شعر : جميل الدويهي
الشعر …
أمشي على البحر علّي ألتقي وطناً
فيه السماءُ عصافيرٌ وألوانُ
يردّني بعدما أمعنتُ في سفَري
وصار بيني وبين العطر جُدرانُ
أقيمُ في خيمةٍ لا الشمسُ تدخلُها…
ولا يجيبُ إذا ناديتُ، إنسانُ
عندي رداءٌ من الأوجاع ألبَسُه…
مرّتْ عليه أعاصيرٌ، وأزمانُ
ويسأل الناسُ عن إسمي، وعن بلَدي
وليس لي في بلاد اللهِ عنوانُ…
نِصْفي هناك، ولي نصْفٌ أعيشُ به
فكيف أمْشي، وكلُّ الدرب أحزانُ؟
وكيف يعْرفُني بيتي وأعْرفُه؟
وكيف يرقصُ بين الورد نَيسان؟
ومَن أنا؟ شاعرٌ طال الرحيل به
وفي مواعيدِه جوعٌ… وحِرمانُ
يشتاقُ للخبز أقماراً مدوّرةً
هل من رغيفٍ؟ وهل في الحيّ جيران؟
وهل أعود إلى الوادي؟ فلي شجرٌ
هناكَ يضحكُ… تفّاح ورمّانُ
والنَّهر طفلٌ على كفّي أهدهدُه
والقمحُ فوق التلالِ الخضرِ سلطانُ
كان الصباح شبابيكاً مشرّعةً
وتملأُ الدارَ من فيروزَ ألحانُ
كان الربيع جميلاً في حديقتنا
والآن ما فيه أزهار… وأغصانُ…
وكان لي جارةٌ سمراءُ تغمزُ لي
ولم يكنْ بينَنا بحرٌ وشطآنُ…
وكنتُ أشربُ من فِنجان قهوتِها
فكلّما استقبلتْني، قلتُ: عطشانُ
تلك التصاويرُ ما زالت بذاكرتي
والكلُّ من بعْدِها طينٌ، وأوثانُ
طيّارتي وَرقٌ، في الريح أتبعُها
إلى هضابٍ عليها الحورُ والبانُ
فإنْ رَجَعتُ إلى لبنانَ، لي سببٌ
فالحبّ عندي لبعض الناس إدمانُ
هناك طفل صغيرٌ لا يزال معي
ولو يغيبُ…فإنّ العمرَ نِسيانُ…
هناك لي وطنٌ… لولا أغادرُه
أصيرُ أعمى، وحولي الناسُ عميانُ.
******
د. جميل الدويهي اديب لبناني مغترب صاحب موقع أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني 2021