القصة …..
بقلم : وليد رباح – الولايات المتحده الامريكية ….
الارنب الاول (1)
يوم عولت على أن اكون من رجال الاعمال ممن يجمعون الاموال بطرق في مجملها غير شريفه .. ولكن البعض منها شريف الى درجة ينز الشرف من حوافها مثلما ينز الماء من حواف زير الماء عندما يرشح .. يوم لم تكن الثلاجة قد وصلتنا بعد .. ذهبت الى سوق الدجاج في المدينه .. ومن عجب ان سوق الدجاج يحوي من الطيور وبعض الحيوانات الصغيرة ما يعجز عنه الوصف .. فهناك العصافير والارانب والببغاوات والسنور والعلوج واناثها .. ووقع نظري على ارنبين احدهما ذيله ( طويل التيله) مما كان يصدر من مصر الى العالم قبل ان تموت الارض ويعم الخراب .. وتستبدل الفراولة بالقطن .. والتفاح بالقمح .. والمنجا بالذره .. وقد كان الارنب ذكرا .. ساومت البائع فاذا به بقروش عشره .. قلت له انني قد اشتريت حمارا بخمسة وعشرين قرشا ولا يساوي الارنب في هذا الزمان سوى قروشا خمسه .. قال بكل عنجحيه .. ان اردته فخذه بالسعر الذي طلبت .. وان لم ترد فاتركه في حاله .. انه ذكر ولا كل الذكور .. يستطيع اعتلاء انثاه في كل ساعة من ساعات اليوم دون تعب او وصب .. بعد ذلك الوصف اضطررت ان ادفع من جيبي قروشا عشرة كنت قد (حوشتها) من عمل الحمار الطيب الذي يرافقني او ارافقه .. ومن ثم بحثت عن انثى وقال لي صاحبها انها ولادة تبيض في اليوم عشر بيضات .. وعندما قلت له ان الارانب لا تبيض وانما تلد وتحيض قال لي : انت جاهل يا ولد بامور الارانب .. فارنبتي تلد تارة وتضع البيض اخرى .. وعندما ساومته قال انها بقروش خمسه .. قلت : ولكنك اعطيتي ارنبا بعشره .. اجعلهما سويا بعشرة قروش .. قال : انصرف يا ولد عن وجهي والا لطمتك .. ولما كان الرجل جادا فقد استوضحت منه عن سر رخصها فقال .. لانها ضعيفة الجسد نتيجة الحمل والولاده .. وبذا فان سعرها ارخص من سعر الذكر .. قلت في نفسي .. على بركة الله وهكذا كان .. كنت قد اعددت قفصا صغيرا وضعت فيه الانثى والذكر .. ومنذ اللحظة الاولى حدثت خناقة بينهما .. وفي لحظة جحظت عيناي عجبا .. فقد تحولت الانثى من ضعيفة مسكينة الى وحش شرس مزق الجلد الخلفي لرجلي الذكر .. فاضطر لان يركن الى زاوية القفص يندب حظه .. من خلال نظرات ارسلها الي وكأنما يستعطفني ان ابعده عن (شر) تلك الانثى التي تتمسكن حتى تتمكن .. ولكني لم آبه لنظراته وقلت في نفسي ( يستاهل ) .. فكل الذكورمن بني الانسان يضربون نساءهم لان المرأة خانعة تظن نفسها ضعيفه .. ولكنها عندما تستأسد يركن الزوج في زاوية البيت ولا يفعل شيئا سوى تنفيذ اوامرها .. ومرت بذهني بعض المقالات قرأتها فيما مضى تقول : ان لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب . كنا نعيش في مخيم انتشرت فيه خيام وكالة الغوث مثلما البثور على وجه الارض الحسن .. وقد اقامت امي خلف الخيمة سياجا يحمي ( مارسها ) من اللصوص وزرعت فيه الطماطم والخس والبطاطا والفلفل الاخضروبعض الانواع التي لا اذكرها .. تلتقطه في كل صباح وتذهب به الى السوق كي نتبلغ بالقروش القليلة التي تبيع فيها بضاعتها لنشتري الخبز والطعام فلا نجوع كما كانت تقول .. لم افصح لها عن (تجارتي) بالارانب .. ولقد اصطنعت للارنبين مسربا قليل العمق تحت ارض المارس وضعت في اعلاه قطعة من الصاج اخفيتها بالتراب لكي يعيشا حياة هانئة سعيدة بانتظار المواليد الجدد .. مما اخفاهما عن الانظار . وفي اليوم التالي .. مددت يدي الى المسرب فلم اعثر على الارنبين .. ثم توغلت في المسرب فاذا كوعي لم يصل اليهما .. ثم جئت بعصا فمددتها فاذا بها تنسرب بطول يتجاوز المترين او اكثر .. واضطررت للحصول على عصا اخرى اطول منها .. ولكني لم اعثر على نهاية للمسرب الصغير الذي اصطنعته .. شاهدت القليل من التربة الحمراء الى جانب المسرب فقلت لنفسي : انهما ( اي الارنبين) قد حفرا في باطن الارض نفقا طويلا .. ولما لم اشاهد الكثير من التربة فقد ادركت او هكذا خيل لي ان الارنبين ذكيان الى درجة كافيه .. ( وهذا اكتشفته فيما بعد ) فقد كانا يحفران نفقين متوازيين احدهما للتربة والاخر للمرور .. فلا تظهر التربية الحمراء في مارس امي .. لكنكم ايها السادة سوف تعجبون .. فانظروا ما فعلته الارانب مجتمعة عندما انجبت في ارضية خيام الجيران ..
