دراسات …..
بقلم : سفيان الجنيدي – كاتب قلسطيني …
ما هو النظام السياسي الأمثل للنهوض بالمجتمعات العربية ؟!
منذ أفول الخلافة العثمانية، بما لها و ما عليها ، في بدايات القرن المنصرم و الانسان العربي مشغول بالسؤال الأهم: كيف السبيل الى نهوض المجتمعات العربية حتى تستطيع تبوّؤ المكانة المرموقة بين الأمم المتحضرة؟!
مساجلات طاحنة بين الحركات و الأحزاب العربية، تراشق إتهامات ما انزل الله بها من سلطان، الاف الندوات و الحلقات الحوارية ، الاف الدراسات و التي تمخض عنها الاف التوصيات، و البحث و التنقيب ما زال جارٍ عن حلول سحرية ترتقي بالامة و تعيدها الى المكانة التي تستحقها في مصاف الدول المتقدمة، لكننا للأسف ما زلنا نتذيل الأمم، متشبثين بالصفر الذي اخترعناه منذ مئات السنين، نتوق لمفارقته ، لكننا ما زلنا حائرين في النظام الأمثل الذي يخلصنا من حالات التيه و الضياع و التشرذم.
عوداً على بدء، و بالتنويه الى المساجلات بين الفرقاء الطامحين لاعتلاء المشهد السياسي في الدول العربية، يحاول كل فريق اثبات ان الحل يكمن في إزاحة الفرقاء الاخرين و ابطال صحة و مصداقية أيدلوجياتهم و أن القدر الأوحد في نهوض المجتمعات العربية و ازدهارها يكمن في تطبيق أيدلوجيته دون سواها، اذ ان أحزاب و حركات الإسلام السياسي تجد ان الحل يكمن في تطبيق الشريعة الإسلامية السمحاء و تدلل على ذلك بالإشارة الى الإنجازات العملاقة و القفزات النوعية التي حققتها المجتمعات العربية في ظل الخلافة الإسلامية الراشدة في جميع المجالات و على جميع الأصعدة، في حين ان المتحيّزون للعلمانية يخالفون فرقائهم الرأي و يؤكدون ان الحل يكمن في تطبيق المبادئ العلمانية و يفترضون صحة معتقداتهم بالتدليل الى التقدم التي حققته المجتمعات الغربية، في جميع المجالات، و التي تتخذ المبادئ العلمانية أساساً للحكم، في حين ان للاشتراكيين رأي آخر، إذ انهم يؤكدون ان النظام الاشتراكي هو الحل الأمثل لجميع المجتمعات بما فيها العربية و يستشهدون بالتفوق الصيني و تجربة الاتحاد السوفياتي البائد.
المعضلة ما زالت قائمة و لن نصل في المدى القريب لحلها، اذ ان معطيات جميع الفرقاء و افتراضاتهم و استشهاداتهم تحمل قليل من الصحة و الكثير من المغالطات، اذ ان اتخاذ الإسلام السياسي اساساً للحكم في عدة دول تمخض عنه نتائج كارثية و إخفاقات في شتى المجالات وعلى اصعدة مختلفة و التجربة السودانية و التونسية و الايرانية ماثلة و شاهدة على ذلك، و الحال ليس افضل بكثير في دول أمريكا اللاتينية و التي اتخذت المبادئ العلمانية ركائز للحكم، اما المنظومة الاشتراكية فحدث و لا حرج و إخفاقات و فشل و خراب دول أوروبا الشرقية ما زالت ماثلة امامنا.
جميع المبادئ و النظريات آنفة الذكر لا يشوبها شائبة على الصعيد النظري و لكن يجب ان تتوافر الشروط الموضوعية حتى يتم الحكم على النتائج الناجمة من تطبيقها ، اذ لا يمكن بحال من الأحوال الحكم على فشل و عدم نجاعة تطبيق أي من الشرائع السماوية او نظريات الحكم الوضعية في ظل غياب المؤسسات الوطنية المستقلة و في ظل وجود الأنظمة القمعية و استفحال الدولة العميقة و تغول الأنظمة البوليسية و محاباة و وقوف و دعم و مساندة الجيوش العربية للأنظمة الحاكمة.
ازدهار المجتمعات و تقدمها لا يحتاج الى خلطة سحرية او عصا موسى ” عليه السلام” ، و لكن يجب توافر جملة من الارهاصات و الاشتراطات لكي يتم ذلك و تحقق المجتمعات ما تصبو اليه من مكانة مرموقة بين الدول، و يمكن تلخيص اهم الاشتراطات بما يلي : قوة اقتصادية مصحوبة بقوة عسكرية في ظل وجود أنظمة منتخبة و مؤسسات وطنية فاعلة و مستقلة بالإضافة الى العدل كأهم ركيزة لاستمرار الدول و ديمومة بقائها.
ختاماً:
تأكيد فريق ما، على ان أيدلوجيته هي الحل الأمثل للنهوض في المجتمعات العربية و استمرار اشاراته و تلميحاته عن فشل نظرية او حزب ما في انتشال المجتمعات العربية من حالات التيه و الخراب و الضياع في ظل الظروف الانية التي تتسيد المشهد السياسي العربي لا يعدو عن كونه فرقعات حنجورية و تزييف وتغييب لاردة الجماهير عن الأسباب الحقيقية التي تقف خلف مظاهر الانحطاط الجاثمة على صدر المجتمعات العربية
على الفرقاء السياسين في المجتمعات العربية ان يقدموا خطاباً اكثر اعتدالاً و عليهم ان يتوقفوا عن تشويه صورة الاخر، و عليهم التحلي بالشجاعة الأدبية و الحس الوطني الصادق في اظهار الأسباب الحقيقة التي وقفت مانعاً لحركة او حزب ما في تغيير الوضع العربي الراهن.
جميع النظريات و الايدلوجيات، و لو بدرجات متفاوته، يمكنها ان تصنع المعجزات و تنتشل المجتمعات العربية من حالات الضياع و التيه و انفصام الشخصية و الوعي و لكن بتوافر اشتراطات موضوعية يأتي في مقدمتها: الدولة المدنية المحكومة بالانظمة الديموقراطية المنتخبة من الجمهور العربي و المؤسسات الوطنية الفاعلة و المستقلة تزامناً مع العدل و الذي يعتبر الركيزة الأساسية لديمومة الدول و استمرارية بقائها.