إقامة منطقة صناعية حرة بين الأردن والكيان الإسرائيلي!! بقلم : بكر السباتين

دراسات ….
بقلم : بكر السباتين ….
الطوفان مهما طغى لا يدفن الحلم الفلسطيني..
ليسألوا أصغر طفل فلسطيني غير مُقَمَّطٍ عن ذلك فيبللهم بالجواب..
إذا جف ضرع وادي عربة فكيف نأمن من الذئب على الحملان!!
وأسئلة أخرى
الكيان الإسرائيلي في الأصل كان  مشروعاً اقتصادياً حيث قبض اللورد البريطاني اليهودي روتشيلد كثمن لدعمه المالي لبريطانيا في الحرب العالمية الأولى وعداً من  بلفور عام 1907 يمنح اليهود درة الشرق (فلسطين) لمتشردين يهود حذفتهم الحروب والأحقاد الأوربية إلى مشرقنا العربي حتى لا تقوم للعرب من بعد ذلك قائمة.. من هنا فإن المشروع الاقتصادي إذا لم ينسجم في محيطه إلا من خلال منظومة المصالح فإنه سيظل تكويناً نافراً غير مرغوب فيه فيعتمد من أجل صموده على إشاعة طاقة الخوف والإغراءات والضغوطات في صراع وجودي على البقاء.. من هنا كانت كل اتفاقيات السلام التي أبرمت مع الكيان الصهيوني منذ نكبة فلسطين عام ثمانية وأربعين حتى يومنا هذا مجرد إملاءات يفرضها الطرف الأقوى الذي يتحكم بجميع الخيوط والمخول بكتابة التاريخ على حساب الطرف الأضعف، وكأن هذه الاتفاقيات ما أبرمت إلا  لمصلحة ما يسمى بإسرائيل إضافة للنخب الاقتصادية والسلطوية في الطرف الآخر، والمشروطة أمنياً بالدرجة الأولى. ورغم ذلك بقيت هذه المعاهدات حبيسة المؤسسات الرسمية وقوانينها الجائرة أحياناً، والمستنفعين من المطبعين والمدرجين في الوعي الشعبي كفئة خائنة فاسدة.  معتبرين أن الكيان المحتل لفلسطين يستمد طاقة البقاء من الدم الفلسطيني وموارده الطبيعية المنهوبة!
وفي هذا السياق ينبغي أن ندرك بأن معاهدة أوسلو مثلاً ما ولدت إلا لتدوير وإعادة إنتاج المطالب الفلسطينية لتبقى تدور في دورة مفرغة  لا تستقر على نتيجة، حتى تشرذم قواها المركزية الطاردة  كل تفاصيل الحق الفلسطيني، والنتيجة أن المفاوض الفلسطيني سيظل منشغلاً فقط بتجميع الأوراق التي تبعثرها الأزمات والجرائم المتعاقبة على الشعب الفلسطيني وضياع الأرض التي باتت لقمة سائغة في فم الاستيطان مفتوح الشهية..  فيما تكبح الإرادات ويهدر الوقت. وهذا خطير في الحسابات الراهنة لكن الذاكرة الفلسطينية تظل حية لا تبور.. فما أن تستنفذ هذه الاتفاقية دورها المرسوم؛ فإنها تحفظ في ثلاجة الموتى كي لا تأكل الديدان ملامحها في مقبرة الحقوق المهدورة.. فقط يعاد ذكرها كلما قصر الطرف الفلسطيني في دوره الأمني المنوط به لحماية المستوطنات.. وتبقى الحقوق المالية المتفق عليها في  بند الضرائب مجرد ورقة ضغط إسرائيلية على الفلسطينيين كلما هزت الجراء ذيولها.. ربما انتبه الشهيد ياسر عرفات بعد قيام السلطة في عهده إلى خطورة هذه الورقة فأوعز لمحمد رشيد بإنشاء الشركة الفلسطينية للاستثمار لدعم الصندوق السيادي الفلسطيني، وحصل أن شغلت الشركة مع الملياردير المصري نجيب سويرس مبلغ 250 مليون ليقفل الصندوق بعدها على مليار ونصف المليار دولار بضغوطات أمريكية بموجب قرار محكمة نيويورك الأمريكية الذي سجل لصالح مجموعات يهودية دعت لتجميد أرصدة السلطة في الخارج على دعوى قضائية تتهم السلطة بالإرهاب!!!!.. ولكن ما أن سلم محمد رشيد موجودات الصندوق إلى زمرة محمود عباس حتى نهبت الأموال بدون تغطية مقنعة كما أكد ذلك محمد رشيد عبر قناة العربية . ولكن يجب أن لا ننسى بأن أوسلو مهدت الطريق أمام الدول العربية للتعاون السري أو العلني مع الكيان الإسرائيلي وخاصة بعد دخول هذا الكيان إلى العقل العربي الخليجي المصاب بفوبيا إيران مستعرضاً قدراته في ضمانه للأمن القومي الخليجي لمواجهة إيران كما صرح بذلك ملك البحرين، ناهيك عن مشاركة هذا الكيان المراوغ في محور المواجهة مع نظام الأسد إبان الأزمة السورية المتفاقمة!، خلافاً لحقيقة أن مجرد تنظيمات صغيرة مثل حزب الله وحماس تمكنت من كسر أسطورته التي تدعي بأنه لا يهزم.
