أتُحِبُّني يا عنتره ؟ بقلم : د . سمير محمد ايوب – الاردن

فن وثقافة – القصة
بقلم : د . سمير ايوب – الاردن ..
عشوائيات في الحب – العشوائية 50
جلَسَتْ بجانبه على تلة تُطل على مجرى وادٍ قد جفَّ ضَرعُه . سألته وهي تُطاردُ بنظراتِها فراشةً تُراقص فراشة ًأخرى أمامهما : ما بكَ صامتاً ؟ إفتَحْ ليَ قلبك . أطْلِق سراحَ ما تعتقله في خوابيه . فأنا أغارُ مِما فيه يا رجل ، ومِمّن على حَوافِّه .
طأطأ رأسَه ، وسرعان ما شدَّهُ إلى الأعلى ، تلفَّتَ بحركاتٍ مُتتاليةٍ يَمنةً ويَسرةً ، ثم حدَّقَ صامتاً في أفقٍ يفيضُ بشمسٍ تتهادى نحو الغروب ، وأجفانُه تَرتعشُ .
أمْسكَت بذَقنِه المَسكونةِ بغمَّازٍ عميقٍ ، وأدارَتْ وجهَهُ تِجاهَها ، حتى تلامستِ العيون . وعاجلته بما يشبه الوشوشه : أتُحِبُّني يا رجل ؟
وكأنَّه يزيحُ حِمْلا ثقيلا عن كاهله قال : مِنْ أوَّلِ نظرة .
بِكلِّ ما في حوّاء من دهاءٍ ودهقنةٍ ، سارَعتْ بوقارٍ فَرِحٍ تقول مُشاغِبةً : أصحيحٌ ؟ لا أصدقك ، إحلف .
قال بصوتٍ مشوبٍ بالكثيرِ منَ العتَبِ الحَيِيِّ : أعِنْدَكِ شكٌّ يا إمرأة ؟!
قاطَعَتْ ما كان يوَدُّ استكماله بسؤالٍ : طيِّبْ لِيشْ ؟
تَسَلَّلَ إصْبَعَه إلى شفَتَيْها ليقطع تدفُّق أسئلتها المُتذاكية ، وقال بِحَسْمٍ : مِنْ غير ليه .
تظاهرَت بالأستسلام مُشترطةً أنْ تعرفَ قَدِّ إيهْ ؟
تنهَّدَ وهو يطوِّقُ خصرَها مُتلَعثماً : فاكْرَهْ البحر شو كبير؟!
قالت مُستنكِرةً : بَسْ ؟! يا وِيلَك يا سواد ليلَك . البِحارُ صغيرةٌ يا عنتره !
قال ضاحكا : لا تزعلي يا طمّاعة . فأنا أحبُّك قدرَ حنانِ الآباء والأمهات .
تلاشتْ حزينةً ، وبصوتٍ كسيرٍ خائفٍ همَسَتْ : ألَمْ أقُلْ لكَ أكثرَ منْ مرّةٍ ، أنَّني يتيمةٌ مقطوعةٌ منْ زيتونةٍ كنعانية ؟! قذيفةٌ حاقدة كانت قد مزَّقَت أمي إرَبا في مخيم تل الزعتر ، وبعدها بأشهرٍ سكينُ عميلٍ ، ذبَحَت جسدَ أبي في مخيم صبرا وقطّعَتهُ . أما أخي ألأكبر جِهاد ، فقد قصَفَتْه دبابةٌ شقيقةٌ في مُخيم البداوي . وأخي الأصغر عائد وكان آخر من تبقى لي ، فقد أجبره إرهابيون مُحاصِرون لمخيم اليرموك ، على أن يعود إلى ربه جائعاً عَطِشا منْ هناك . وإن سألتني عن باقي العائلة ، فاعلم أنهم قد طُمِروا أحياءً تحت رُكامِ بيتنا في دير ياسين .
مُبَعثَرا مَهزوماً قال مُواسِيا : يرحمهم ربي وربك . وأضاف بصوت مُحتارٍ : ما رأيكِ أن أنسِجَ لك حبّا بحجمِ وجعِ شعوبِ أمة العرب وأحلامها ؟
دَقَّت يسارَ صدرِه بِقبضةٍ حانية ، وهي تقول بصوت حاولَتْ أنْ يكون مُحايدا : بربك ، دعِ الغفاة َ النيامَ في غفلتِهم يَعْمَهون !
كالمُحاصَرِ الذي اكتشف خلاصَهُ فجأةً ، سألَها : ما رأيكِ بحبِّ مِنْ نِعَمِ الله سبحانه وكَرَمِه ؟
غشِيَتْ عيناها دمعةُ فرحٍ طفولي . طوّقت عُنُقَه . وألقَت برأسها المُثقل على يسار صدره . تلاحَقَت أنفاسُها وتهدَّج صوتُها ، وجاء كالصدى من البعيد البعيد : تعالَ إليَّ يا عنترة واقترب ، لأضمّك وأشمّك ، وألَمْلِم ما تبقى ليَ منْ أهل . فأنا في مثل هذا الحب وحبي لك ، بنتك وأختك وأمك .