الارنب الثاني (2) بعد اشهر لا اذكر عددها شهدت بزوغ الفجر مع الارانب .. نظرت الى مارس امي فاذا المزروعات كلها قد اكلت .. ولم يبق الا الجذور .. واستفاقت امي في الصباح فقالت ( يا ويلي) هذا ما فعلته ارانبك ( بمزرعتي) هونت عليها الامر وقلت لها : ان الارانب تجلب الربح اكثر من خضرواتك التي هزلت .. فقد قرب فصل الشتاء واصفرت اوراق مزرعتك وذوت ولا فائدة ترجى من (محصولها ) الوفير .. فاستعيني بالله واصبري .. لمعت عيناها وقالت : ربما ما قلته صحيحا .. فبدلا من الخضروات نحمل للسوق الارانب .. قلت لها شرط ان يكون الربح مناصفة .. قالت : فليكن .. ولكن ما ندخره طعاما من ارانبك لا يحسب في الربح .. انه لطعامنا .. قلت : لك ذلك . للمرة الاولى ( بلغ الزفر الحلقوم ) فقد تعشينا اربنبين ضلا طريقهما نحو النفق الصغير فامسكتهما بعد عناء .. فرح ابي وزغردت امي .. وقالت من خلال زغرودتها .. ولك يا ولد مخك نظيف .. علي الطلاق من ابيك الذي يقف هناك ان مخك انظف من مخه .. انني اعطيه بعض القروش لكي يجلس في المقهى ليسمع اخبار ( صوت العرب ) فاذا به يصرفها على اصدقائه الهمل .. وكل من جاء من اصدقائه يضحكون على ذقنه فيدفع حساب الشاي والقهوة لهم .. اصبح مضحكة الناس يا ولد .. قلت لها مازحا : كيف لا وانت تعملين في بيع الخضروات وتكسبين الكثير .. وانا اصبحت من رجال الاعمال فاسرح بالحمار بعض اليوم واعتني بالارانب باقي الوقت .. قال ابي وقد تجعد وجهه .. علي الطلاق من امك التي تقف هناك ان كليكما ناقص العقل والدين .. ومد يده الى حجر صغير ففررت حتى لا يصيب عيني فاصبح اعور العين .. او يشج رأسي فاغدو اقرعا مكان الحجر لا مكان لانبات الشعر فيه .. فاذا ابي يضحك مع امي عندما عدت فقد تركتهما وغبت غيبة طويلة ربما كانا قد رسما خطة غيابي فيستفرد بها او تستفرد به .. ضحكت ملء فمي .. ولما كنت عفريتا افهم في امور الخلوة فقد قلت لامي مازحا .. ولد والا بنت .. قالت : ماذا تقصد يا ولد .. قلت : اعترفي .. قالت : لعنة الله عليك .. وعلى ابيك الذي علمك ان تكون زنديقا .. ضحك ابي حتى بانت نواجذه .. ومن ثم خرجت لكي العب ( طابة الشرايط مما يسمونه الكوره الشراب ) .. ومن خلال اللعب رأيت ابي وقد مشط الشعرتين اللتين تقبعان فوق صلعته احداهما الى اليمين واخرى الى الشمال لكي يستر عورة رأسه .. ذاهبا الى القهوة لكي يسمع انشودة : امجاد يا عرب امجاد من صوت العرب . على مدار الايام التي مضت كنت اختلس النظر الى مزرعة امي فارى الارانب في بهيم الليل تخرج الى المارس الذي قرضته وتلعب .. وكنت ارى عيونها تلمع في ظلام الليل حمراء زاهية واحيانا مخيفه .. وكنت احلم بالمال الوفير والرزق العميم وانا اراها تزداد عددا .. وعند الصباح .. كنت اذهب الى المارس متلصصا لارى الكثير من الارانب الصغيرة التي ولدت حديثا .. تلعب مع كبارها وقد قضمت بعض ما بقي من اعشاب امي وتمضغه دون ان تفتح فاها .. بل تحرك مناخرها فقط .. وفي ليلة ليلاء