أما بالنسبة لمعاهدة كامب ديفيد التي وقعها السادات مع بيغن في الخامس والسبعين من القرن الماضي، فقد ظلت متعثرة من ناحية التطبيع الثقافي والاقتصادي رغم بعض النجاحات الأخيرة بالحصول على محاصصة نسبية مع روسيا في إنشاء منطقة صناعية حرة في سيناء  التي وقع بوتين عقد استئجارها مع السيسي لمدة تصل حتى منتصف العقد الثالث من القرن الجاري، وذلك في حوض تفريعة قناة السويس الجديدة هذا بالرغم من  وجود معوقات كبيرة تتعلق بموقف الشعب المصري الرافض للتطبيع في الوقت الذي ما زالت فيه الجماعات المسلحة والمتهمة بالإرهاب تصول وتجول في سيناء. رغم قصفها من قبل الطيران المصري من جهة والإسرائيلي من جهة أخرى. ولكن بالمحصلة فأن التنافس المصري الإسرائيلي قاد الأخير ليتمدد في أفريقيا ويسيطر مع الصينيين على حصص مغرية في سد النهضة الأثيوبي الذي شكل ضربة قوية للتنمية الشاملة في كل من مصر والسودان، بالإضافة إلى سيطرة ذلك الكيان المحتل أيضاً على تجارة الماس في وسط القارة السوداء على حساب التجارة العربية التي ضربت في قلب القارة الإفريقية في الصميم.
أما الموضوع بالنسبة لاتفاقية وادي عربة التي أبرمت بين الأردن والكيان الإسرائيلي فأمرها يختلف قليلاً لعدة اعتبارات.. فالأردن الذي تعيش فيه أكبر شريحة من اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا أرضهم في فلسطين عام ثمانية وأربعين وساهموا ببناء الأردن من باب المواطنة كأردنيين مخلصين في انتمائهم .. الأردن الذي فقد الضفة الغربية بعد دفاع مستميت عنها في السابع والستين فقدم لأجلها الشهداء على اعتبارها حينذاك كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية قبل فك الارتباط.. لذلك كان على الأردن أن يمارس الدور الضاغط على الكيان الإسرائيلي لنفض الغبار عن ملفات أوسلو، وهو الدور الذي عجز الأردن عن تنفيذه ربما لضغوطات أمريكية أو رغبته بعد الدخول في صراعات غير محسوبة مع الكيان الإسرائيلي الغادر، في المحصلة أستطيع أن أقول بأن فصل المسارات دفع الأردن للتعمق في العلاقة الاقتصادية وتهيئة التطبيع الشعبي لقبول الكيان الإسرائيلي كأمر واقع.. ورغم عدم نجاح التطبيع الاجتماعي والثقافي لكنه ازدهر اقتصادياً على حساب الملف الفلسطيني وحقوق الشعب الفلسطيني وهي نقطة تسجل علية، بينما ظل الشعب الأردني بكل فئاته ينظر إلى المطبعين كخونة وفاسدين حتى أن جميع مؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية تفرض في حلف الأيمان الالتزام بعد التطبيع مع العدو الإسرائيلي. وحتى نسلط الضوء على خطورة الموقف وخاصة بعد ما كشفته جريدة (غلوبوس) الاقتصادية الإسرائيلية في يناير العام الجاري بخصوص البدء بتنفيذ إقامة منطقة صناعية حرة بين الأردن والكيان الإسرائيلي، فإنه لا بد من العودة إلى  تاريخ معاهدة وادي عربة المشئومة التي أبرمت بتاريخ 26أكتوبر 1994 بين المملكة الأردنية الهاشمية والكيان الإسرائيلي..  وطبقا للمادة (7) من معاهدة السلام والتزاما بالبند (ب2) من المادة ذاتها والتي تدعو بالتحديد إلى التفاوض بشأن التوصل إلى اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري، تم التوقيع على اتفاقية للتعاون التجاري الاقتصادي بين الجانبين العام 1995.
