقيادة تلائم مقاس قدراته ، ومقاس عدالة قضيته التي لا يمكن حلها بالاستجداء وفرش البسط الحمراء والسفر كرئيس دولة والاستجمام هو والوزراء والسفراء في فنادق العواصم الاوروبية والعربية وقصور مشايخ الخليج والسعودية .
بدلاً من توجه عباس الى وفد ” ميرتس ” عليه ان يتوجه الى ابناء شعبه لاستشارتهم ، ماذا بقي لهذا الشعب ان يخسره ، كان الاجدر بعباس أن يبدأ بفتح ابواب معتقلاته لإطلاق سراح المقاومين الذين كبلهم داخل سجونه ، عليه كسر القيود التي تحول وتمنع انتفاضة ثالثة ، لأن اسرائيل والاحتلال يخافان من غضبه وقوته وقدرته على تقديم الشهداء دون حساب ، عليه وقف التنسيق الأمني مع اسرائيل ، الذي يوفر كافة المعلومات للاحتلال عن القوى الرافضة ، ماذا ينتظر عباس وسلطته من نتنياهو وحكومته ، هل بمقدور العنصري محاربة العنصرية يا سيادة الرئيس ، أن هؤلاء المستوطنين خرجوا من تحت معطفه ، من تحت بزته المتطرفة ، من تحت شعاراته ودعمه للإستيطان …