وكذلك تموت الأشجار واقفة – شعر : زكرياء بوغرارة

الشعر …..
زكرياء بوغرارة – كاتب وشاعر مغربي ..
هبة الحزن تأتي مع نسمات الصباح.. ونيران المجامر تزداد وهجا، ومن رحم المعاناة تنبثق الكلمات التي ستنتفض بعد موتي حية…أن تموت واقفا وأنت تتحدى آلة القمع ولأواء الشدائد والمحن.. وتصمد في وجه العواصف والأنواء, إنها أمنية الحر.. وإن توارى خلف الأسوار وارتفعت من حواليه جدارات إسمنتية وجدارات الصمت القاتم… ولكن أن تموت واقفا.. إنها أمنية النبيل ذلك الفارس بلا جواد..
وكذلك تموت الأشجار واقفة في شموخ وكبرياء واحترام…
1
يامن كنت صديقي…
مازلت صلبا كالجدار
وعلى كاهلي أثقال الأثقال
أمضي في شموخ ككبرياء الجبال
قد ارتفعت فوق جراحي
لملمت تلابيب كياني
أوقفت زف دمي المهدور
شربت من ماء النهر..
وتزينت بالصبر كعروس
بين أحضان دفء السكينة
وفي أعماقي وجدان ثورة بركان
غضوب كأمواج البحر
ثائر كعاصفات الرمال….
2
ذقت رحيق الموت قبل الموت
وبعد صخب الكلام
حاصرني جدار الصمت
في كل مكان
بارد كالثلج
عاصف كالخريف
وألفظ النفس الأخير في سكون قاتم
ولكن … واقفا
كأشجار الصنوبر
تموت الأشجار واقفة…
في شموخ وانتظام
تموت واقفة
وقوف الاحترام
تموت الأشجار واقفة
ولكن البهائم…
تلفظ أنفاسها متكومة كالركام
*****
يا من كنت صديقي
مازلت صلبا كالجدار
بين عروقي دم وجدي
يأبى المصافحة أو الركوع
ما زلت شامخا
كالجبال…
رغم العتمات الثقال
وعصف الشدائد وويل الوبال
تموت الأشجار واقفة
دائما كالرجال…
3
يسكنني حياء العمق
ومودة كل الأحباب
وفي عميق جوانحي
جرح
ألم .. وحنين للأمس الصادق
يطول بي الصمت…
وقليلا ما أقترف الكلام…
علمتني الأشجار .. وهي تموت واقفة
كيف أرسم على محياي ابتسامة…
في وجه المنية والردى
مبتسما في شموخ
و على صدري أوسمة قهري
تنبعث منه آهات حرى
تكوي كالجمر الملتهب
وأشجان
وجروح بلا التئام
ألف ..لام
ها قد انتهى سفر الكلام
4
يامن كنت صديقي…
مازلت صلبا كالجدار
أموت واقفا كالأشجار
تموت واقفة…
رغم هبوب الرياح وعصف الرمال