واتفق الطرفان بحسب ما جاء في الاتفاقية على “إزالة حواجز التمييز التي تعتبر معيقة لتحقيق علاقات اقتصادية طبيعية، وإنهاء المقاطعات الاقتصادية الموجهة ضد الطرف الآخر”. مما قد يفرض مواجهات داخلية في الأردن بين الحكومة من جهة ومؤسسات المجتمع المدني الرافضة للتطبيع، وحسابات هذا الأمر غير مضمونة النتائج.
وفي العام 1997 صدرت الإرادة الملكية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء رقم (2281) تاريخ 6/12/1997 والمتضمن الموافقة على الاتفاقية المتعلقة بالمناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) بين المملكة الأردنية الهاشمية و”إسرائيل”.
وظهرت اتفاقية المناطق الصناعية الـ QIZ المؤهلة كملحق إضافي لاتفاقية منطقة التجارة الحرة الأميركية الإسرائيلية، وتقوم بتوسيع المعاملة التفضيلية من دون رسوم جمركية للأسواق الأميركية الممنوحة للمنتجات الإسرائيلية المنشأ، بموجب اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأميركية الإسرائيلية في العام 1985 لتشمل أيضا الصادرات القادمة من المناطق الصناعية المؤهلة بشرط أن تحقق متطلبات قاعدة المنشأ.
إن ما كشفته صحيفة “غلوبوس” الاقتصادية يقول الكثير ويثير الدهشة، حيث أكد التقرير بأنه بدأت في الأيام الأخيرة عملية تجهيز الأرض لبناء منطقة تجارة مشتركة أردنية إسرائيلية، عند جسر الشيخ حسين.  وهو ما ينفيه الجانب الأردني مدعياً أن العملية مجرد توسعة للمنطقة الحرة القائمة عند جسر الملك حسين، ويأتي هذا النفي خلافاً لما جاء في التقرير. فقد أشارت الصحيفة أيضاً إلى إن أعمال البناء الفعلية في المنطقة ستبدأ في شهر آذار (مارس) المقبل، مبينة أن القرار الإسرائيلي الفعلي بخصوص المنطقة صدر قبل 3 أعوام (وتحديدا في نهاية العام 2013).
وحسب التقرير الإسرائيلي، فإنه سيكون بإمكان مستثمرين إسرائيليين إقامة خطوط إنتاج تكلفتها رخيصة في الجانب الأردني، بفضل الراتب المتدني نسبيا الذي يُدفع في المملكة الأردنية، وفي المقابل ستقام في الجانب الإسرائيلي مخازن لوجستية ومكاتب، وسيكون بإمكان الإسرائيليين أن يُدخِلوا إلى الجانب الأردني مواد خام، وأن يُخرِجوا من الجانب الأردني منتجات جاهزة.
وحسب المخطط، فإن المنطقة الصناعية المشتركة، ستسمح بالتنقل الحر في داخل المنطقة، للعاملين والآليات.
وتقول صحيفة “غلوبوس” إن الفكرة الأساسية القائمة عليها المنطقة هو الاستفادة من الأجور المنخفضة للعمال الأردنيين، مقارنة مع معدلات الأجور الإسرائيلية. إلا أن الصحيفة ادعت أن الأجرة اليومية للعامل الأردني لا تتعدى ثلاثة دنانير! بينما واقع الحال مختلف تماما.
وبين التقرير الإسرائيلي أن الأعمال في المنطقة الحرة تتم بهدوء، وكانت الحكومة الإسرائيلية أقرت في أواخر العام 2013، الشروع بالمشروع، الذي سيمتد على مساحة تقارب ألف دونم، 700 دونم منها في الأراضي الأردنية، بينما حوالي 275 دونما في جانب فلسطين المحتلة منذ العام 1948، عند معبر الشيخ حسين.