ونحن نيام .. سمعنا صرخة من جارنا ( عثمان ) .. وبعد الصرخة سبابا وشتائم يندى لها جبين الارانب .. وكانت الشتيمة تطال ابي .. وتفزع امي .. فاذا جزءا من المخيم الغارق في ظلام الليل يستفيق .. واذا بعثمان قد خرج الى العراء مع عائلته يصرخ ويستنجد ويستغيث .. وعندم اجتمع القوم حوله قال بنرفزه : يا جماعه .. وانا نائم واحلم في امان الله : سمعت هسيسا .. ثم تعفر وجهي بالتراب .. ظننت انه حرامي فهرعت الى عصاي .. ولكني لم ار لصا .. ولكني رأيت مجموعة من الارانب قد حفرت نفقا في ارض الخيمة وهاجمت الخيمة من كل جوانبها .. ضحك الناس ملء اشداقهم .. وقال احدهم : هون عليك يا عثمان .. انه رزق اتاك دون ان تدري .. ما بالك ان تلقي القبض على بعض الارانب فتتعشى وتتغدى دون ان تخبر احدا .. وكأنما عثمان كان نائما فاستفاق فجأة .. قالت زوجته : والله فكره .. نحن لم ( نتزفر ) منذ زمن .. وهكذا اخذت الارانب تتناقص يوما بعد يوم بدلا من زيادة اعدادها .. وبدلا من ان يتلقى ابي جملة الشتائم والصراخ والزعيق .. اخذ الناس في المخيم يحترمونه الى ابعد حدود الاحترام .. فقد هاجمت الارانب الخيام من داخلها بفعل الجوع .. بعد ان فرغت من قرض كل الخضراوات التي عمت مزرعة امي في الصيف .. ليتحول الشتاء الى جيش من الارانب جائع لا يجد ما يتبلغ به فيهاجم الخيام لكي يأكل ..
الارنب االاخير حملت امي بعض الارانب لبيعها في سوق الدجاج .. كنت ارافقها وانا امني نفسي ببعض العملة الورقية اشتري بها بغلا بدل الحمار الذي رأيت في عينيه الحمراوين بعض النعاس .. قلت لنفسي لقد اصبح الحمار عاجزا .. والبغل اقوى شكيمة ويمتلك العزيمة على العمل دون تكاسل .. ولكني فوجئت وامي ببعض جيراننا يحملون الارانب ايضا ويعرضونها للبيع في السوق .. وظننت للوهلة الاولى انهم قد ( سرقوا ) البزنس الذي بذلت فيه مجهودا كبيرا .. ولكن امي افهمتني ان الذي يحملونه ( ارانبنا ) انها تسرح في الليل وتحفر انفاقا تؤدي الى الخيام فيقبض عليها الجيران لبيعها .. وهكذا امضينا النهار بانتظار ان يشتري احدا بعض الارانب ولكن ذلك لم يحدث .. فقد بيعت ارانب جيراننا .. وبقيت ارانبنا ترمقنا بنظراتها الكسيرة فعدنا بها الى البيت لنطبخ بعضها . في الايام التي تلت .. اصبحت وجبتنا الرئيسة بعض الارانب .. فقد كسدت تجارتها .. ولكني رأيت بعض الجيران بملابس جديدة فادركت ان البزنس الذي انشأته قد عم المخيم .. وان رائحة الشواء اليومي والطبخ المسائي كلها تنبىء انني كنت السبب الاول في انتشار الارانب في الخيام. كانت امي تتميز غيظا .. ولكنها لم تجد برهانا واحدا يدفعها لان تقيم قضية في المحكمة لايقاف هذه السرقة المكشوفة .. فالكل يمكن ان يقول انه اشترى الارانب .. وقد يقول للقاضي ان باستطاعته الكشف على ارضية الخيمة لكي يثبت ملكيته للارانب .. وفي يوم من الايام جمع ابي شجاعته وقال لي ولها ضاحكا ومن ثم مقهقها .. الحمد لله .. فقد ذهبت جهودكما ادراج الرياح .. انتم ربيتم