آه .. لو كان بوسعنا الفرح بالعيد – بقلم : شوقية عروق منصور

منوعات …
شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة …
انا لست مدمنة على التشاؤم ، لكن حين أتأمل الواقع العربي المنقوع بالدم وجثث القتلى والتفجيرات ، والخوف والرعب ، والحصار والجوع والفقر والهروب  واللجوء المزنر بالذل والتوسل والمطاردة ، أشعر بالذنب اذا فرحنا ، لأننا لم نعد نتقن مهنة الفرح ، فقط نتقن صنع فخاخ الموت ، ولم تعد هناك بقعة في الأرض العربية آمنة نقف عليها ونعلن أننا اكتشفنا نظرية الحياة والتقدم الى المستقبل ، بل يوماً بعد يوم نكتشف أن أعمارنا مرهونة للشقاء البائس وان الغد ليس لنا ، وأن المستقبل يعيش في كوكب آخر ولن يقوم بزيارتنا .
ويبقى السؤال لماذا كُتب على شعوبنا العربية البقاء في حالة الضعف والفقر والامية والاقتتال والانقسام و و ؟؟   حتى اصبحنا ماركات مسجلة للفشل والتبعثر والانجرار والاستسلام للدول الغربية ، التي نحن في نظرها مجرد كرات قدم يسددون بواسطتها أهدافهم  ، ومهما تكلم رجال السياسة والفكر عن نظرياتهم في حال الشعوب العربية وهزوا الكلمات في حضورهم المشع في الفضائيات ، يستطيع أصغر مواطن عربي يعيش تحت القصف أو واقفاً في الطابور ينتظر الحصول على رغيف أو يخطط للهرب من بلده عبر البحر موتاً ، أن يفقأ عيونهم ويقول لهم أنتم مهرجي الملوك والامراء والزعماء والقادة ، أنتم عصابات في بدلات رسمية ، لكن في داخلكم حفلات تنكرية للواقع ، لا تعرفون شيئاً ، تقبضون ثمن مواقفكم وثرثرتكم اللفظية  .
العيد لحظات سحرية ، جميلة ، حيث يمر الفرح العابر ، نرفع له العلم الأبيض ونكتب نص الهدنة بيننا وبين الحزن ، ونقسم أننا سنفرح ، ونروض الحزن الجامح ، ونقدمه على شكل اعراس لقاء مع الأحباب والأطفال ونحضن الأقارب والجيران ، وننسى الخلافات ، فاليوم عيد .
لكن من يستطيع سلخ جلده وينسى خارطة الوطن العربي المبلولة بالدموع ، مكفنة بوجوه الشباب والشيوخ والأطفال والنساء ، من ينسى ارقام القتلى ، وملامح الخوف وصراخ الأمهات والآباء ، والجنازات وهي تتمدد في شوارع الدول العربية .
من ينسى أننا اصبحنا نقيم في فصل الذبح والموت المفخخ ، والتفجيرات ترسم لنا صورة  الفصول الحقيقية التي نعيشها ، فقد خرجنا من براءة فصول السنة الطبيعية ، نكذب إذا قلنا أننا نعيش في فصل الصيف بل نحن نحيا الآن في فصل السيف .
من ينسى  وجوه الذين يفجرون انفسهم التي تُنشر بعد تفجيرهم وهم بكامل فرحهم ، وكل واحد منهم  يحمل في جعبته اسماً يلتحق بلقب ” أبو”  حتى كرهنا الآباء والأبناء ، ونتساءل كيف يكون شعورهم وهم على حافة الموت تبعثراً ، تقطعاً ، ذوباناً ، ما هي الأفكار التي تصل الى عمق قناعاتهم حتى يفجروا نفسهم ؟؟
آه لو كنا بوسعنا الفرح بالعيد ..!  لو كان بوسعنا اغتيال الحزن..!  لكننا مصابون بالسكتة الفرحية . مصابون بشلل في غدد السعادة .
في أيام العيد أحاول الفرح  والعب لعبة التفاؤل  إكرماً للمناسبة  ، لكن سرعان ما تقف العراق واليمن وسوريا وليبيا ومصر وفلسطين أمامي فأصاب في الهلع ، من يعش في طقس الدم لا يحق له الفرح ، حتى يتخلص من الذين  وضعوا الشعوب العربية داخل مملحة على طاولة الغذاء العالمي ، حيث يرشون دمنا على طعامهم حتى تفتح شهيتهم لتدميرنا .
هذه سيرة الذاتية ليوم عيد يحاول الفرح ، واذا قررنا الفرح  ليكن فرحنا خافتاً ، لأن عدد المقابر أكثر عدد الحدائق والملاهي في وطننا العربي .
أنا بالنسبة لي سأغلق الباب بوجه العيد ، سأجلس الى جانب جدنا المتنبي الذي ردد قبل مئات السنين ( عيد بأي حال عدت يا عيد ) .