الأجيال المسلمة الجديدة.. والمواقف من الدين – بقلم : جيمس زغبي

دراسات …..
بقلم : جيمس زغبي … الولايات المتحده الامريكية
في أواخر عام 2015، أجرى «مركز زغبي لخدمات الدراسات» سبراً للآراء شارك فيه 5374 من الشباب المسلم (بين15 و34 عاماً) ينتمون لثمانية بلدان عربية هي: المغرب ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت والأردن وفلسطين، لاستطلاع مواقفهم من الهوية والعلاقات الدينية، ودور الدولة، والحاجة للإصلاح، وظاهرة التطرف الديني. وهيأت لنا نتائج الدراسة الاطلاع على مواقف هذا الجيل الذي «كثر الحديث عنه» دون أن يحظى غالباً بمن «يتحدث معه».
والشيء الذي استنتجناه عموماً هو أن الأجيال المسلمة ملتزمة بإيمانها، وتدرك الحاجة إلى تجديد الخطاب الإسلامي، وتفعيل دور المرأة في الحياة الدينية، وترى أن الدين سوف يلعب دوراً مهماً في مستقبل بلدانهم، وهم يرفضون المجموعات المتطرفة لأنها تمثل انحرافاً عن مفهوم الإيمان الذي يتمسكون به.
وفيما لاحظنا وجود اختلافات في مواقف الشبّان المشاركين في الاستطلاع بحسب دولخك، فقد لاحظنا لديهم قوة التمسك بالهوية الإسلامية ونظرتهم لإيمانهم باعتباره يمثل تنظيماً «لعلاقاتهم الروحية الخاصة» بأكثر مما يمثل «معتقدات وقوانين للتمييز بين الصح والخطأ».
والملاحظة المهمة هي أن أهمية الهوية الإسلامية كانت أكثر بروزاً في المجتمعات التعددية (كما هو الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت ومصر). فقد عبّر الشباب المسلم في هذه البلدان عن شعورهم بوجود نوع من التنافر بين «مغريات المجتمع المعاصر» وإيمانهم بالإسلام. وعندما طلبنا منهم تحديد المظاهر الأكثر تعبيراً عن إيمانهم، أجاب معظمهم بأنها تتجسّد في «الحياة وفق الآداب والأخلاقيات الإسلامية»، وعبروا عن استيائهم من المشاكل السياسية التي تواجه بعض المجتمعات المسلمة.
وفيما رفضت غالبية المستطلعين الزعم القائل بأن الدين هو مصدر الضعف الذي يعاني منه العالم العربي، وعبروا عن اعتقادهم بأن الدين يلعب دوراً أساسياً في مستقبل بلادهم، فإن آراءهم اختلفت فيما يتعلق بالدور الذي يجب أن تضطلع به الدولة لإدارة العلاقات الدينية بين المواطنين.
وانفرد الشبان المشاركون في الاستطلاع من مصر والكويت والسعودية بتبني الموقف القائل بضرورة دعم تدخل الدولة في كل ما يتعلق بتنظيم الشؤون الدينية. أما المجالات التي وافقت الغالبية على تدخل الحكومة فيها، فتتلخص في «ضمان عدم استغلال الخطاب الديني لتكريس العنف والتحريض على إثارة الفتن والكراهية»، وأيدوا منع عرض الأفلام السينمائية والأشرطة التي «تتضمن خرقاً للقيم التي تتمسك بها مجتمعاتهم».
وعبرت الغالبية العظمى من شبان الدول الثماني عن شعور بأن «اللغة المستخدمة للتعريف بالإسلام»، وبأن القضايا التي يتناولها علماء الدين والدعاة تحتاج لأن تكون أكثر ارتباطاً بالحياة المعاصرة. وهذا هو السبب الذي جعل خُطَب الجمعة إما أن تتصف «بالإسهاب والإطالة»، أو باستثارة مشاعر «الملل والضجر»، أو أنها تمثل «صوت الحكومة».
وغالباً ما يهتم الشباب المسلم بوصايا المفتي الأكبر لبلدهم، ولبقية علماء الدين البارزين باعتبارهم المرجعيات المقبولة للإفتاء في القضايا الدينية، لكن عدداً كبيراً من المشاركين في الاستطلاع أشاروا إلى أن البرامج التليفزيونية تستأثر «باهتمامهم الأكبر كمصدر للإرشاد والتوجيه الديني». واتفقت آراء الكثير منهم على الحاجة لظهور عدد أكبر من النساء كداعيات.
والشيء الذي بدا واضحاً كذلك من خلال الاستطلاع هو الرفض القاطع لدى الشبان المسلمين لدعوات الحركات المتطرفة، إذ اتفقوا جميعاً على وصفها بأنها «مناقضة تماماً للإسلام»، ورأى هؤلاء أن بعض الحكومات، وكذلك التعليم الديني المتطرف، عوامل تقف وراء التغرير ببعض الشبان ممن يلتحقون بصفوف تلك الجماعات.
والخلاصة التي يمكن استنتاجها من هذه الدراسة الاستطلاعية، هي أن المسلمين العرب يناضلون جميعاً لإيجاد مكان لهم في هذا العالم المتغير بسرعة. ولا يجوز بأي حال اعتبار هؤلاء الشبان «جيلاً ضائعاً»، ولا اعتبارهم رهطاً من الناس تعطلت عقولهم عن التفكير حول مستقبل المجتمعات التي ينتمون إليها، وليس ثمة مبرر للخوف منهم، ولا يمكننا التعامل مع التغيرات الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم العربي الآن، وسيشهدها في المستقبل، ما لم نتعمق في فهم المواقف التي يتمسك بها هؤلاء الشبان