وسيسري في الجانب الإسرائيلي القانون الإسرائيلي، وفي الجانب الأردني القانون الأردني، وستكون حركة حرّة في المنطقة بين الجانبين من دون تأشيرات، ولكن لن يكون مسموح للإسرائيليين الانتقال من المنطقة إلى داخل الأردن، أو انتقال أردنيين إلى داخل فلسطين (المحتلة) عام 48.
أما بخصوص المنتجات، فسيكون لكل جانب الحق في وضع علامة الدولة التي تخصه، دون الإشارة إلى المنطقة الصناعية المشتركة، بمعنى أن البضائع التي ستصنع في مصانع الجانب الأردنية، سيكتب عليها إنتاج الأردن ربما للتحايل على الدول التي تقاطع شعوبها الكيان الإسرائيلي كما هو حال الشعوب الأوربية. أو حتى المستهلك العربي والمحلي.
وحسب التقرير، فإن الكيان الإسرائيلي سيمول تكاليف الإنشاءات المشتركة، مثل الجسر الجديد فوق نهر الأردن بكلفة تعادل 17 مليون دولار. إضافة إلى تخصيص 52 مليون دولار للمنشآت في الجانب الإسرائيلي.
وبحسب الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، فقد انخفضت قيمة مستوردات المملكة من الكيان الإسرائيلي خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي لتبلغ 18.7 مليون دينار مقارنة مع 27.6 مليون دينار في الفترة نفسها من العام السابق.
ومن أبرز ما يستورده الأردن من الكيان المحتل المنتجات الزراعية كفواكه الكاكا والمانجا إلى جانب الحلي والأحجار الكريمة والزيوت النباتية.
وصعيد الصادرات، انخفضت قيمة الصادرات الوطنية إلى الكيان الإسرائيلي خلال فترة المقارنة 21 %، لتصل إلى 39.02 مليون دينار، مقارنة مع 49.3 مليون دينار في نفس الفترة من العام الذي سبقه. ولكن الأسئلة الملحة لا يتعبها الانتظار..
فإذا كان الأردن يطمح بتصدير البضائع إلى أوروبا عبر ميناء حيفا كما هو الأمر مسبقاً فلماذا يقيم الكيان المحتل مصانعه في هذه المنطقة البعيدة عن الميناء!؟ هل لنقلها عبر الطريق البري الذي تكفلت السعودية بصيانته والمتجه إلى خليج العقبة! أم أن هناك ما يشير إلى احتمال دخول تلك البضائع التي قد يسجل عليها صنع في الأردن تمويهاً!!! إلى الأراضي الخليجية!؟ أيضاً ألا تحتاج هذه المنطقة الحرة المزمع إقامة الجزء الأكبر منها على الأراضي الأردنية إلى حماية مشتركة أردنية إسرائيلية! وإلى أي مدى يتم التنسيق العسكري في هذا الشأن بين الأردن والعدو الصهيوني! وخاصة أن المدينة تقع على مشارف الحدود السورية واللبنانية  الملتهبة والتي أشغلت الرأي العام الأردني إلى درجة أنه بات لا يرى ما يدور من حوله تحت الأرض وفوقها بدئاً  من الانفتاح التجاري على الكيان المحتل وخاصة اتفاقية نهب الغاز الفلسطيني وبيعه للأردن، ومشروع قناة البحرين الذي سيزود البلدين بالطاقة الكهربائية والمياه متعددة الاستخدام، وأخيراً إقرار البرلمان الأردني السابق لقانون الاستثمار في آخر عهد حكومة نسور ديسمبر 2015 ..!؟ والسؤال الأهم هو ” ما هي الفاتورة القاسية التي ننتظرها من هذا المشروع الذي أعيد إحياءه بعد انتهاء مؤتمر القمة العربية الثامن والعشرين الذي أختتم أعماله في البحر الميت مؤخراً! ماذا ينتظر القضية الفلسطينية من مصائب!؟ في المحصلة كل هذا الطوفان لا يدفن الحلم الفلسطيني بالعودة والتحرير.. ليسألوا أصغر طفل فلسطيني غير مُقَمَّطٍ عن ذلك فيبللهم بالجواب.. فإذا جف ضرع معاهدة وادي عربة الحلوب فكيف نأمن من الذئب على الحملان!!