القصة ….
قصة قصيرة/ بقلم : ماجد عاطف – فلسطين المحتلة …
بعد تجميع صحون الغداء، تبعته خطيبته إلى المطبخ وتركت والديها في الصالون. أشعل الغاز ووضع القهوة على النار. انتبهت إلى أنابيب الغاز التي تأتي من الخارج. سألته لتخلق حديثاً ودّيا:
-تضع جرة الغاز في الخارج.. ألا تخاف من سرقتها؟؟
-لا.
-وضعت لها صندوقا بقفل؟
-لا.
لم تكن لديه جرّة للغاز. حوّل الحفرة الامتصاصية، جورة المجاري، إلى مفاعل حيوي. تمكث مخلفّات المرحاض في الحفرة المحكمة عدة أسابيع دون أوكسجين، وتتحلل المخلّفات مصدرة غاز الميثان المتصاعد إلى السقف الاسمنتي المحكم للحفرة الامتصاصية، ومن هناك تتجمع في خزّان تحت الأرض، ثم إلى المطبخ عبر أنابيب. كان لديه احتياطي دائم من غاز الطهي.
كانت تنتظر جوابه بعينين متسائلتين. حدق في الوجه الصبوح والعدستين الُبنيّتين. لو أخبرها، لرفضت شرب القهوة! ستستفسر أكثر لا بد، وستفهم أن تصريف السائل المتخلف عبر محبس في الأرض السفلية، كل عدة أسابيع، سيقع على عاتقها، وعندها لن تظل بعقلها! لن تفهم أن المكرهة زالت منه، وأنه مجرد سماد.
-بعد أن نتزوّج أخبرك.
كان جوابا غريبا بالنظر إلى أنه ليس سرّا. سكتت محرجة، خاصة أن نية الحديث الودي لم تنجح.
حمل القهوة إلى حمويه المنتظرين، والديها. لسوء حظه وقعت بين يدي حماه فاتورة كهرباء كانت موضوعة على المنضدة الجانبية، لم يدفعها. انتبه الحمو إلى المبلغ المطلوب القليل جدا، أجرة العداد فقط، فاستغرب واستفسر، حريصاً على رفاهية ابنته في المستقبل، عن الغسّالة والمجلى والفرن.
شرح لهما أن الكهرباء تصله، ولكنه يستعمل الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء وتخزينها. لا مجلى ولا فرن كهربائيين. لم يقل هذا، ولكنه كان مفهوماً عندما أشار إلى أن الغسالة لديه جديدة. في الحقيقة لا يستعملها. ملابسه الناعمة يفركها باليد، أمّا التي تحتمل الجهد، فينقعها مع مسحوق الغسيل في اللجن الواسع، ثم يطأها بقدميه العاريتين ربع ساعة، وهوب.. تصبح نظيفة بعد الشطف والتجفيف!
-كم تستهلك من الماء؟
صار تحقيقا!
لا يصله ماء الشركة، وهو لا يدفع فاتورة. البئر كبير ووضع عليه “ماتورا” يرفع الماء إلى السطح، وهو يكفيه طوال الشتاء. طمأنهما إلى وجود الحمام الشمسي والخزّان. قال هذا بتحفّظ أقرب للغضب.
امتدحت حماته هذه الحياة الأصيلة، كما كانوا في الماضي يعيشون. كانت تجامله فقط، فلا يظن أنها راضية حقا هي المدينية التي لولا عيشه في أوروبا، لاعتبرته قرويا وتعالت عليه. لم يعد يتعب نفسه في أراء الآخرين، وهذا تعلّمه من غربته، قبل أن يعود إلى قريته البسيطة. أن يتدبر أموره، حتى لو لم تقنع غيره.
تبعته الخطيبة ثانية إلى المطبخ وهو يعود بالفناجين. يبدو أنها فهمت شيئا.. تبسّمت له كما تفعّل أنثى بيتت نية ما، وسألته:
-والغاز؟!
تحمل شهادة جامعية مع أنها لا تعمل، ولا بد أن دروس كيمياء قد مرّت عليها، ولديها أفكار لا حاجة الآن بتأكيدها أو نفيها. سيتركها تختبر الأمور عمليا.
-بعد الزواج.. بعد الزواج. المهم أن الغاز متوفر وهو يعمل.
وليؤكد كلامه أو يحرف انتباهها، أشعل لها العين المستديرة. لم تستنتج شيئا من الشعلة خفيفة الزرقة، القوية. من ناحيته، كان يفكّر أنهما الآن سيصبحان اثنين، وفي المستقبل -عند مجيء الأطفال- أكثر، وستكثر بالتالي المخلّفات. ومع النفايات المنزلية القابلة للتحلل والفرم، سيصير لديه احتياطي من الغاز يصدّر منه إلى الجيران، كما يحدث أحيانا مع شركة الكهرباء!! المشكلة فقط في السائل المتبقي، أشبه بالسماد العضوي، المحتاج إلى تصريف، والذي يوضع على عروق الأشجار، ثم يُطمر.
كانت تنظر إليه بدهشة ممتلئة بالاستغراب، حادسة، ربما، ما ينتظرها..