وغيركم أكل .. تماما مثلما احتلت اسرائيل بيوتنا واستولت على ارضنا .. فقد بقينا فيها الاف السنين نزرع ونحصد ونبني ومن ثم جاءها اليهود فاستولوا عليها ببساطه .. وما ذلك الا لاننا هربنا وتركناها لهم .. لو بقينا فيها ومتنا هناك كان اشرف لنا .. الارانب التي تبحثون عنها ليست الا ارانب .. اما الارانب الحقيقية فنحن .. ومثلما تهرب الارانب عندما تجابه الخطر .. فقد هربنا .. وتركنا اراضينا لهم .. قالت امي : ما دخل هذا بذاك .. انت تهذي يا رجل .. قال ابي : لعنة الله عليك .. لو انك تسمعين صوت العرب كما اسمعها كل يوم ما نطقت بهذا الكفر .. وخرج صوتاهما فاخذ الناس في المخيم يققون امام خيمتنا بانتظار نتيجة المعركة التي كانت كلامية في البداية ثم انتقلت الى اللكم والركل .. وهكذا فرح الناس في الخارج .. خاصة جارتنا ام العبد التي كانت على خلاف دائم مع امي .. فقد كانت تشجع ابي صارخه : يا علي .. اضربها علقة .. فهذه المرأة لا تركن الى الهدوء الا عندما تضرب .. وهكذا انتقل الشجار الى الجاره .. ثم امتد الى هذا وذاك فوقعت الواقعة فاصبح الكل يضرب الكل .. ومن خلال الضرب والشتائم .. جمعت شماشيري وركبت الحمار متجها الى لا مكان .. في كل يوم كنت ارى الناس في المخيم يحملون الارانب ويتجهون بها الى المدينة او الى القريه .. اما أنا .. فقد فكرت في استخدم حظيرة الخيمة الخلفية لانشاء بزنس آخر يمكن ان يدر علينا الربح .. وشاركت امي في الامر فلم تنصحني بشىء .. ومن خلال جهدي التفكيري ( لاحظوا ليس التكفيري ) عولت على ان اشتري بغلا .. فقد ذهب الشتاء واصبحت الشمس ترقص في السماء كأنما تنادينا ان نعمل بجد وجهد لكي نعيش .. واخذت احلم بالخير العميم عندما اشتري البغل .. ومثلما كان جحا يحلم انه يتاجر بالبيض فقد حلمت باستخدام البغل في البزنس القادم .. ولكن جحا رفس سلة البيض فتكسر ما فيها .. وقلت لنفسي .. البيض ينكسر .. اما البغل فانه قوي لا يكسر .. فليكن البزنس القادم هو البغل .. ومن ثم في ظلام الليل والناس نيام كان ابي ساهرا .. فاستشرته بالامر فضحك وقال : يا بني .. لا تجهد نفسك في التفكير .. ان البغل يحتاج الى مصروفات لا تقدر عليها .. فاولا يحتاج البغل الى مكان آمن حتى لا يسرقه اهل المخيم .. وقد يدهنونه بدهان مغاير للونه فلا تعرفه .. وقد يبيعونه في سوق ( الحمير ) فلا تعرفه .. وقد يرفسك فتنتهي حياتك .. فكر في امر مغاير .. ومن خلال التفكير في كيفية العيش .. كان ابي يقول دائما : لماذا تركنا بيوتنا وارضنا .. لو اننا متنا هناك لكان ذلك افضل .. وكانت امي تنهره .. وظل ابي يحلم .. وظلت امي تنهره حتى انتقل الى رحمة الله .. ولكن امي التي كانت تحبه مثل عينيها .. لم تعش بعد انتقاله الى العالم الاخر طويلا .. فبعد شهرين من موته .. لحقته الى مقبرة المخيم .. ليلتقيا سويا ويشرفا على ارضهما التي سرقت من خلال النظر اليها من عل .. وهكذا جئنا الى نهاية ارانب في حظيرتي .. وتصبحون على خير .