القصة …..
راوية وادي – كندا …
قالَ و صوتهِ الساخر و نبرة القهقهة التي تحملُ المرارةَ.. وصلت لصاحبهِ عبر الهاتف: أقولك شغلة مش عارف بتضحك و لا بتبكي، و استطرد: تعرف الواحد فينا لازم ينتبه لما يتمنى و يرغب بشدة .. علشان ما يندم بعدين و استطرد .. تعرف ستى كانت زمان تقول: أحسنوا الأماني فلا أحد يعرف ساعة الإستجابة. قاطعه صاحبه و قد أشتعل قلبه بالفضول و القلق .. خير يا راجل ايش صاير .. احكي أنا سامعك.
قبل شهر من اليوم و قبل اجتياح كورونا لحياتنا، و احتلالها النصيب الأكبر مما يشغل البال، و يعطل الأحوال، كنت اعترض دائماً على كثرة خروج زوجتي مع أخواتها و صديقاتها للمقاهي التي تملأ المدينة، و الأسواق التي كانت تسلب بالشمال ما أكد لأحصل عليه باليمين، كنت لا أمل من كثرة ما أعلق على ذلك…. و أبدي اعتراضي عليه. و قد دعوت الله في آخر مرة و قبل الحجر المنزلي قائلاَ: الهي يا مرتي ما تخطي برة البيت لا على مقهى و لا سوق من هين لستة شهور و تجلسي في البيت ما تشوفي غيري.
مضى أول اسبوع من الحجرعلينا أنا و زوجتي لنكتشف أننا لم نكن نعرف طباع بعضنا البعض بما فيه الكفاية، و مضى الإسبوع الثاني و نحن يحتمل فينا الواحد الآخر بشق النفس. و الإسبوع الثالث بدأت أصوات الغضب و النبرة الخلاف تُنهي كل نقاش بينا،أما الإسبوع الرابع فأصبحناً كنزلاء فندق ارغموا على مشاركة الإقامة في غرفة واحدة.
كنت أنظر لوجه زوجتي العابس المكتئب كأنها أبو الهول و لم تعد تنطق بكلمة- و هي التي لم تكن تطيق الصمت لثلاث دقائق و قد كانت كثيرة القصص و الحداويت و المزاح- و حين أسألها أي شيء تهز رأسها بالإجابة و تقول الصمت أحسن من الخناق و النكد لأنه ليس من مكان آخر تهرب مني إليه.
بدأت أحس بتأنيب الضمير لتلك الأمنية و ذلك الدعاء، فقررت أن أعترف لعلي أستريح و يكف ضميري عن طرق تلك المطرقة على رأسي كلما رأيتها تبكي، تعشينا و الحمد لله أنا فعلنا ذلك أولاً- قلت لها : لدي اعتراف صغير أتمنى أن يضحكك و أنا أحاول أن أبدو مازحاً…. تعرفي أنا كتير كنت أتضايق و أحياناً أغضب لكثرة طلعاتك مع أخواتك و صاحباتك ع المقاهي و الأسواق و كثرة صبحياتك … تعرفي قبل أربعة أسابيع لما آخر مرة تخانقنا و طلعت و أنا غضبان دعيت ربنا إنك ما تخطي عتبة البيت برة لستة شهور و ما تشوفي حدا غيري.
جحظت عينايَّ…. و بدأ رأسي يدور حين نهضت من على الكرسي، و قد بدأت بالضحك الهستيري لدقيقة …. و فجأة و في لمح البصر.. جلست علي الكرسي و بدأت بالبكاء و العويل … لم أستطع ترجمة ما حصل أو تفسيره و لكني أحسست بالخوف الشديد …إن لم يكن الهلع .. حين نظرت إليَّ و قالت:كل اليوم بتطلع ع الشغل و أنا لحالي، و بترجع ع الخمسة المسا، و نادراً ما يخطر ع بالك تكلمني و لا تطمن عليَّ زي ما الرجال الأوادم بيعملوا، و لما بترجع بتاكل بدون ولا كلمة حمد و لا شكر .. و بعدين بتنام، و تصحي تقلب في جوالك لحد ما يجي العشا …. و تاكل كأنك في مطعم، و بتختم ليلتك ع التلفزيون و الأخبار و برامج النكد، و لما أعلق بتقولي : ما إنت قاعدة طول نهارك في البيت لا شغلة و لا مشغلة. و بيجي آخر الإسبوع علشان حضرتك تطلع تسهر مع أصحابك في الإستراحات و القهاوي، و أنا لازم أجلس أحرس البيت. بتعرف و الله آخر مرة اتخانقنا فيها قبل أربعة أسابيع دعيت ربي يكتب لك تقعد تحرس البيت ست شهور ما تشوف غيري.